يعاقِبون حلفاء السعودية… من المحيط إلى الخليج! (طوني عيسى)

 

طوني عيسى

هل يضغطون على السعودية لاستيعابها ودفعها إلى الذوبان في تسوية تريح الإيرانيين، أم للتخلّص منها كقطب إقليميّ وازِن؟ الأرجح أنّ الجواب موجود عند القطريّين الذين عرفوا «من أين تؤكل الكتِف»!
هناك مَن يقول: عوقِبت السعودية على أدوار لعِبتها، ولم يكن يراد منها أن تفعل، وعلى أدوار مطلوبة فشلت فيها. لكن هناك مَن يقول: ليست المسألة لا هذه ولا تلك. هناك تغييرات سياسية تجتاح الشرق الأوسط سار فيها القطريّون، لأن لا شيء عندهم يخسرونه. وأمّا السعوديّون فعاندوا لأنّ خسارتهم أكبر من قدرتهم على التحمُّل.
لطالما كان السعوديّون عرّابي التسويات الإقليمية، بغطاء أميركي. ففي أوسلو ومفاوضات التسوية مع إسرائيل كان لهم الدور الأوّل. وفي التسويات التي أوقفت الحروب في لبنان، في الطائف وقبله وبعده، كانوا القطب الإقليمي النافذ مقابل دمشق. وفي الثورات العربية، والثورات على الثورات، من تونس إلى مصر وسوريا واليمن والبحرين وليبيا، كان السعوديّون شركاء في الحدث. ولطالما انطفأت سريعاً محاولات قطر في المنافسة.
وأخيراً، ظهرت هذه المنافسة عنيفة في ثلاث ملفّات:
– الدعم السعودي للفريق العسكري الذي أطاح "الإخوان المسلمين"، حلفاء قطر، في مصر.
– دعم الرياض لـ"الجيش السوري الحرّ" في سوريا، مقابل دعم قطر للمجموعات الإسلامية.
– في لبنان، إنتقلت قطر من دعم القوى الإسلامية إلى دور الوسيط، كما في ملفّ مخطوفي أعزاز. وأمّا السعودية فهي مُربَكة مع حلفائها في طريقة التعاطي مع الأزمة أمنيّاً وسياسيّاً.
لقد جاءت التسوية حول السلاح الكيماوي السوري لتفتح باب التسوية مع إيران. وفهمت قطر لغة المصالح، ودخلت على خط الوساطة، وهي "الخبيرة العتيقة" في العلاقات مع إيران والغرب على حدّ سواء. وفي لغة المصالح، بقي السعوديّون على قارعة التسوية ينتظرون مَن يقرع بابهم قبل إبرامها. لكنّ الأميركيين لم يُظهروا حماساً لتلميع الدور السعودي. وتصرّفوا في هذا الشأن وفق القاعدة الآتية:
السعوديّون في الجيب، وهم أساساً في "بيت الطاعة"، والقوى العربية التي يدعمونها تفشل في كلّ مكان. ولا بأس في استيعاب قطر التي كان يسود الظنّ بأنّ إخضاعها صعب، نظراً إلى إعتمادها على القوى الجهادية التي تؤرق الغرب. فباستمالة قطر، ضَرَب الأميركيّون عصفورين بحجر واحد: الأوّل هو استخدامها منصّة خليجية مجدّداً، والثاني هو تعرية القوى المحسوبة عليها، خصوصاً في مصر وسوريا ولبنان.
بالنسبة إلى واشنطن، المطلوب من السعودية أن تبارك التسويات مع حلف إيران – الأسد – "حزب الله". لكنّ هذا الحلف يستفيد من التوتّر الأميركي ـ السعودي لإطلاق النار على الرياض. وهو يطمح، في الحدّ الأدنى، إلى استيعاب السعودية، وإلّا فستكون هناك ضربة مؤلمة لها أو لاستقرارها من الداخل والخارج، سياسيّاً أو أمنيّاً أو ماليّاً. وستكون هناك محاولات لتأليب المجتمع الدولي ضدّها تحت شعار "خروجها عن التوافق الدولي".
وهذا الحلف سيتعاطى مع حلفاء السعودية، من إمارات الخليج وممالكه إلى العراق وسوريا ولبنان، كـ"يتامى". وسيتعرّض هؤلاء للتعرية والتشفّي. والحملة التي شنّها الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير على السعودية جاءت معبّرةً، إذ أرفقها بمخاطبة 14 آذار: "الآتي من الأيام ليس في مصلحتكم".
وفق هذه المنطلقات، رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي سيَحكم سعيداً في العراق إلى ما بعد الإنتخابات التشريعية. والمعارضة السورية ستبقى عاجزة عن فرض إيقاعها العسكري أو طروحاتها السياسية، وقد يتكرّس إستمرار الأسد إلى ما بعد الإستحقاق الرئاسي. وأمّا في لبنان، فلا حكومةَ ولا حوار ولا إنتخابات رئاسية ولا قانون إنتخاب ولا إنتخابات نيابية، إلّا بالتسوية الإقليمية التي تنأى السعودية بنفسها عنها.
ومن هنا الإرباك المتعمّد للوضعين السياسي والأمني، وإرباك الفريق الذي لطالما احتمى بالقطبية السعودية ضمن تسويات الـ"س – س" وخارجها، والذي يتعرّض اليوم للمعاقبة. وقد يجد حلفاء السعودية أنفسهم مضطرّين إلى استبدال دعمها ظرفيّاً، والوقوف في صفّ المنادين بشعار "شكراً قطر"، عملاً بمبدأ "بالشكر تدوم النِعَم". ولكن أيّ نِعَمٍ ستدوم؟

صحيفة الجمهورية اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى