المرشدات الدينيات في مصر: البدايةإخوانية

محمد العواودة-

تمتلك المرشدات الدينيات في مصر حقلهن المعرفي، وعلى الأغلب خارج أسوار التدين الرسمي، وبعيداً من الأنموذج الأزهري في التربية والتعليم العالي، وإن حصلن في بعض النماذج على شهادات عليا أزهرية من داخل البنية المعرفية الرسمية للدولة، كما يلاحظ أنهن أقرب إلى القيادة الذاتية العشوائية، أو يدرن في مجال النموذج التربوي والمعرفي لجماعة الإخوان المسلمين التي ما زالت مهيمنة على المشهد الإسلامي الحركي في البلاد.

لا يعرف تاريخ تأسيس دقيق لانطلاق ظاهرة المرشدات الدينيات في مصر، إلا أن الباحثة المصرية في الجامعة الأمريكية شيرين حافظ تعيد بداية الظاهرة إلى عام 1995، وتحديداً حين رفع عدد من النساء الناشطات في المجال الديني الشعار الذي خرج عن جبهة المنظمات غير الحكومية في بكين: “لدي رأي باعتباري امرأة مسلمة”. ويربط تقرير للحياة اللندنية الظاهرة وصعودها بظهور نوع جديد من الحماسة الدينية بين الشباب مع ظهور الداعية عمر خالد مطلع الألفية الثانية، حيث ضم جمهوره عددا كبيرا من الشابات، وحيث يرمز خالد إلى جيل جديد من الوعاظ، وهم شبان يتحدثون بالعامية ويجتذبون حشودا أكبر من العلماء الكبار الملتحين، الذي هيمنوا على الإرشاد الديني.

كما كان لدور الجمعيات الخيرية والإسلامية، لا سيما التي يتبناها الإخوان المسلمون، دور بارز في إحياء هذا النهج وانطلاق هذه الظاهرة. وقد انتشرت هذه الجمعيات في مدينة القاهرة انتشارا واسعا في السنوات الأخيرة، في مختلف الأحياء والضواحي، إلا أن الواقع يشير إلى أن الناشطات الإسلاميات يرتكزن على قشرة خارجية اسمها “موجة الإحياء الإسلامي في مصر”. وعلى الرغم من اختلاف خلفياتهن الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فإن ما يجمع هؤلاء النساء هو حماس ديني يهدف إلى تحقيق قدر أكبر من التدين وتحسين الذات ، مع تركيز واضح على مسألة الحجاب.

ويرى بعض العلماء الاجتماعيين أن الطلب المتزايد على الواعظات أدى إلى دخول بعض غير المؤهلات هذا المجال، وأن الشعبية المتنامية لهن ترجع بشكل أكبر إلى تلبيتهن حاجة اجتماعية. حيث إن الساحة الدينية النسائية تفتقر إلى الشخصيات المؤهلة التي درست الفقه الإسلامي، مما أعطى الفرصة لشخصيات أقل تأهيلاً للقيام بهذا بدور.

كما أن الطبيعة الدينية لتلك النسوة لا تتوافر على قضايا حداثية من خلال أدائهن الوعظي، مثل قضايا التمكين للمرأة، والتصدي لهيمنة المجتمع الذكوري على الدين والمجتمع، فالتمكين بالنسبة لهؤلاء الناشطات هو وسيلة يستخدمنها لتحقيق الكمال الديني، وليس كغاية في حد ذاتها، ويعتبرن أن التمكين يأتي بالتسليم بسلطة الرجل على المرأة، لا في نظر النساء إلى أنفسهن باعتبارهن كينونات حرة ومستقلة تبحث عن الاستقلال عن السيطرة الذكورية غير العادلة، لكنهن يعتبرن أنفسهن جزءاً لا يتجزأ من وحدة واحدة، تشمل الزوج والأسرة التي تعمل في سبيل الله، فالتمكين يأتي من داخل الإطار ذاته.

لا كما التمكين المعاصر الذي يعتبرنه مناقضا لطبيعة الإسلام. إلا أنه يجب الوعي بأن هؤلاء الواعظات ومع محاولاتهن إيجاد مكان لأنفسهن في خضم الإحياء الديني الحاصل حاليا، فهن يتبوأن مراكز تشكل تحديا واضحا لهيمنة الرجال على تلك المجالات، وحيث يجدن أنفسهن متمكنات وفي مكانة محورية في المجتمع، وهن يحاولن، من خلال عملهن وتقديمهن الخدمات المجانية في المساجد والجمعيات الخيرية والدينية، تغيير الظروف التي تقلل من شأن النساء في المجتمع، مثل الأمية ونقص العناية الصحية والفقر… إلخ.

كما هي الحال في باقي دول الظاهرة، لم يمر نشاط الواعظات الدينيات المصريات من دون تدخل الدولة، توظيفا أو رصدا ومعادة، وحيث لم تحظ الواعظات المصريات بالتبني الرسمي لأنشطتهن كما في المغرب والجزائر مثلا، فقد عملت الدوائر الرسمية ومؤسسة الأزهر على شن حرب شعواء على الواعظات الدينيات كلهن لأسباب مختلفة، فالأول لأسباب أمنية وخوفاً من عودة الحركات المتطرفة، والثاني للاعتراض على تبوؤ المرأة مكانة كهذه في مصر. في خضم دولة تسيطر على الإعلام، وبالتالي فإن الانتقادات التي تملأ الجرائد والمجـلات وبرامج التلفزيون تعد انعكاساً للموقف الرسمي .
لا مصادر جديدة ترصد حركة ظاهرة المرشدات الدينيات في مصر، في سياق عملها الطبيعي المشار إليه في هذه الدراسة، بعد أحداث الربيع العربي، مع أن الدراسة تتوقع أن نشاط الواعظات المصريات، وتبعا لطبيعة الحقل المعرفي الديني ذي الأرضية المؤسسية الإخوانية والنشاط التوعوي الديني المشار إليه مطلع هذا الفرع من الدراسة، قد اصطبغ بلون سياسي غائر في المؤسسية والتنظيم مع موجات الانتخابات والتحضير لها للدفع باتجاه أسلمة الدولة والشارع في عهد الرئيس مرسي، وقد تستمر بعده رصدا وأداء في التحضير لانتخابات خارطة الطريق المتوقعة. وقد برز حضور الناشطات الإسلاميات والمنقبات بشكل لافت في المجتمع المصري بعد الربيع العربي.

في المقابل، ثمة أحاديث تدور حول محاولة الدولة ممثلة بنظامها الحالي إعادة برمجة دور الواعظات وتأهيلهن عن طريق مؤسسة الأزهر (أكثر المؤسسات الدينية والرسمية ولاء للنظام القائم) واعتماد الأزهر لا غيره في إصدار الشهادات وتوزيع الواعظات، فيما يعتقد أنه يأتي في سياق الإجراءات الأمنية القائمة، خوفا من تضخم ظاهرة التطرف، وكإجراء وقائي ضد دائرة تحريض متوقعة على العنف، بعدما حدث في 30 يونيو (حزيران) العام 2013.

خلاصة بحث محمد العواودة ‘المرشدات الدينيات في الجزائر المغرب مصر اليمن’، ضمن الكتاب 89 (مايو 2014) ‘الإسلام والمسلمون في البلقان’ الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى