تجدد متعسّر للعلاقة بين مصر وواشنطن

استهلّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأسبوع الأول من أبريل بحلوله ضيف شرفٍ على واشنطن، حيث لقي من الرئيس ترامب ثناءً حاراً في المكتب البيضاوي في الثاني من أبريل، وذلك على “أدائه المذهل” بينما تسبب بزحمة سير في جورج تاون على مدى الأيام الثلاثة التي تجوّل خلالها في العاصمة الأمريكية. إلا أنّ السيسي عاد إلى بلاده في الخامس من أبريل خالي الوفاض ومحجوب الأضواء بعد أن أولى ترامب اهتمامه لآراء العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حول سوريا وأصدر أمراً بتنفيذ الغارات الجوية في السادس من نيسان/أبريل بالرغم من هواجس السيسي.

ومن المؤكد أنّ الهدف الوحيد من زيارة السيسي هو كسب دعمٍ كبير من المحفل السياسي في واشنطن – واستعراض هذا الدعم. فقد حرنت مصر لأربع سنوات جرّاء الجفاء الذي أبدته إدارة أوباما تجاه السيسي، إذ أن إطاحة السيسي بزعيم «الإخوان المسلمين» محمد مرسي في تموز/يوليو 2013 جوبِه بالفتور من قبل الرئيس أوباما، وما هي إلا ثلاثة أشهر حتى قطع المساعدات العسكرية عن مصر ثم امتنع عن دعوة السيسي إلى واشنطن بعد أن فاز بالانتخابات الرئاسية في أيار/مايو 2014 دون منافسة تُذكر. ولذلك فمن وجهة نظر مصر، أنها ترى في ترحاب البيت الأبيض في الأسبوع الأول من نيسان/أبريل ومحادثات الكابيتول إنجازات بحد ذاتها، وإشارةً إلى أبناء مصر إلى أنّ واشنطن – التي هي الآن تحت ادارة جديدة – تدعم السيسي.

إلا أنّ جولة النوايا الحسنة لم تؤتِ أي ثمار فورية. فالسيسي لم يتلقَّ أي مساعدات عسكرية أو اقتصادية جديدة، كما أن إدارة ترامب لم تجدد آلية التمويل التي تسمح لمصر بطلب منظومات الأسلحة المكلفة بالاقتراض. وفي الوقت نفسه، كان الوزراء في أوساط السيسي قد شجّعوا رجال الأعمال الأمريكيين على المزيد من الاستثمارات، غير أنهم عادوا إلى ديارهم دون أي عقود جديدة.

وعلى الرغم من الضغط المستمر من جانب القاهرة على واشنطن لإدراج جماعة «الإخوان المسلمين» على لائحة التنظيمات الإرهابية، لم تتخذ إدارة ترامب أي خطوةٍ في هذا الشأن. وعلاوةً على ذلك، كلما طالت زيارة السيسي، كلما اتسعت خلافات القاهرة مع واشنطن، وخصوصاً حول سوريا. ففي عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت مجئ السيسي تحديداً، وصف المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر الدكتاتور السوري بشار الأسد “بالواقع السياسي الواجب تقبّله”، كما دافع السيسي عن الأسد خلال مقابلة معه من على قناة “فوكس نيوز” في الرابع من نيسان/أبريل. بيد، أن الهجوم بالأسلحة الكيميائية الذي نفذه نظام الأسد في اليوم نفسه وأودى بحياة عشرات المدنيين قد أقنع الرئيس ترامب بضرورة اتّباع مقاربة مختلفة – ولذلك كان كله آذاناً صاغية حينما زاره الملك عبدالله في الخامس من نيسان/أبريل. وبالفعل، صرّح العاهل الأردني للرئيس ترامب خلال مؤتمرهما الصحفي المشترك في البيت الأبيض بأن الهجوم الكيميائي في سوريا يعكس “فشل الدبلوماسية الدولية في إيجاد حلول للأزمة [السورية]” ملمّحاً على ما يبدو إلى فشل الرئيس الأمريكي السابق أوباما في فرض “الخط الأحمر” الذي وضعه بعد أن استخدم نظام الأسد الأسلحة الكيميائية في عام 2013. وفي مقابلة للملك عبدالله مع صحيفة “واشنطن بوست”، شدد على “واجبنا الأخلاقي كأعضاء في المجتمع الدولي بمكافحة هذه المأساة المروّعة التي تصيب المدنيين في سوريا.”

وفي ليلة الخميس، بدا أن ترامب أخذ هذه الكلمات في عين الاعتبار حين أمر بضرب القاعدة الجوية السورية التي أطلق منها الأسد هجومه الكيميائي. فجاء الردّ الأردني مؤيداً، حيث غرّد وزير الخارجية الأردنية من على موقع “تويتر” قائلاً إنّ الضربات الأمريكية كانت “رداً ضرورياً ومناسباً على استهداف النظام السوري للأبرياء والفظائع التي يرتكبها”، ودعا إلى العودة سريعاً إلى الدبلوماسية.

وفي المقابل، اتّصف الرد المصري بالفتور حيث أعربت القاهرة عن “قلقها الكبير” وحثّت الولايات المتحدة وروسيا على التعاون لحل الأزمة السورية. وبالطبع، إن التحفظ المصري ليس مفاجئاً، فقد عمل السيسي خلال السنوات الأخيرة على تعزيز علاقة بلاده مع روسيا من خلال صفقات شراء الأسلحة والتدريبات العسكرية المشتركة، وبالتالي لا يمكنه تأييد هجوم أمريكي على النظام السوري المدعوم من روسيا. وفي حال تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا، من الممكن أن تشكّل زيارة السيسي إلى البيت الأبيض خلال الأسبوع الأول من نيسان/أبريل ذروة “بدايته الجديدة” مع واشنطن.

صحيفة نيويورك ديلي نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى