مجرمون و جرائم حرب

مع تعالي الأصوات المطالبة بمثول الإدارة الأميركية الحالية أمام القضاء، تصاب واشنطن حرفياً بالهلع، لأنها قد تحاسب قريباً على موت مئات الآلاف من المدنيين، و هذا القلق عززه هزيمة هيلاري كلينتون الأخيرة بالانتخابات. فمع تورط كلينتون نفسها بدمار سوريه و العراق و أفغانستان، فإنها تملك مصلحة شخصية في إعاقة القضاء.

و زاد من حالة الذعر في البيت الأبيض إعلان المدعي العالم في المحكمة الجنائية الدولية عن بدء المحكمة التحقيق في جرائم الحرب الأميركية في أفغانستان.

و وفقا لهذه الظروف، بدأ البيت الأبيض بتعبئة آلة البروبوغندا الغربية ضد موسكو في دمشق، لإبعاد الأنظار عن الخراب الذي ألحقته الولايات المتحدة في دول هذه المنطقة بما فيها العراق و سورية. و طُلب من الصحفيين الغربيين انتقاد روسيا و إيران و سوريه بحيث يفترض القارئ العادي أن الكارثة الإنسانية في الشرق الأوسط و الهجرة ذنب طرف آخر.

و تم لفت قدر كبير من الانتباه نحو الوضع في حلب، و فعليا كل المشاهد الغربية كانت تظهر صورا لفتاة سورية زعم بأنه تم إنقاذها من الحطام بعد “القصف غير الإنساني” في حلب. و لكن عدد من المواقع الإلكترونية الفرنسية ( و بشكل خاص: ) ، أعلنت بأن الصور ملفقة بشكل وقح ، لأن الفتاة صورت في أماكن عدة من قبل ثلاثة من مرتزقة “الخوذ البيض” الذي يتخذون وضعية المنقذين أمام الكاميرا، ليتحولوا إلى إرهابيين خلال اليوم بعيدا عن الكاميرا.

و بنفس الوقت يحاول البنتاغون التقليل من شأن ” الأضرار المرافقة” التي سببها السلاح الجوي الأميركي في سورية و العراق. و وفقا لتصريح من قبل ممثل القيادة المركزية للقوات الجوية الأميركية، الكولونيل جون توماس، فقد قتل ، في الفترة الممتدة من تشرين الثاني 2015 و حتى أيلول 2016 ، أربعة و ستين مدنياً خلال ضربات جوية أميركية على سورية و العراق. و من الصعوبة بمكان وصف هذا الرقم ببساطة ب”غير دقيق” ، لأنه كذبة صارخة.

ففي كانون الثاني الماضي، أسفرت ضربة جوية أميركية في منطقة حلب عن مقتل أربعة و عشرين مدنياً و جرح أكثر من أربعين. و بعد ذلك، أدت ضربة أخرى ضد قرية كردية إلى موت تسعة عشر مدنيا بما فيهم ثلاثة أطفال. و في تموز، دفنت قرية سورية أخرى خمسة و أربعين بالغاً و أحد عشر طفلا في أعقاب ضربة جوية شنتها القوة الجوية الأميركية. و أخيرا، فقدت قرية حمير تسعة أشخاص جراء القصف الأميركي بما فيهم أربعة أطفال. و قضت القوة الجوية الأميركية على مائة و سبعة و ستين مدنيا بما فيهم سبع عشرة امرأة و أربعة و أربعين قاصرا في مدينة منبج السورية في الفترة الممتدة بين أيار و تموز.

أما بالنسبة لهجوم الموصل، فبينما أعلن عنه في الغرب على أساس أنه أعظم إنجاز للقوات المتحالفة حتى الآن ، كان في الحقيقة مذبحة. ففي 20 آذار ، و كنتيجة لضربة مباشرة على جامعة محلية، خلف الطيارون الأميركيون وراءهم اثنين و تسعين من القتلى المدنيين و مائة و خمسة و ثلاثين جريحاً. و في 18 نيسان ، دمرت القوة الجوية الأميركية مستودع نفط و سببت موت مائة و خمسين مدنياً في العملية. و أخيرا في 21 تشرين الأول تعرض موكب جنازة للقصف مخلفا واحدا و عشرين قتيلا.

تعرض الرقم الملطف بشكل لا يصدق لل “الأضرار المرافقة” الأميركية، التي اعترفت بها الولايات المتحدة، لانتقاد شديد من قبل العفو الدولية و عدد من الخبراء. فالجداول التي قدمها البيت الأبيض تظهر بأن مدنيا واحدا يقتل في العراق و سورية في كل مائتي ضربة جوية أميركية، و بنفس الوقت تحدث البنتاغون عن وجود ضحية مدنية واحدة على الأقل في أفغانستان مقابل كل خمس عشرة ضربة جوية، بينما تظهر التقارير الأخيرة من البيت الأبيض بأن مدنيين يقتلون في كل خمس ضربات تشن ضد أهداف إرهابية محتملة في بلدان مثل باكستان و اليمن. فإذا تم تطبيق هذه الأرقام على عدد الضربات الجوية الأميركية التي شنت في العراق و سورية فإن هذا يعني أنه يوجد على الأقل ثلاثمائة حالة موت بين المدنيين على الأقل ، بينما الرقم الأكثر دقة هو موت ألفين و سبعمائة و خمسين مدنيا.

و قامت منظمة العفو الدولية بتحليل المعلومات التي زودها بها نشطاء حقوق إنسان سوريون و منظمات مراقبة محلية و توصلت إلى نتيجة مفادها أنه في كل إحدى عشرة ضربة يشنها البنتاغون، يقتل حوالي ثلاثمائة مدني، بينما تعترف واشنطن فقط بموت واحد إذا حدث و فعلت. و بالمجمل، و وفقا لتقديرات عدة ، أدى الصراع في سورية إلى موت أكثر من ثلاثمائة ألف شخص.

و لهذا يعمل البيت الأبيض بقوة على إثارة هستيريا حول المسؤولية المزعومة التي تتحملها روسيا و دمشق المتعلقة بموت المدنيين في حلب، دون تقديم أي دليل، ما يحملنا إلى الاستنتاج بأن هذا ليس سوى تحويل لأنظار الرأي العام عن القدر الكبير ل “الأضرار المرافقة” التي ألحقتها واشنطن بسورية بشكل غير شرعي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ما من أحد سمح بتدخلها العسكري. و لكن وفقا لتحقيق محكمة الجنايات الدولية ، يجب أن يفضح مجرمو الحرب و يستدعون للوقوف أمام القضاء، بغض النظر عن الجهد الكبير الذي يبذلوه في محاولة تفادي المسؤولية عن جرائمهم الحربية.

مجلة New Eastern Outlook الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى