” العنف” القاسم المشترك لدراما الموسم الحالي !

 

انتبهت عدة قنوات فضائية عربية إلى المسألة، فكانت تستبق عرض بعض المسلسلات بعبارة تحذر الأطفال فيها من المشاهدة إلا بوجود الأهل، وهذه إشارة واضحة إلى أن ثمة أثرا سيئا قد تتركه الدراما التي تحمل هذه المضامين على الأطفال، وفي التدقيق في هذا الأثر السيئ الذي تخشى منه المحطات النادرة  نكتشف أنه “العنف” الموجود فيها بكل تلاوينه.

والعنف في الغالب، موجود في المجتمع والمؤسسات وحتى في الأنظمة بدرجات متفاوتة ويمكن تعريفه باللجوء إلى حل الصراعات والتناقضات والخلافات بين الناس بطرق غير سلمية من بينها: الضرب، والقتل، والاختطاف، والسجن التعسفي، واستخدام السلاح، وتتجلى هذه الممارسات بأخلاقيات غير إنسانية تتصف بعدم الرحمة !

وقد اتسمت المسلسلات الحديثة التي عرض أغلبها في شهر رمضان لهذا العام، بظهور العنف كعامل مشترك فيما بينها، ليبدو وكأنه قدر المجتمع وشكل الحياة فيه، ويلاحظ على هذا الصعيد أن هذا النوع من البناء الدرامي لم يدفع كتاب الدراما ليأخذوا بعين الاعتبار أهمية وجود رسائل ما تدين العنف بشكل واضح يفترض أن المنتج يريدها، أو تريدها القنوات الفضائية، أو حتى الدول التي تعرض هذه المسلسلات، فغدت الرسائل غير المباشرة، وكأنها تروج للعنف، وخاصة عند الأجيال الصاعدة الجديدة، على الأقل من خلال الاعتياد عليه في الصورة اليومية التي يقدمها التلفزيون.

ويمكن حصر ملامح العنف التي عكستها الصورة التلفزيونية للأعمال الدرامية، في المظاهر التالية:

  • القتل مع تنوع وسائله .
  • الخطف مع تنوع أهدافه.
  • استخدام الأسلحة والسيارات المفخخة وارتفاع نسبة الجريمة الجنائية.
  • ضرب المرأة بصورة وحشية.
  • عدم الرحمة أو الشفقة أثناء ممارسة العنف.

أما عن الجهات المنتجة للعنف في غالبية النماذج التي تابعناها على الشاشة، فهي:  

  • الإرهاب باعتباره أحد ملامح الحياة في مناطق عربية كثيرة وخاصة المشرقية.
  • المافيا، وتتخذ هنا أشكالا كلاسيكية وأخرى شبيهة بها .
  • الدولة، وفي الوقائع التي أوردتها بعض الأعمال ، ظهر العنف من خلال أداء المؤسسات القمعية الأمنية والجنائية على السواء.
  • الأفراد ، وهي صورة انعكاس العنف داخل الأسرة نفسها.

وتُركز الدوافع والأسباب الأساسية للعنف على الخيانة والسيطرة وجمع المال والمعتقد الديني المتطرف وبعض الحالات المرضية النفسية، وفي سياقات معروفة كانت الظروف التي تعيشها المنطقة العربية من حروب وصراعات داخلية مولدة لكل هذه الأنواع من المعطيات الدرامية، وهذا لايبرر التعاطي مع ظاهرة العنف في صياغة البناء الدرامي على هذا النحو، بل يحتاج إلى لعبة فنية ما تسعى إلى تسخير العمل الفني بمجمله لإدانة العنف لا لترويجه ولو بشكل غير مقصود..

وفي العينة التي يمكن الرجوع إليها في مجموع المسلسلات نتعرف على نماذج كثيرة، من بينها مسلسلات: فوق السحاب ، كلبش ، الهيبة (العودة)، مذكرات عاشقة سابقة ، تانغو، وهم ، الغريب ..) ، وفيها تحولت  “ظاهرة القتل ” إلى شكل من أشكال الإثارة وهي تشبه في ذلك موجة أفلام العنف التي ضخمتها السينما العالمية، والتي أنتجت في الحقبة الأخيرة بشكل كثيف مع توظيفات مالية كبيرة ورؤية فنية عالية تستخدم مختلف التقنية لتقديم الصورة الجذابة مع مؤثراتها .

ويبرز القتل بشكل اعتيادي في مسلسل ” فوق السحاب” الذي يجمع نخبة من نجوم السينما والدراما المصرية، فنرى نجومه وهم يجسدون نماذج من البيئة الشعبية تتصارع مع المافيا الروسية التي خدعها شاب مصري تمكن من سرقة  كميات كبيرة من الدولارات  ونقلها إلى مصر، و يدور الصراع من خلال مطاردة دولية تشمل أكثر من دولة أوربية وعربية، وتُعرض لنا المشاهد دون تحذير تصفيات مروعة تقوم بها المافيا أو تتطلبها السياقات الدرامية.

وكذلك في مسلسل ” كلبش” المصري الذي يبني محاوره الدرامية على عملية انتقام ضابط يتولى مأمورية الإشراف على سجن بعد قتل أهله، وإصابته، وهي صورة مكررة في السينما العالمية الأجنبية.

أما الجزء الثاني من مسلسل “الهيبة” الذي لفت الأنظار إليه في الموسم الماضي، فقد بنيت أحداثه وشخصياته على تيمة أساسية هي العنف بسبب أجواء التنافس بين مجموعات مافيوية تعمل على تهريب الأسلحة من لبنان إلى سورية، ومحورها ممارسات زعيم إحدى هذه المجموعات (جبل) الذي يتميز عن الباقين بأنه مهرب سلاح يرفض بشكل قاطع التورط بتهريب السلاح للإرهاب أو نقل أسلحة تصب في هذا الاتجاه..

وكذلك نلاحظ وجود ” ظاهرة القتل ” تيمة أساسية من تيمات الأعمال الدرامية الأخرى التي ترتدي رداء قصص الحب والغيرة ، كما في مسلسل “مذكرات عاشقة سابقة” ومسلسل ” تانغو” واستلهم مسلسل “وردة شامية” القصة الجنائية المصرية الشهيرة  ريا وسكينة ليقدم القصة المذكورة ضمن هذا الرداء من القتل الذي أشارت إليه الصحافة بأنه كان أشد إثارة من مسلسل “الهيبة”..

ويمكن ملاحظة تنامي ظاهرة العنف بكل تلاوينها في الدراما السورية بشكل واضح، وخاصة أن موضوع الحرب كان القاسم المشترك لغالبية الأعمال، وتوالدت منها كل أشكال العنف داخل المجتمع بدءا من العنف الأسري، ووصولا إلى عنف الدولة في التعاطي مع الأحداث، وقد ظهر ذلك جليا في مجموعة الأعمال التي يمكن متابعتها في مسلسلات كثيرة ومن بينها ” وحدن ” و “الغريب” و “وهم” و “أولاد الشر”..إلخ، وهي مسلسلات من العينة السورية تتحدث عن إفرازات الحرب من خلال حبكة بوليسية تتجاوز حاجة الدراما لها في حالة التشويق .

ولم تكن ظاهرة القتل هي الوحيدة التي تحولت إلى قاسم مشترك بين الأعمال الدرامية العربية التي نتحدث عنها، بل إن اللجوء إليها من قبل كتاب المسلسلات جعلهم بحاجة إلى استخدام كل مايتعلق بمظاهر العنف في المجتمع ، فإذا نحن أما ظواهر تتوالد بحكم الضرورة الدرامية للكتاب المتورطين بالرغبة في إثارة المشاهد بهذه الطريقة، ومن تلك الظواهر” الاختطاف” و”الخيانة” و “السجون” و”الضرب بقسوة” و”التنكيل” و “المخدرات” و”التهريب” و”التعصب الديني” الذي أخذ في بعض أشكاله الدرامية سياقات تتعلق “بالإرهاب” والأحداث التي تشهدها المنطقة على هذا الصعيد .

حتى العمل التاريخي النموذجي التي لفت الأنظار إليه في الموسم الحالي لندرة الأعمال التاريخية، أي مسلسل “هارون الرشيد” فقد قدم نفسه، بشكل غير إرادي،  كنموذج من العينة التي نتحدث عنها، فجمع فيه : المؤامرة ، والخيانة، والقتل بالسم، والعنف ضد النساء والجواري، وامتد العنف متصاعدا فيه منذ الحلقة الأولى تباعا ، وإذا كانت القصة التاريخية تستلزم هذه التفاصيل ، فإنها أبعدت كاتب النص تلقائيا عن المعطيات العلمية والثقافية والحضارية التي رافقت تلك المرحلة .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى