الأزمات شريان حياة نظام أردوغان

فوز رجب طيب أردوغان في الاستفتاء الأخير على الإصلاح الدستوري، مرير. فهو اضطر إلى تزوير واسع النطاق، وخسر إسطنبول وأنقرة اللتين كانتا منذ 1994 من معاقل «حزب العدالة والتنمية».

وفي كردستان التركية، لم يفلح، في ما خلا بعض البؤر القليلة، في استمالة دعم الأكراد لسياسته القمعية. وعلى رغم أن هزيمته في المناطق الساحلية، سواء المطلة على المتوسط أو إيجيه، ليست طارئة وجديدة، رسخت اليوم أكثر فأكثر. ويبدو أن الأرقام الفعلية في الاستفتاء تصب لمصلحة المقترعين بـ «لا». ولم ينفِ مجلس الانتخابات الأعلى أن ثمة عدداً كبيراً من البطاقات الانتخابية غير الممهورة، وتقدر المعارضة عددها بـمليوني بطاقة.

ولا تفاقم القطيعة بين الأرياف والمدن وبين الطبقات الوسطى المدينية وتركيا العميقة، ما ينتظر أردوغان. فهذه الظاهرة تتحدر من استراتيجية لطالما التزمها. فهو يرفع لواء تفوق تركي – سني، ومعاقله في الأناضول الوسطى والبحر الأسود راسخة. ولكن مثل هذا الاستقطاب مقلق، فهو يمزق كبرى المدن التركية. ورجحت قوة التحالف بين الحزب الحاكم وحزب الحركة القومية من جهة، ولكنه تصدع، من جهة أخرى. وهذا ما يشي به دمج الذئاب الرمادية، وهي حركة تغالي في التطرف اتهمت باغتيالات ســــياسية، في الجهاز الأمني. فعملية زرع ميليشيات غير نظامية في أجهزة الدولة تتواصل. والشقاق يهز قاعدة حزب «الحركة القومية» الانتخابية، فـ80 في المئة منها عارض الإصلاحات الدستورية. ولا يستبعد وقوع انشقاقات فيه.

ولا تقيض الحياة لنظام أردوغان من غير استقطاب ومكافحة مزمنة لعدو داخلي وخارجي. والمؤشرات كلها تشير إلى سعيه إلى انتخابات تشريعية مبكرة لحيازة أغلبية تخوله تعديل القانون الأساسي من طريق الدعوة إلى عقوبة الإعدام. ولن يهدئ أردوغان التوتر مع الاتحاد الأوروبي ولا الانفصاليين الأكراد، ولو لطف نبرة خطابه في الشهرين المقبلين. فلا غنى له عن الأزمات (مع الاتحاد الأوروبي، وأميركا، وروسيا، وإيران)، لتحريك عجلة حكمه وتجييش ناخبيه.

ويرى أردوغان أنه صاحب رسالة تاريخية وعلاقته بالإرث الكمالي معقدة ومركبة، فهو يريد أن يكون امتداداً للكمالية ونقيضاً لها، في آن. وهو يعتقد أن تركيا تحتاج إلى «إصلاح» للخروج من الاغتراب الناجم عن عملية تغريب وميل إلى الغرب دامت قرنين.

ولن يخلف فوز أردوغان الأخير في الاستفتاء في الجغرافيا السياسية في سورية. والتوتر مع حلف شمال الأطلسي على حاله، شأن التوتر مع واشنطن. ويبدو أن دونالد ترامب لا يرغب في تسليم فتح الله غولن (الداعية المنفي في بنسيلفانيا والمتهم بالوقوف وراء انقلاب 2016). ولن يعدل الرئيس التركي عن سياسة ابتزاز الاتحاد الأوروبي في ملف المهاجرين والملف الاقتصادي. فهو قد يقصي شركات المانية وهولندية ودنماركية عن المناقصات.

والنموذج التركي الذي رأى تونسيون ومصريون وسوريون في مطلع الربيع العربي أنه قدوة تحتذى، تبدد. وحينها كانت تركيا تحلم بالارتقاء إلى قوة إقليمية كبرى في الشرق الأوسط، وسعت إلى تطبيع علاقاتها بالعالم العربي. ففي 2010، حاز أردوغان جائزة القذافي لحقوق الإنسان. ولكن الأمور لم تسر على ما اشتهت أنقرة في تونس ومصر وليبيا. وفي سورية صمد نظام بشار الأسد. وخبت صورة تركيا على وقع ذواء وهم القوة التركية.

صحيفة ليكسبريس الفرنسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى