كتاب الموقعكلمة في الزحام

…أيتها المرأة المستحيلة

صليني يا أيتها المرأة المستحيلة، يا أيها الاسم العربي الجريح، يا من تدّعين معرفتي مثل كل الأصدقاء.
أنا النازف مثل كل النداءات، أنا الغارب مثل كل الإيماءات …أنا مثل الحسن بن هانئ المكنّى بأبي نواس …أنا جرح في فم السراب.

صليني يا أيتها التي لم أبتغ منها شيئا سوى بعض الحنوّ على بعض رجل يحفر بعض قبره ببعض قلم.
لم أكن يوما وارثاً للحقيقة، وإنما واقفاً وشاهداً عليها مثل حفّار قبور.

لم أكن يوماً كارهاً لغربتي مثلما كرهتها الآن … يا أميرة من غياب.

تعلّمت من جدّي أن صهيل الخيول لا يجدي نفعاً عند أزيز الرصاص… وأنّ دقات الطبول لا تجدي نفعاً عند دقات القلوب.

تعلّمت من جدتي أن لا تصدّق كلام الأزواج إلا وهم على فراش الموت مثل شاة أو بعير….أو سؤال يسأل نفسه.
الحقيقة أني لم أتعلّم منهم شيئاً سوى الكلام .. والرحمة على الأجداد الذين ما زالوا يحكمون من خلف القبور.
الحقيقة أني مازلت أعتقد بأنك

ما زلت تحبينني حب الشياطين للشرّ وأنّ الأّرض لا تكفّ عن اللفّ والدوران واللعب بمصائر أبنائها.
أيتها المرأة المستحيلة، كوني كيفما شئت … ولكن، لا تكوني أمامي، قفي إلى جانبي … كي لا ألتهمك مثل شطيرة وأنا مفلس.

كوني سؤالاً أتسلّى به طول العمر… ما أجمل أن يتسلّى الواحد بالأسئلة.

كم أستغرب عندما يقول لي الناس: (لما أنت شارد على الدوام؟).

كم أدمنت نسيان المفاتيح والموبايل وأسماء الأصدقاء.

كم أحب أن أتذكّر في حضورك كل الذين لم تعد تربطني بهم أية علاقة.

ضقت ذرعاً، بي … بلوازمي، وحقيبتي ونظاراتي ووجهي الذي يفاجئني عند كل موسى حلاقة… أو مرآة تواجهني على حين غرّة.

ضقت ذرعاً بندمي عند كل صباح.

أيتها المرأة المستحيلة، الصراحة، أنه لم تعد تعنيني الشهامة عند حضورك… صرت أهتمّ بأشياء أخرى، أنت تعرفينها جيداً، وتمازحينني ب(الوغد) دائماً حين تجدينني متلبّساً بها.

أيتها المرأة التي أيصرتني جيّداً، إنك لم تستمعي لي بما فيه الكفاية (عفواً…ما معنى كفاية)، كنت أقصد القول: لم تتأمّلي فيّ جيداً.

أنظري إلى هذا الحزن المتحجّر في عينيّ مثل(القهرمان)، أصغي لصوت الكمان الذي تعلّمته ولم أجده…. أصغي إلى ما عجزت على قوله بالموسيقا… فقلته بالصمت .. أصغي إليّ، أنا الصوت الجريح والناي الذي بحّ من كثرة اغترابه وابتعاده عن أحراش القصب.

انظري إليّ، يا سنوات منّي … وقولي بربك: (أيهما أقدم، أنا أم الدهر؟).

لا تنظري إلي ولا تصغي إلي، لا تلمسيني ولا تحاولي تذوّقي.

لا تشتمّي شيئاً منّي، إقرئيني مثل جملة جواب قسم لا محلّ لها من الإعراب.

أعربيني يا سيدتي إن وجدت لي محلاّ من (الإعراب) عمّا يجيش بخاطري.

أنصحك سيدتي مقابل قافلة من الجمال محمّلة بالعطش:

-لا تدعي بابا دون طرق… ربما كان ينتظرك أحد في الداخل.

-لا تثقي بمفتاح دون قفل … إنّ الأبواب متوّهة وتائهة على الدوام.

-لا تلقي السلام إلاّ على من يستحقّ السلام فإن الأخير يلقيه القوي على الضعيف دائماً.

-لا تحبّي رجلاً عديم الخبرة… لست في حاجة للتعليم أو التعلّم.

-لا تتحدّثي لرجل عن علاقة حب سابقة… لن ينساها أبداً.

-ثقي بالرجل الذي لا يحسن مغازلتك…إنه صادق على كل الأحوال.

-لا تثقي بالرجل الذي ينتقد أصدقاءه في حضورهم قبل غيابهم… إنه وغد .

-لا تثقي بالرجل الذي يتصنّع الأناقة وحسن السلوك… ويكوي ملابسه قبل مشاعره.

النصيحة العاشرة يا سيدتي، تكسّر اللوح المرسومة في واد غير ذي زرع.

كم من (اللاءات) سمعت في حياتك ؟… كم امتثلت حتى تمرّدت..! لو لا حرف(اللاْء) في لغات الشعوب لما كانت

لثورات منذ فجر التاريخ ولما كان التشهّد أمام الباري وخالق هذا الكون.

23.10.2013

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى