الولايات المتحدة تبدأ بدفع ثمن سياستها الخارجية

لقد اختبر الأمريكيون صبرنا طويلا، ونحن لم نرد بشيء. فالعقوبات الجوابية التي فرضتها روسيا كانت موجهة عمليا ضد الاتحاد الأوروبي، ولم تمس الولايات المتحدة. كذلك، فإن الأمريكيين عند فرضهم العقوبات على روسيا لم تمس مجال الفضاء، لأن التعاون معنا في هذا المجال مربح لهم، ما يدعو إلى السخرية.لذلك، يجب ألا نفكر بأن روسيا عندما اتخذت قرارها بوقف العمل باتفاقية إعادة تدوير البلوتونيوم، ثم وقف العمل باتفاقية التعاون مع الولايات المتحدة في مجال البحث والتطوير في القطاعات النووية والطاقة، تؤزم الوضع. لا، نحن ببساطة نعمل على موازنة علاقتنا، والتي، بالمناسبة لا نتخلى عنها. فإذا غيرت الإدارة الأمريكية الجديدة موقفها من روسيا بعد الانتخابات الرئاسية، فإن روسيا ستدخل تعديلات على موقفها أيضا.

ولا أعتقد أن الولايات المتحدة ستتخذ إجراءات مضادة مثل عدم السماح لروسيا باستخدام نظام SWIFT (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) كما يتوقع بعض الخبراء، وذلك لأنه: أولا – هذه منظومة دولية وليست أمريكية، وثانيا- لن يكون ذلك مفيدا للغرب نفسه.

فمثلا تدفع أوروبا عبر هذه المنظومة ثمن الغاز الروسي، فإذا مُنعت روسيا من استخدام المنظومة فسوف تضطر أوروبا إلى سداد ثمن الغاز نقدا؛ فهل ستنقل الأموال النقدية إلى روسيا بواسطة عربات القطار أو سبائك ذهبية بواسطة الطائرات. كما يبلغ حجم التبادل التجاري بين روسيا والاتحاد الأوروبي 0.8 مليار يورو في اليوم. وهو يتألف بشكل أساس من توريد الخامات الروسية إلى أوروبا. أي أن المصانع الأوروبية من دون هذه الخامات ستتوقف عن الإنتاج.

ولو كان بإمكان الغرب منع روسيا من استخدام منظومة SWIFT وغيرها من الأنظمة لكان قد فعل ذلك. لذلك عند فرض العقوبات على روسيا، اختار الغرب القطاعات التي لا تؤثر في نشاطه، ولا سيما أن روسيا تملك ثلث احتياطي الموارد الطبيعية في العالم وقدرة صاروخية جبارة وتكنولوجيا عالية، أي هي ليست ذلك البلد الذي يمكن اللعب معه. نحن لسنا كوريا الشمالية ولسنا زمبابوي.

وبرأيي، إن الولايات المتحدة لم تدرك حتى الآن أن العالم أصبح مختلفا. فهنالك الصين والهند وحتى دول أوروبية لا ترغب بالعيش في عالم أحادي القطب. لكن الولايات المتحدة عندما تبني سياستها الخارجية تفهم شيئا واحدا – عندما تشاهد أمامها جدارا لا يمكن تحطيمه، تتوقف. وبالنسبة إليها، هذا الجدار ليس مجلس الأمن الدولي الذي لم تطلب منه تفويضا عند غزوها العراق وقصفها يوغوسلافيا. لذلك بالذات يعمل العديد من الدول على امتلاك السلاح النووي، لأنها تدرك استحالة الاتفاق مع الولايات المتحدة على شيء ما.

ويظهر لي أن صبرنا قد نفد، وأن التصريحات بشأن فرض عقوبات إضافية على روسيا بسبب سوريا، يعني أن الرئيس أوباما يعيد العلاقات الأمريكية-الروسية إلى الوراء عشرات السنين. وطبعا هناك وجهة نظر حتى بين الخبراء الأمريكيين تفيد بأن هذا يجري من دونه. أي في هذه الحالة يمكن القول إنه كلما كانت النار أقوى، فإن باعة اسطوانات إطفاء الحريق وباعة البنزين لسيارات الإطفاء يستفيدون أكثر. والحديث هنا يدور عن صفقات بالمليارات التي بواسطتها يعيش الأمريكيون.

ولكن من جانب آخر، لهذه الأسباب سيفكر الأمريكيون بخطوات جديدة تجاه روسيا، عندما يفكرون بخسائرهم. سيستمرون بهذه الخطوات إلى أن تنال من مصالحهم، وهنا يبدأ منطق جديد بالعمل. فبعد قرار روسيا وقف العمل بالاتفاقيات المذكورة أعلاه أصبح الأمريكيون في موقف خاسر، لذلك لا أعتقد بأنهم سيرغبون بتكبد خسارة أكبر. أي أنهم بدأوا يدفعون ثمن سياستهم.

هذا، ويمكن افتراض أن ذلك يسبب خسارة للطرفين، ولكن هناك بلدانا أخرى مثل الصين التي بإمكانها ملء الفراغ الحاصل وانتزاع زمام المبادرة من الولايات المتحدة في العديد من القطاعات. فإذا كان للأمريكيين من العقل ما يكفي فإنهم سيتوقفون عن الضغط على روسيا ويعودون إلى التعاون معها.

*نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي

صحيفة أرغومينتي إي فاكتي الروسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى