السرد عند عبدالرحمن منيف (محمد بن عبدالرزاق القشعمي)

 

محمد بن عبدالرزاق القشعمي

  

مع تنامي الوعي القومي في المنطقة العربية، وبالذات أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها، واشتداد الصراع اليهودي – العربي، الذي انتهى بالنكبة عام 1948م، وظهور ما يسمى بدولة إسرائيل على جزء من أرض فلسطين، إذ بلغ المد القومي للفكر السياسي في المنطقة العربية أوجه – وبالذات الدول المحيطة بفلسطين – والصراع بين القوى الوطنية والمستعمر الأجنبي – فرنسا وبريطانيا – جذبت تياراته الوطنية المختلفة الكثير من الشباب المتطلعين إلى دور ما في الحياة السياسية، ومن بين هؤلاء الشباب كان عبدالرحمن منيف، الذي ولد في عمَّان عام 193، وعاش طفولته وبداية شبابه في الأردن، حيث توفي والده إبراهيم – القادم من قلب نجد – وهو في الثالثة من عمره، فبقي مع والدته، (نورة السليمان الجمعان) وشقيقتيه خديجة وحصة.
بدأ عبدالرحمن منيف تعليمه كغيره في الكتّاب ثم في المدرسة العبدلية الابتدائية الحكومية ثم في المدرسة الثانوية الوحيدة بعمان حتى عام 1952، وكانت جدته لأمه) العراقية) تزورهم بين وقت وآخر، وبالذات بعد وفاة والده، فيقول عنها في "سيرة مدينة"»: وجاءت المشكلة الفلسطينية بكل ثقلها وتعقيداتها، لكي تلقي بهذا الثقل بشكل أساسي في الأردن، وأيضاً لكي تتفاعل معه.. وتفرح الجدة عند زيارة أحد أقاربها ضمن طلائع القوات العراقية القادمة لتحرير فلسطين، وقالت وهي تودعه: صيروا سباع ولدي، ارفعوا رءوسنا حتى نفاخر بكم كل الناس.. وعند عودته من الجبهة زارها قائلاً إنهم تركوهم بلا خطط ولا خرائط قائلين لهم: هسا يجي الأمر، هسا يجي الأمر، لكن أبد… بعد تهجو لنا هنا.. هنا جاءت الأوامر بالانسحاب، قالوا: راح نخشَ على اليهود من درب ثاني، وهسا ما يندرى شراح نسوي، وشراح يصير! قالت الجدة: عيني إسماعيل.. لا تتحمق وهاي الخرابيط منها هواية، وكل الأمور ما ترهم وتصير إلا يواش يواش!
يعني بعد ما نموت موتة كلاب.. بعيد عنك، فردت عليه الجدة: عيني، لا تفاؤل.. لعاد وينهم هذول الترسية التارسين صدورهم نياشين وقالوا: فلسطين نحررها بيومين؟ الصبر زين، عيني، طول بالك..».
ورغم أن عمان في ذلك الوقت كانت تفتقر إلى المكتبات، فقد أصبح مع غيره من الشباب يوصون المسافرين إلى لبنان أو مصر لإحضار بعض الكتب الحديثة والمجلات.. وما تكاد تصل لأحد ويقرأ، حتى يعطيها لآخر لثالث، وهكذا يظل الكتاب يلف ويدور كالبلبل.. ولعدم وجود جامعة في الأردن، فقد سافر إلى بغداد ليلتحق بجامعتها وبكلية الحقوق وعند توقيع حلف بغداد يبعد مع غيره من الطلاب العرب المشاركين في المظاهرات والإضرابات فيواصل الدراسة بجامعة القاهرة من عام 1956، ليتبلور وعيه السياسي من خلال تعرفه على بعض الرموز الوطنية الأعضاء في الأحزاب السياسية اليسارية منها بالذات، ومازالت علاقته بحزب البعث.
وإثر استشارته لعبدالله الطريقي الذي سبقه في مجال التخصص بالنفط، فقد التحق بجامعة يوغوسلافيا متخصصاً باقتصادات النفط، عاد بعدها متنقلاً بين سورية ولبنان وموظفاً بشركة النفط ومنغمساً في العمل الحزبي حتى مؤتمر حمص عام 1962م بعدها عمل في مجلة "البلاغ" ببيروت وينتقل بعد ذلك إلى بغداد ليرأس تحرير مجلة "النفط والتنمية" لسبع سنوات.
ثم بدأ يفكر في الواقع وما سيؤول إليه، فنجد فيصل دراج يقول: "فترة الستينيات بشكل خاص، كانت الفترة التي وضعت التجربة على المحك، وكانت الحد الفاصل بين القناعات القديمة والواقع الجديد والمرير، في تلك الفترة تبين للروائي عبدالرحمن منيف ولمعظم الحالمين بواقع أفضل أن الذين يتربعون على عرش التنظيم السياسي ويديرونه، يعانون قدراً كبيراً من الترهل والبلاهة، وفي تلك الحالة لم يكن أمام منيف إلا أمران: إما أن يواصل الطريق ويكون ضد قناعاته، وإما أن يترك التنظيم إلى غير رجعة، وقد اختار الأمر الثاني: ومن هنا كان الابتعاد عن السياسة اليومية بمعناها التنظيمي، والالتفات أكثر إلى الثقافة وإلى الرواية بشكل خاص".

• بداياته مع السرد

كانت هوايته للأدب أداته في مواجهة الحياة، فهو لا يهجر السياسة ليتقوقع في بوتقة الأدب، بل يطرح الفكر السياسي وقناعاته السياسية من خلال الأدب، وبذلك يجمع بين حقلين معرفيين لهما التأثير الأقوى والقدرة الأفضل على الإقناع وعلى التبصير بالحقائق التي تخفى عن الآخرين، فها هو يقول: "وهكذا كان، طويت مرحلة أخرى من حياتي، وقلت لنفسي بنوع من العزاء: لقد استهلكتني الصحافة، واستنفدت الكثير من الأفكار التي كنت أتغنى بها، والآن.. يجب أن أتوجه إلى عالمي الحقيقي، إلى الرواية لكي أتابع فيها كل ما يسكنني من الأحلام والطموحات، واليقينات والشكوك، وشهوات الحاضر والمستقبل كلها".
وهكذا اتجه للأدب ليفضح المؤسسات والرموز التي أسهمت ولا تزال تسهم في انحطاط الأفكار والقيم وفي جعل الهزيمة حالة دائمة لا يمكن تجاوزها. ولهذا يقول: "لا يهمني ماذا سيقولون، فأنا قليل الاكتراث بما يقوله الناس عني، ولكن لأسباب أصبحت شديد الاقتناع بها، اختلفت مع هذا العالم، ولم يعد أي شيء يجمعنا، سمّوا ما أحلم به خطيراً، لا يهمني! لا يهمني أن أكون على وفاق مع أحد".
ويواصل قائلاً: "هاجسي أن أعيش، وأن أكون مفيداً، وأن أكون راغباً ومرغوباً في الوقت نفسه، وما دام الإنسان فوق الأرض يجب أن يحاول ما وسعه لئلا يكون ثقيلاً، وأن يمتع نفسه والآخرين، وأن يخرمش على حجر أو ورق أو خزف، لأن هذا ما يُذكر به، وما يجعله متواصلاً مع الآخرين".
ولا أذيع سراً إذا قلت إن هزيمة 1967، هي التي جعلتني أتوجه إلى الرواية ليس كوسيلة للهروب، وإنما كوسيلة للمواجهة، فقد كان للهزيمة تأثير في روحي لا يمكن أن أنساه.. عالم عربي بهذا الاتساع، وبهذه الإمكانات وبهذا الكم من الشعارات والضجيج يتساقط ويهوي ليس خلال ستة أيام وإنما خلال ساعات قليلة.
قلت في نفسي: هناك خلل كبير في الحياة العربية، ولا بد من اكتشاف هذا الخلل وفضحه أيضاً، وربما تكون الوسيلة الأساسية هي الرواية.. وهذا ما دفعني إلى الرواية ليس فقط كقراءة، وإنما أيضاً كممارسة، وأعتبرها طريقي في الوصول إلى ما أريد".
وضمن شهادته التي ألقاها في المؤتمر الروائي الأول بالقاهرة قال منيف: جئت إلى الرواية في وقت متأخر بعد أن سئمت من السياسة التي كانت سائدة آنذاك.. جئت لاجئاً وكل ظني أنها نزوة.. استراحة قصيرة.. أعود بعدها للسياسة كي أغير العالم".
لكنه اكتشف بعد قليل أن "الرواية لا يمكن أن تكون محطة أو نقطة عبور، إما أن تكون وطناً أبدياً.. وإما لا.. لا يمكن أن تكون الرواية استراحة أو نزوة أو تسوية حساب مع نظام أو مؤسسات سياسية، وما أن يدخل الإنسان إلى رحاب الرواية حتى تصبح كل شيء بالنسبة له حتى تغيير العالم يصبح أحد مقاييسه، هو أن تكون الرواية موجودة وبعافية.. وأن يطل من خلالها على العالم تمهيداً لتغييره.
وقال: "الرواية بالنسبة إلي هي عالمي والرئة التي أتنفس بها، ووسيلتي في مخاطبة الآخرين، وربما كان صحيحاً أنها هي التي اختارتني، لا العكس، وبمعنى آخر: لم يكن في تخطيطي أن أكون روائياً.. ولكن من خلال عوامل عديدة اكتشفت أن هذه الأداة هي أكثر الأدوات التي تلائمني وأكثر الأدوات التي أستطيع أن أحارب بها".
ولهذا فعندما أرادوا في المؤتمر الأول للرواية العربية بالقاهرة 1998 أن يكرموا روائياً بأن يمنحوه جائزتها، لم يختلف أعضاء لجنة التحكيم طويلاً أو كثيراً على اسمه، لقد اختط لنفسه نهجاً ملحمياً في بناء الرواية.
ولهذا قال الناقد فاروق عبدالقادر بمناسبة حصول عبدالرحمن منيف على جائزة مؤتمر القاهرة الأول للإبداع الروائي عام 1998 في تقديمه للعدد الممتاز لروايات الهلال "التيه") وهو الجزء الأول من روايته الملحمية مدن الملح):
في عام 1973، فوجئ قراء الرواية العربية بنجم جديد يبزغ بقوة وثبات بعضهم كان يعرفه معنياً بجانب آخر من قضايا الواقع العربي، كان الاسم عبدالرحمن منيف، العمل الأول "الأشجار واغتيال مرزوق" رواية صلبة ومتماسكة (…) وتضاربت الأقوال حول هوية هذا الروائي الطالع، قيل شامي، وقيل عراقي، وقيل بل من الجزيرة العربية، والحقيقة أن شروطاً ذاتية وموضوعية تحالفت كي تجعل من عبدالرحمن منيف المواطن العربي بامتياز: الأب من نجد والأم عراقية، ولد في عمان 1933 وظل بها حتى أنهى دراسته الثانوية، ثم ارتحل إلى بغداد كي يكمل دراسته الجامعية، لكنه انغمس بنشاط سياسي كثيف في فترة من أخطر الفترات في تاريخ العراق، وبعد توقيع حلف بغداد أبعد عن العراق فجاء القاهرة يكمل دراسته في الحقوق .."

• كيف يكتب عبدالرحمن منيف رواياته؟

سأعرض هنا طريقته أو أسلوبه في كتابة رواياته فقبل كتابتها نجده يقول: "إن المثقف يجب أن يكون سياسياً، فدور المثقف ليس بديلاً عن العمل السياسي، وإنما يفترض أن يكون جزءاً منه".
ويقول : "الرواية عمل يحتاج إلى استعداد، ويحتاج أكثر إلى مثابرة وصبر وشعور عالٍ بالمسئولية، إضافة إلى الصدق، وشيء من الشجاعة".
وإذا كانت القصيدة لحظة إشراق، والقصة القصيرة اقتناص الومضة والمفارقة، والمسرحية تتطلب مناخاً ديمقراطياً، فإن الرواية أكثر ما تحتاج إليه الجلوس يومياً وراء الطاولة لساعات متواصلة من أجل التفكير العميق ثم الكتابة صفحتين إلى ثلاث صفحات، إذا فتح الله ويسر، الرواية تحتاج إلى تحضير طويل وفضول لمعرفة الأشياء: أسماؤها ومواعيدها وتفاصيل التفاصيل عن دورتها في هذه الحياة.
كثيراً ما يضيق بي من التقيتهم من لجاجة السؤال. لا أتعب من محاولة المعرفة والتعلم.
أفتح عيني على اتساعهما لرؤية الأشياء حولي، مهما كنت أعرفها، أنظر إلى رفة العين حين يتكلم الإنسان لأكتشف مدى ما يعنيه وكم من الصدق في ما يقول، وأحاول أن أرهف سمعي كي أسمع الصمت".
ويقول أيضاً: لست كتوماً وربما لا أعرف الكتمان، فأنا مكشوف مثل ظاهر اليد كما يُقال، وقد ألوم نفسي بعض الأحيان، لأني أثرثر أكثر مما ينبغي، ربما بدافع التحريض ومحاولة استفزاز أنبل ما لدى الآخرين ليخرجوه ويراه الناس.
أما حول شخصيات رواياتي، فإني أرى بعضهم في المنام، ولا أمل من الحديث معهم، ولسنا دائماً على وفاق؛ إذ كثيراً ما يتمرد (الأبطال) ويشقون عصا الطاعة، ثم يستعلون، وتكون لهم أيضاً حياتهم الخاصة. وصدف أكثر من مرة أن مد بعض (الأبطال) ألسنتهم هزءاً بعد أن اختاروا طريقهم الخاص وحددوا مصائرهم بأنفسهم. الرواية مهما حاول الروائي تصورها لا تتكون إلا بالكتابة، فالكتابة مثل تظهير الصورة، إذ بها وحدها تكتسب شكلها وقوامها وملمحها الحقيقي وقبل ذلك تكون مجرد احتمال".
ولا يقصد منيف أن الرواية تخرج من تحت سيطرته باستعلاء الأبطال؛ بل هو يعني أنهم يكبرون، وتغدو الأحداث المرتبطة بهم تنثال عليه – ككاتب للرواية – انسيابياً وبسلاسة طبيعية.
إنه يعتبر كتابة الرواية عملية شاقة، ولولا ما فيها من المتعة لهجرها جميع الروائيين، ويشبهها بالحب الذي يعاني فيه الإنسان أحياناً، غير أنه يولِّد شعوراً بالغبطة الداخلية، فيه الكثير من التعويض، ويرى تعويضه في استجابة القارئ.
إذن فهو يرى أن المستقبل العربي ليس مظلماً، فربما تكون الأيام والسنوات القادمة أفضل، فمستقبل هذه الأمة لا يعترف بالعجز، ويرى أن مهمة الأدب أن تحاول زيادة الوعي، أن تحاول زيادة الحساسية وأن تخلق حالات نهوض.
فنجده في حوار مع ماجد السامرائي في مجلة الآداب يقول: "الرواية بالنسبة إليّ هي عالمي والرئة التي أتنفس بها، ووسيلتي في مخاطبة الآخرين، وربما كان صحيحاً أنها هي التي اختارتني، لا العكس، وبمعنى آخر: لم يكن في تخطيطي أن أكون روائياً.. ولكن من خلال عوامل عديدة اكتشفت أن هذه الأداة هي أكثر الأدوات التي تلائمني، وأكثر الأدوات التي أستطيع أن أحارب بها.
والآن، بعد أن أصبحت هي كل شيء لي، فقد بدأت اكتشف فيها جوانب كبيرة وخطيرة شديدة التأثير، ويمكن أن تسهم في تغيير معالم الحياة التي نعيشها، لأنها تمثل الرؤية الشاملة.. الكشف الجارح.. الخيبات الكبرى.. التحريض العميق.. وبالتالي فإنها تهيئ إمكانية لعملية التغيير تفوق إمكانية وسائل التغيير الأخرى.
اضمن لي رواية كبيرة، وقارئاً واعياً، أضمن لك غداً كبيراً ومشرقاً.
وفي الختام يقول منيف في منتدى عبدالحميد شومان في الأردن: "إن الفترة التي يعيشها العرب منذ هزيمة يونيو/حزيران حتى الآن من أصعب الفترات وأسوأها، نظراً للتفكك وشيوع روح اليأس، وانعدام موقف التضامن أو الاتفاق على مطالب الحد الأدنى، إضافة إلى التبعية الاقتصادية والسياسية، وغياب الديمقراطية والمجتمع المدني، وسيادة النمط الاستهلاكي، ثم تزايد الفقر والأمية بالنسبة للغالبية وفي معظم الأقطار، وانعدام الحوار الجدي حول الواقع الراهن وما يجب عمله لمواجهة التحديات الكبرى، خاصة أن الفروق بيننا وبين الآخرين تزداد وتتسع، ثم الانقسامات الحادة، وعلى أكثر من مستوى، وفي المجالات كافة، داخل كل قطر، وبين الأقطار الغنية والأقطار الفقيرة، والهجرة المتزايدة، خاصة للكفاءات بحثاً عن فرص أفضل أو هرباً من القمع القائم أو زيادة التضييق على الأفكار سواء من قبل السلطات السياسية أو من قبل القوى المحافظة، وإشهار سيف الإرهاب والحسبة في مواجهة أي فكر جديد، أو مناقشة أي قيم يراد لها أن تبقى أو أن تسيطر، ثم الانشغال بأمور ثانوية على حساب الأمور المهمة والمصيرية، وإفساح المجال من الفئات المتحكمة لطغيان هذا النمط من الانشغالات، خاصة في قنوات التلفزيون الأرضية والفضائية لإلهاء الناس عن الهموم الحقيقية.. هذه الصورة القاتمة للوضع العربي مع إضافات كثيرة أيضاً، تطرح بشكل جدي أسئلة كبيرة، وربما مصيرية حول ما يجب عمله الآن وفي المستقبل لمواجهة هذا التدهور، لوضع حد له أولاً ثم لتجاوزه بعد ذلك.
هذه التحديات والأسئلة لا تطرحها، بداية، إلا الثقافة الجادة، ولا يتصدى لها إلا المثقفون الجادون، لأن الثقافة الجادة تمثل الوعي والإحساس بالخطر، وقادرة، أو هكذا يفترض، على الرفض، لأنها تمثل الطاقات الكامنة في هذه الأمة على مواجهة الغزو والسيطرة، كما تشير إلى احتمالات المستقبل.

• ملخص البحث الذي شارك به الكاتب السعودي محمد عبدالرزاق القشعمي في ملتقى مجلة العربي الثاني عشر "الجزيرة والخليج العربي .. نصف قرن من النهضة الثقافية" 4 – 6 مارس/آذار 2013 بالكويت.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى