«شي يوم رح فل»… فيلم اللامنطق

في شريطها «السينمائي» الروائي الثاني «شي يوم رح فل»، تنطلق المخرجة اللبنانية ليال راجحة من اللامنطق في سرد قصتها. أسئلة كثيرة غير واضحة تطرح حول علاقة الشخصيات ببعضها بعضاً، وتركيباتها الدرامية، وكيفية اللقاء بينها، من دون أن يكون ثمة مبرر منطقي لربط القصة بالخارج.

تتحكم الصدفة بكل نواحي الفيلم. ثلاث نساء التقين صدفة، على شاطئ البحر في أحد المنتجعات السياحية، برجل عاد لتوه من سجنه البرازيلي حيث حوكم وسجن لتهريبه المخدرات، فيغرمن به، وتقيم كل واحدة منهن على حدة، علاقة سرية مع مهرب المخدرات السابق. وبما أن للصدفة نصيباً كبيراً في العمل، تكون احدى الفتيات زوجة الرجل الذي كان سبباً في دخول مهرب المخدرات (عادل كرم) الى السجن، فيستعملها للانتقام من زوجها واسترداد حقة الضائع بعد 11 سنة قضاها في معتقل كاراندريرو الشهير.

تشير بعض المواقع إلى أن الفيلم الذي يعرض حالياً في الصالات اللبنانية، حقق نسبة مشاهدة عالية، ويحتل المرتبة الأولى بين ما هو معروض حالياً في الصالات. قد يكون ذلك صحيحاً، خصوصاً أن الفيلم الأول لراجحة، «حبة لولو» حقق الأمر ذاته. لكن نحن هنا امام سؤال حقيقي، هل تعمل المخرجة الشابة على النجاح فقط على شباك التذاكر، أم تحاول تأسيس سينما حقيقية ومراكمة أعمال جيدة؟ يبدو انها تميل الى الخيار الأول، اذ بات المقياس في لبنان النجاح فقط على شباك التذاكر. فالفيلم مغر للمشاهد العادي الذي يقصد السينما لتناول البوب كورن والتهام سندويشات الهوت دوغ، أو مغازلة حبيبته في عتمة القاعة بعيداً من العيون.

والفيلم مغر لمن يريد التلصص على مفاتن الممثلة لورين قديح، وقد يكون مغرياً أيضاً لمن لا علاقة له بالسينما كفنّ. لكن المتابع للسينما والضليع بأبسط قواعدها، يُدرك أنه أمام شريط عمل سيّء من الناحية التقنية قبل الأمور الأخرى. حيث يعاني العمل مشاكل عدّة في الصوت، والإضاءة خافتة في بعض المشاهد.

ويسجّل على المخرجة اهتمامها المبالغ بالديكور على حساب أمور أكثر أهمية كالتمثيل والسيناريو والحوارات وغيرها. صحيح أن المشهد جميل، كل شيء في مكانه مرتب وأنيق وغريب ومنسق، لكن هل الصورة وحدها كافية لصناعة فيلم؟.

مع تواتر الأحداث في «شي يوم رح فل»، يدرك المشاهد أن القصة ضاعت تماماً من صانعة الفيلم، حيث ما أن تبدأ حكاية حتى تنتهي لتبدأ أخرى من الصعب إيجاد علاقة لها بالأولى. حكايات راجحة كاتبة السيناريو والمنتجة، نفسها قصير. وفي أحيان كثيرة يبدو الفلاش باك غير كاف لشرح موقف ما. وفي أحيان مثلاً تلمّح المخرجة الى المثلية الجنسية في الفيلم، لكننا لا نراها إذ سرعان ما يُنسى موضوعها وتوضع على الرف، فصانعة الفيلم تدور حول القضية من دون ولوجها.

والأهم فحواه السؤال: لماذا الإصرار على اللامنطق في الفيلم، لماذا غالبية الأحداث لا يمكن أن يصدقها المشاهد، أو هي غير مقنعة ككيفية لقاء الشخصيات وحبهن لشخص واحد، لا يميزه عن غيره الكثير. نساء ليال راجحة حائرات، ضائعات، مشتتات، لا يعرفن طريق الخلاص، ناهيك بأن الشخصيات النسائية الثلاث التي اختارتها لتستعرضها في عملها الروائي الثاني، لا تختلف كثيراً عن الشخصيات التي استعرضتها في «حبة لولو» (عملها الأول). تحاول المخرجة أن تقنعنا بأنها تطرح هنا قضية المرأة، لكن من يمكنه تصديق هذا؟، فنحن لا نعرف تحديداً ما تعانيه الأنثى في «شي يوم رح فل»: الخيانة، قلة الأمان، الخداع، الحب، الإدمان!

وبعيداً من الضبابية في العمل، يعاني السيناريو ركاكة فاضحة، وافتـــعالاً كبيراً في مواقفه الدرامية، وجـــمله المنمقة. إضافة الى أن ثمة مشكـــــلة أساسية تكمن في أداء الممثــــلين الذي تميز بالانفعال والتـصنع. فالنساء الثلاث التي اختارتهن راجحة لفيلمها (جوي كرم، هيام أبي راشد، لورين قديح)، لم يقدّمن الحالة الدرامية المطلوبة، مع أنه يفترض بأن كل واحدة منهن وفق السيناريو، تعاني مشكلة ما. ومن أهم مشاكل الفيلم والمخرجة، الإصرار على الممثلة لورين قديح التي لا تتمتع بأي ميزة تمثيلية، الا اذا كانت تستعمل للإغراء، فهي أهل لذلك. هذه الممثلة الشابة، غير قادرة على التفريق بين الدراما والكوميديا في الدور، علماً ان الدور الذي ظهرت به وهي تندب زوجها بعد وفاته، بدا من أسوأ مشاهدها التمثيلية. والسؤال الأهم، لماذا الإصرار على ممثلات غير قادرات على إيصال الفكرة في شكل طبيعي، أو لا يعرفن أساسيات التمثيل؟

وهذه الملاحظات تنطبق أيضاً على بيار داغر وعادل كرم في الفيلم، فالأول يظهر بدور المتعجرف، لكن تصنّعه كان واضحاً، على عكس مشاركاته الناجحة في الدراما اللبنانية، فيما الثاني ما زال مصراً على نهج تمثيلي غير مقنع يحاول معه ألا ينسينا للحظة انه نجم تلفزيوني معروف!. ومن دون ان ننسى أنه في أحد مشاهد الفيلم، تظهر المغنية الاستعراضية مادونا، وكأنها بعثت من بين الأموات.

في اختصار يعاني الفيلم مشاكل عدّة، وهو لا يزيد شيئاً على نهضة الفيلم اللبناني، حيث بات واجباً التفريق بين الفيلم اللبناني المصنوع للمشاهد العادي على شكل حلقة تلفزيونية بائسة – وهي حال هذا الفيلم -، من أجل تحقيق أرباح مادية بفضل مشاهد الإغراء الفاحشة، والفيلم اللبناني المؤسس لمرحلة سينمائية جديدة والذي بتنا نشتاق إليه منذ زمن!

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى