هل يمكن أن يتعلم الجيش الأميركي من أخطائه؟ (توماس ريكس)

 

توماس ريكس

بعد حرب فيتنام، سعى الجيش الأميركي جديا لتحديد عناصر الفشل في تلك الحرب. وقد أسهم هذا التقييم الحاسم في وضع قواعد إعادة البناء الرائع للجيش في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته.
لكن الوقت الراهن، بعد مرور ما يزيد على عقد على بدء الحرب في أفغانستان والعراق، لم يشهد الجيش الأميركي مراجعات موسعة من هذا القبيل، على حد علمي نظرا لما أقوم به من تغطية لأخبار الجيش الأميركي منذ 22 عاما.
المشكلة ليست في عدم قدرة أمتنا على إجراء مثل هذا الفحص وسبر الأغوار، فقد أجرت واشنطن تحليلا دقيقا للأزمة المالية لعام 2008 وكيفية تجنب تكرار حدوثها مرة أخرى. كما أجرى الكونغرس دراسات وقدم تشريعا شاملا لإصلاح اللوائح المالية.
لكن الجيش الأميركي لم يشهد إجراء مماثلا. وكان العمل الوحيد المتعمق الذي حاول انتقاد الأداء الكلي للجيش دراسة جديرة بالاحترام أجرتها هيئة الأركان المشتركة، رغم النقص الذي شاب الكثير من جوانبها الرئيسة، التي كان من بينها عدم ذكر أي شيء حيال الإخفاق في نشر القوات بالشكل الكافي لتنفيذ المهام الموكلة إليها في العراق وأفغانستان. وحسبما أوضحه جيمس دوبسون في استعراضه لتلك الدراسة، يظهر جيشنا «عاجزا باستمرار عن التوصل إلى حل» بشأن بعض القضايا المثيرة للجدل.
أصبح هذا الأمر مثيرا للقلق نظرا للكثير من الأسباب. فلم يطرأ أي تغيير كبير على الجيش رغم الأخطاء الكثيرة التي وقع فيها كبار القادة. وهذا انعدام للمهنية، لأنه يثبط القادة، الأكفاء على تقلد المناصب العليا، كي لا يجدوا أنفسهم مضطرين إلى التعامل مع إخفاقات العقد المنصرم. وسيدفع بالبعض أيضا إلى اللجوء إلى «التآمر والغدر» حيث يتجاهل الجنرالات أخطاءهم، ويلقون بلائمة الإخفاق في العراق وأفغانستان على القادة المدنيين. وعلاوة على ذلك، فإنني أعرف جنرالا متقاعدا يحذر من الاحتمالية الكبيرة لحدوث هذا الأمر في ظل تقلص الخدمة النشطة للجيش وتنامي عزلته عن المجتمع الذي يحميه.
ليس هناك شك في أن الرئيس جورج دبليو بوش والمدنيين الآخرين ارتكبوا الكثير من أوضح الأخطاء السافرة والفادحة، مثل قرار شن الحرب على العراق اعتمادا على سوء تفسير للمعلومات الاستخباراتية. بيد أن القادة العسكريين أخطأوا أيضا، وكذلك الذين ظلوا متخفين عندما تكتم عليهم جنرالاتنا.

إنني لا أنتقد أداء الجنود والمارينز في العراق وأفغانستان. فعلى النقيض من حرب فيتنام، كان هؤلاء، على مستوى المؤسسة العسكرية، مدربين جيدا مع وجود قيادة جيدة، وكانوا أيضا بارعين تكتيكيا وتحلوا بالروح المعنوية بوجه عام. في حرب فيتنام، كان تشاك هاغل، وزير الدفاع الحالي، رقيبا أول لسرية المشاة عندما كان في الجيش لأقل من عامين. ولم يحدث أي شيء مماثل لذلك أخيرا.
إن جيشنا بارع وقابل للتكيف على المستوى التكتيكي ولكن ليس على المستويات الأكثر تقدما من العمليات والاستراتيجيات. ينبغي ألا يسمح للجنرالات بالاختباء وراء الجنود. ولعل إحدى أهم وسائل دعم القوات هي مراقبة أداء من يقودونهم.

ويأتي بين الأسئلة الكثيرة التي لم تجد إجابة حول أداء قواتنا العسكرية، والتي أثيرت خلال السنوات الأخيرة ما يلي:

– كيف أثر استخدام المتعاقدين، حتى في مهام الخطوط الأمامية، على مسار الحرب؟ يجب أن نأخذ بعين الاعتبار واقعتين شهيرتين تخصان الأمن القومي أخيرا كان بطلاهما متعاقدين فيدراليين هما إدوارد سنودن، الذي نشر أسرار الحكومة الأميركية حول العالم وكذلك آرون ألكسيز الذي قتل 12 شخصا في باحة البحرية في واشنطن الشهر الماضي.

– ما الوحدات التي قامت بتعذيب الناس؟ لقد أثر ذلك على النجاح في الحروب، لكنه يرتبط أيضا برعاية قدامى محاربينا. والتعذيب له ضحيتان؛ من يعذبون ومن يمارسون التعذيب. لكن قادتنا العسكريين لم يقوموا بدورهم على النحو الصحيح.

– هل هناك طرق أفضل للتعامل مع قضايا الجنود عدا تنفيذ سياسات وقت السلم؟ هل جرت ترقية الضباط الأكفاء لرتبة جنرال؟ وجدت مقالا نشر أخيرا في «باراميترز»، مجلة كلية الحرب في الجيش، يقول، إن قيادة فرقة في القتال في العراق تؤثر بشكل طفيف في فرص ترقية الجنرال إلى رتبة أعلى. لكن المعروف في كل الحروب، أن القيادة في القتال هي الطريق إلى الترقي. ما الذي اختلف في السنوات الأخيرة.

– وماذا عن مساءلة الجنرالات؟ أخيرا أقالت قوات مشاة البحرية جنرالين بسبب الإخفاقات القتالية في أفغانستان. كان هذا جديرا بالنشر لأنها على ما يبدو كانت المرة الأولى منذ عام 1971 التي يعفى فيها جنرال من عمله بسبب أخطاء مهنية في القتال. إن هذا وقت طويل للغاية. فليس كل قادتنا أكفاء.

– بعض الخلافات الأساسية بين القادة العسكريين الأميركيين وقادتهم من المدنيين، مثل عدد القوات المطلوبة لاحتلال العراق، كانت سببا في عدم التوصل إلى استراتيجية متماسكة. فهل نستطيع تثقيف القادة العسكريين القادمين على التعبير بشكل أفضل عن قلقهم الاستراتيجي؟ إذا لم يكن كذلك، نتوقع المزيد من التشاحن والارتباك بشأن قضايا مثل: كيف ينبغي التصرف – إذا كان هناك من شيء – حيال سوريا ما دامت هذه الأسئلة لم تلق إجابة، فإننا نتعرض لخطر تكرار الأخطاء التي ارتكبت في العراق وأفغانستان. ومع لامبالاة الرئيس أوباما والكونغرس الواضحة لدفع الجيش لإصلاح نفسه، فالأمر متروك لهيئة الأركان المشتركة، وبشكل خاص رئيسها مارتن ديمبسي وقادة الجيش (الجنرال رايموند أوديرنو) وقائد مشاة البحرية (الجنرال جيمس أموس)، للقيام بذلك. فهو واجبهم.

صحيفة واشنطن بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى