مجلس النواب يتأهب لأول محاكمة برلمانية لرئيس أكبر جهاز رقابي في مصر

أزمة المستشار هشام جنينة بدأت في 24 من ديسمبر الماضي حين أدلى بتصريحات مصحوبة بتقرير يشير إلى أن حجم الفساد في مصر خلال العام الماضي بلغ نحو 600 مليار جنيه، وتسببت هذه التصريحات في لغط واسع استمر ثلاثة أيام استفرد فيها كل المتربصين بالرجل، وهم كثر، انتهت بإصدار رئاسة الجمهورية قرارا بتشكيل لجنة تقصي حقائق ترأسها رئيس هيئة الرقابة الإدارية وضمت في عضويتها ممثلين عن كافة الأجهزة النيابية والقضائية والرقابية، فضلا عن نائب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات.. وببدء اللجنة عملها، أجرى الجهاز المركزي للمحاسبات دراسة خاصة بتقييم حجم الفساد وتكلفته، وذلك بتكليف من “جنينة” وهي الدراسة التي وصفتها لجنة تقصي الحقائق بغير محددة المدى زمنيا.

جنينة، وهو رجل لم يحسب يوما على المنظومة السياسية التي تلت 30 يونيو، أمضت لجنة تقصي حقائق تقريره وتصريحاته 14 يوماً في دراسة الموضوع.. ليخرج تقريرها بإدانة واضحة لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات بتهم من بينها تعمد التضليل والمغاﻻة في وصف الفساد واحتساب جدولة الديون ودعم البنزين وإزالة التعديات فساداً، فضلا عن الاستعانة بمصادر خارجية في توصيف الفساد.

مجلس النواب المصري، الذي أحالت إليه رئاسة الجمهورية تقرير لجنة تقصي الحقائق واستلم التقرير فعليا، عقد اجتماعا برئاسة الدكتور علي عبد العال رئيس المجلس بحضور رؤساء الهيئات البرلمانية، وذلك لمناقشة التقرير.. الاجتماع خلص إلى تشكيل لجنة خاصة لدراسة التقرير بالإضافة إلى استدعاء جنينة وأعضاء اللجنة نفسها.

من المتوقع أن تشهد جلسة الأحد ما يمكن وصفه بالمحاكمة البرلمانية لرئيس الجهاز المركزي للمحاسبات في سابقة تاريخية، إذ تشير تصريحات أغلب النواب بشأن القضية إلى أن الأمور تسير بهذا الاتجاه.. وقد أعلن برلمانيون أنهم يتوقعون سحب الثقة منه والمطالبة بإقالته وإحالته إلى النيابة ومحاكمته، وذلك بعدما اعتبروا أن تصريحاته تشوه مصر وتضر باقتصادها وأمنها القومي، ومن بين هؤﻻء النائب مصطفى بكرى، الذي جمع تواقيع من 50 نائبا، مطالبا رئيس مجلس النواب الدكتور علي عبد العال بإحالة تقرير تقصي الحقائق إلى النيابة العامة.. مشيراً إلى أن الهدف من إحالة التقرير إلى النيابة هو الكشف عن مدى تأثير تصريحات جنينة على الأمن القومي للبلاد والسلم الاجتماعي، بعد نشره معلومات مغلوطة من شأنها تشويه صورة مصر والتأثير على مركزها الخارجي، ومحاسبته، فضلا عن إفشائه أسراراً بقصد الإساءة لمصر.

في المقابل، جمع النائب محمد أنور السادات تواقيع 25 نائبا على طلب لاستدعاء المستشار هشام جنينة ولجنة تقصي الحقائق التي شكلتها الرئاسة للاستماع إليهما والاطلاع على أدلة ما استند إليه جنينة في تقريره وما لدى اللجنة من أدلة ومعلومات مدعّمة بالأرقام.. السادات أكد أن البرلمان قادر على تقييم الموقف واتخاذ القرار المناسب في هذا الشأن من دون تحيز، وأنه إذا وضح للبرلمان صدق ما ذكره جنينة سيتم التوجيه بمحاسبة جميع الفاسدين، أما إذا ثبت عدم صحة ما ذكره، فستجب محاسبته.

الفقيه القانوني والدستوري الدكتور صلاح الدين فوزي بدوره أشار إلى أنه يجب قيام مجلس النواب بتحقيق قانوني للمسألة وتأثيراتها وما ترتب عليها.. مشيراً إلى أن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات قابل للعزل بنص الدستور حيث تنص المادة 216 على أن القانون هو الذي يحدد حالات إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية من مناصبهم، وأن القانون 88 لسنة 2015 بشأن إعفاء رؤساء الهيئات الرقابية من مناصبهم يكون قابلاً للتطبيق إن أخل بواجباته وفقد أحد شروط الصلاحية للمنصب أو فقد الثقة والاعتبار.

فيما يرى الفقيه القانوني الدكتور شوقي السيد أن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات ربما يواجه تهما جنائية إذا تمت محاكمته، من بينها الإضرار بالأمن القومي؛ وهي جريمة تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد، خاصة وأنه بالغ في الحديث عن الفساد بشكل يفتقد للمنطق بتأكيده أن حجم الفساد وصل في عام واحد لهذا الرقم الضخم.

أما الوكيل السابق للجهاز المركزي للمحاسبات عاصم عبد المعطي، فقد اعتبر أن جنينة أخطأ في تفهم مهام الجهاز وخلط بينها جميعا، خاصة ما يتعلق بمهمتي الرقابة والتقويم، وأن الجهاز ليس من حقه عقد مؤتمرات صحفية وانما فقط يرفع تقاريره إلى الرئاسة ومجلس النواب أو للنيابة العامة للتحقيق فيها.

أزمة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات لم تأت بمعزل عن أزمة الحكومة مع تنظيم الإخوان المحظور، إذ تلاحق جنينة انتماءاته السابقة لتيار “الاستقلال في القضاء” الذي ينتمي أغلب أعضائه لجماعة الإخوان، بالإضافة إلى صدامه مع القضاة ومع وزير العدل أحمد الزند، فضلا عن كونه غير محسوب على المنظومة السياسية التي تلت 30 يونيو، بل اعتبر البعض منذ أشهر مضت صدور قانون عزل أعضاء الهيئات الرقابية تمهيدا لعزل جنينة.

روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى