السرياليون والإنتقال الى العالم الإنكاري

إعتبر السرياليون الواقعية بأنها حركة ناقصة بل وعابرة وأضافوا اليها بأنها غير صافية وإن هذا المذهب قد جرفه الزمن واستهلك بكليته، وكان هناك إعلان واضح وصريح بأن التناقض ظاهر للعيان ما بين وعينا لما يحيط بنا وسلوكنا تجاه هذا الوعي مثلما وضعت الكلاسيكية نفسها ما بين هَوّس (الرقابة – التركيب – القواعد – ومفهومها تجاه لحظتها الكلاسيكية ) وكذلك ارتباطها بمفهوم الفن للمجتمع.

وضمن ذلك الصراع بين الأفكار الذي شهدته فرنسا ما بين الحربين وبدء تبلور أذواق جديدة في النظر إلى وظيفة الأدب والإهتمام والتعطش الذي أبداه الفرنسيون للتعامل مع عالم الأحلام والإنصياع لنداءاته، وكذا توق المجتمعات الغربية التي عانت من ويلات الحرب للخروج من الحياة والدخول الى الذات، وما يعني ذلك من التقبل للمتغيرات والتعامل مع مفردات جديدة غير المفردات التي كانت تطغي على الحياة الأدبية والفنية.

فالحالة تلك – أي حالة البدء بوضع ركائز للتجديد – ليست إستبدالية بل كانت بدءا لحركة تسعى لنقل المجتمع لعالم جديد؛ عالم إنكاري لما كان يسود المجتمع من الجمود والسلبية كما عبر عنه منظرها أندرية بريتون.

وقد وجد السرياليون – كما أشار الى ذلك والاس فاولي في كتابه عصر السريالية – أن ما يسعون اليه من ثورتهم الأدبية الفنية تلك “لا يتم إلا من خلال التعامل مع ما فوق الواقع” حيث اكتفى من سبقهم بالتعبير والتعامل مع هذا الواقع، وحان الآوان لجذب مكامن القلق وخلق (العالم التعويض) الذي تُدحَّر به المسميات القديمة، فالمجتمع بحاجة لفلسفة جديدة، فلسفة لا تمس الوجود فقط بل تتداخل مع اللاإستقرار اليومي.

لذلك كان أمام السرياليين أن يُنقبوا ويصلوا مع من كان يبشر قبلهم بالمضامين المشابهة لمفاهيمهم ووجدوا ذلك بقدر أو بأخر لدى بروست – جيّد – ودستوفسكي؛ فدرسوا في هؤلاء الخصائص الشبيهة بأطروحاتهم عن الإنسان المندحر ودرسوا في هؤلاء أثر البيئة في المتغيرات الزمانية ودرسوا شكل الرحيل الى الباطن.

ورغم هذا الجهد الذي بذلوه في تلك الدراسات الإنتاجيه فأنهم بقوا يشعرون بأن حركتهم بحاجة لشيء ما إلى أن وجدوا ضالتهم في معجزهم الباطني في النظريات التي كتبها فرويد عن اللاوعي لتنطلق بعدها السريالية الى عالم النفس وللمعضلات الجسام في ذات الإنسان.

كانت المشكلة لدى السريالي أو بالأحرى النتاج الطبيعي لتلك المفارقة هو كيفية إكتشافه لذاته وكيفية التعبير عنها، ولكي يحموا الطوق ويسدوا الثغرات فقد مضوا من جديد للبحث والتنقيب بمآثر هيراقليطس وهيجل وماركس وبودلير، واعتكفوا قليلا في المنتجع الفكري لدانتي وجيد وشكسبير.

ويمكن إعتبار العام 1938 عام صراع السرياليين للبدء بتجاوز مهمتهم التعريفية والإنتقال من المصطلح الى المواجهة المباشرة مع التيارات النقيضة.

ومع التردد للتوافق وهذه الحركة والتُهم التي كانت السريالية تُقابل بها من أنها لا يمكن أن تكون من الضرورات التي تستدعيها المرحلة الجديدة فقد بقيّت السّريالية ضمن فترتها تلك خاضعة للجدل، الجدل الذي طغى عليه في البدء النفور من هذه الحركة.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى