الأشياء الغائبة عن واشنطن في محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين (مايكل سينغ)

 

مايكل سينغ

أدى الانهيار شبه الوشيك مؤخراً لمساعي السلام بين إسرائيل والفلسطينيين التي ترأسها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى إطلاق موجة من الانتقادات المعهودة التي تعقب عادة حدوث مثل هذه الانتكاسات. بيد أن الانغماس في عملية توجيه الاتهامات، أو تمني لو أن كلا الطرفين كان لديهما مواقف مختلفة، أو نفض اليدين والابتعاد [عن المشاركة في الوساطة] لن يؤدي إلى أية نتيجة.
ولم يكن الوزير كيري مخطئاً في سعيه للتوصل إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين – حيث إن القيام بذلك يصب في مصلحة الولايات المتحدة كما يعد عنصراً هاماً للقيادة الأمريكية في المنطقة. بيد أنه لا ينبغي عليه أن يسعى لإعادة العملية بشكلها السابق. فقد كان هناك عيب تكتيكي يعتري العملية السابقة، حيث تطلبت من كلا الزعيمين تحمل مخاطر سياسية مقابل نتيجة هزيلة، وهي تحديداً توزيع "وثيقة إطار" أمريكية واستمرار محادثات تبدو احتمالاتها قاتمة.
إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يواجه جمهوراً مفتوناً بأمل زائف يقوم على الإعلان الأحادي الجانب عن قيام الدولة من خلال تراكم العضويات في وكالات الأمم المتحدة، لم ينخرط مطلقاً بحماس في المحادثات. ومن الناحية الأخرى، انخرط رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بعزم في المحادثات، لكن في ظل احتمال رفض عباس للوثيقة الإطارية ومن ثم جعلها غير ذات أهمية فورية، لم يكن لدى نتنياهو الكثير من المحفزات لتحمل التكلفة السياسية المصاحبة للإفراج عن سجناء فلسطينيين أو عرقلة عطاءات بناء وحدات سكنية.
لقد جادل الوزير كيري أنه من الأفضل أن يحاول الانخراط في عملية سلام ويفشل فيها بدلاً من ألا يحاول على الإطلاق، لكن الفشل له تكلفته. ووفقاً لاستطلاع للرأي أجراه مؤخراً شبلي التلحمي، تدعم غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين حل الدولتين، لكن ما يقرب من نصف الجمهور على كلا الجانبين لا يعتقد بإمكانية تحقيق ذلك، كما أن ربع السكان فقط على كلا الجانبين لديه الثقة في مفاوضيه أو الوسطاء الأمريكيين. إن الفشل على المستويات الكبرى يعمّق التشاؤم ويغذي الحماس تجاه تبني بدائل تؤدي إلى نتائج عكسية.
ومن ثم فإن المسألة لا تتعلق بوجود عملية سلام، لكن بالنهج الذي يمكنه إرساء الاستقرار لمحادثات سلام وزيادة الاحتمالات طويلة الأجل للتوصل إلى اتفاق. وهناك أربعة عناصر يجب أن تدمجها إدارة أوباما في المرحلة القادمة.
أولاً، لا يمكن أن يكون هناك بديل للانخراط المباشر بين الطرفين أنفسهما. فعندما عجز كيري عن إجراء حوار مباشر بين إسرائيل والفلسطينيين حول قضايا الوضع النهائي، فإنه استبدل ذلك بمناقشات موازية بين الولايات المتحدة وإسرائيل والولايات المتحدة والفلسطينيين، كما استعاض في محصلة المناقشات بإصدار بيان أمريكي عن التوصل إلى اتفاق ثنائي. وربما بدا ذلك مدفوعاً بالمصلحة الدبلوماسية، لكنه تعثر لسبب بسيط وهو أن فوائده لم تفوق تكلفته بالنسبة لكلا الطرفين.
ومن الناحية الواقعية، فإن التأكيد على الحوار المباشر يعني خفض مستوى المحادثات والقبول بأن التقدم سوف يتحقق أولاً في القضايا الأقل إثارة للخلاف مثل الاقتصاد والأمن. كما يعني ذلك الاستغناء عن المواعيد النهائية المفرطة في الطموح، والقبول بأن مجرد تسليم عملية سليمة لخليفة الرئيس أوباما في 2017 سيكون إنجازاً يستحق الإشادة.
ثانياً، يجب وضع مزيد من التركيز على النمو والإصلاح الاقتصادي الفلسطيني. فالقيام بذلك سوف يساعد الفلسطينيين في التركيز على ما سيكسبونه من خلال السلام، وليس فقط ما يعتقدون أنهم سوف يخسرونه. كما أنه يطمئن الإسرائيليين إلى أن جارتهم الفلسطينية لن تكون دولة فاشلة. لقد عانى اقتصاد الضفة الغربية من الركود في عام 2013 بعد سنوات عديدة من النمو، كما تدهورت مصادر تمويل السلطة الفلسطينية. ومثلما يتضح جلياً من واقع الانتفاضات العربية الأخيرة، فإن تلك التراجعات والتوقعات المحطمة قد تثبت مزعزعة للاستقرار بشكل كبير.
وفي إدراكه لتلك الحقائق، أطلق الوزير كيري مبادرة اقتصادية جديرة بالثناء لصالح الفلسطينيين في براغ الشهر الماضي. بيد أن تلك المبادرات غير كافية – فمحادثات السلام والاقتصاد مرتبطان ببعضهما البعض بشكل معقد.
إن الانتكاسات في المفاوضات وعدم الاستقرار السياسي تزيد من حالة عدم اليقين التي تنتاب المستثمرين ورواد الأعمال المحتملين وتهدد التعاون الإسرائيلي في تحويل إيرادات التخاليص الجمركية والقيود المفروضة على الحركة، وجميعها عوامل جوهرية للنمو الاقتصادي الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك، تشتد فجأة معونات المانحين عندما تسير المفاوضات بشكل جيد، وتتضاءل أثناء فترات الفتور الدبلوماسي؛ كما تتأثر سلباً بالفساد في السلطة الفلسطينية، الذي تفيد التقارير بارتفاعه رغم توقف بناء المؤسسات السياسية. وقد تراجعت المعونات خلال الفترة من 2008، ذروة "عملية أنابوليس"، وحتى 2011، بمعدل النصف.
ثالثاً، يجب على الولايات المتحدة استنكار ما يسمى [بالأحرف الأولى باللغة الانكليزية] بـ "حركة بي دي إس" التي تدعو للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض عقوبات ضد إسرائيل، بدلاً من محاولة استغلال شبح المقاطعات لتحفيز إسرائيل على المضي قدماً. وتزيد احتمالية إقدام إسرائيل على المخاطرة عندما تشعر بالأمان. إن حركة "بي دي إس"، التي تتجاوز أهدافها المعلنة إنجاز اتفاق سلام معقول، تحقق العكس – فهي تقنع إسرائيل بأن الحملة ضد وجودها كدولة يهودية لن تتوقف حتى مع التوصل إلى اتفاق.
وعلاوة على ذلك، فإن إلحاق أضرار بالاقتصاد الإسرائيلي يضر بالفلسطينيين كذلك. فهم يعتمدون على إسرائيل اقتصادياً للعمالة وكسوق للتصدير، وهذا يعني أن الركود الاقتصادي الإسرائيلي له صدى مؤلم في الضفة الغربية وقطاع غزة. بالإضافة إلى ذلك، فإن نجاح دولة فلسطينية مستقبلية سوف يعتمد بصفة جوهرية على التعاون الاقتصادي مع إسرائيل؛ وسوف يتم تقويض ذلك التعاون عن طريق المقاطعات والعقوبات. وسوف يُحسِن أنصار الفلسطينيين بالتركيز على تعزيز الاقتصاد الفلسطيني من خلال الإصلاح والشفافية والمساعدات والاستثمار، بدلاً من التركيز على تقويض اقتصاد إسرائيل.
وأخيراً، وكما هو الحال مع العديد من القضايا الأخرى، فإن المساعي الأمريكية للسلام سوف تستفيد من انخراط أكثر قوة مع الدول العربية. فبإمكانها أن تكون مصدراً للمساعدات والغطاء السياسي لعباس، ويمكنها تهميش الرافضين مثل «حماس»، كما يمكنها أن تقدم تكامل إقليمي أفضل لإسرائيل. إن الوزير كيري قد أقنع جامعة الدول العربية بشكل يستحق الثناء بتعديل "مبادرة السلام العربية" لعام 2002 بحيث تدعم تبادل الأراضي، ويجب أن يبني على ذلك النجاح.
ولم يحن الوقت بعد لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كما أن تلك المسألة لن تستفيد حالياً من دفعة دبلوماسية أخرى رفيعة المستوى. لكن ذلك لا يعني أنه ينبغي على الولايات المتحدة إهمالها، والتراجع خطوة إلى الوراء إلى ذلك الحد البعيد عن القيادة الإقليمية.

مجلة فورين بوليسي الأمريكية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى