كتاب الموقعكلمة في الزحام

صُنع بسحر

صُنع بسحر… صبا, نهوند, عجم, بياّت سيكا , حجاز , راست …أو ما عبّر عنه العرب اختصارا بعبارة (صنع بسحر).
هل تتخيلون مدينة تمتلك روزنامة صوتيّة للأيام وأوقات الصلاة يستفيد منها المكفوفون والمسنّون ..إنها القيروان التي يرفع فيها الآذان حسب المقامات الموسيقية.
أعلنتها اليونسكو منذ أعوام عاصمة للثقافة الإسلامية ,أعتقد أنها عاصمة لكل شيء .
قال عنها ابن رشيق: إنها مدينة لا تنجب إلا شاعرا أو مجنونا.
هي التي ورثت مجد الأندلس , حاصرتها قبائل بني هلال , و نشأ فيها صاحب: (يا ليل الصبّ متى غده)…الحصري القيرواني الذي عارض قصيدته مئات الشعراء لكنّ رائعته ظلّت عصيّة عن التقليد. لذلك ليس غريبا أن يكتب القيروانيون قصائد شعرائهم المحليين والزائرين بماء الذهب ثم يعلقونها على أسوار مدينتهم , لقد فعلوا ما لم يفعله عرب الجاهلية على حد قول نزار قباني.
ليست غايتي أن أكتب عن القيروان, فأنا لست وكيلا أومندوبا أودليلا سياحيا لكن القلب يعشق كل جميل ,
وعلى ذكر بيرم (صاحب كلمات هذه الأغنية) فقد كتب لي قريبي الذي يعيش في بلاد الاغتراب (لا أظنه يشعر بالغربة):  لماذا قدّر لنا أن نتحدّث ونكتب بلغة غير تلك التي نشأنا عليها…هل هي لعنة الأجداد؟!
تذكرت بيرم الذي خرج من معطفه صلاح جاهين ونجيب سرور وفؤا د نجم والأبنودي وجمال بخيت مع أنّ عائلته قادمة من بلاد بعيدة عن أرض الكنانة.
تذكرت كل الذين غادروا إلى غير بلادهم-مثل الطيور الباحثة عن الدفء- ثم أبهروا وأمتعوا لأن الإبداع لا يعترف بالهويات الورقية والحدود المتحرّكة.
تذكّرت جبران الذي أقيم له تمثال في الولايات المتحدة قبل بلدته (بشرّي), وسينغور الذي جعل لإفريقيا مقعدا في الأكاديمية الفرنسية,
تذكرت كل الذين أحببتهم وتعلّمت منهم: الزبائن الظرفاء في محل (فريدي)الذي ابتلعه شارع الأكل إلى غير رجعة, البدوي الذي يعتق طيره الحر بعد سنوات من الصيد والحطّ على معصمه, المطران جورج خضر الذي يدعو للذهاب نحو الآخر حتى لو اعتنقت عقيدته , عبد الرحمن الكواكبي وكتابه طبائع الاستبداد …ابتسامة جارنا البقّال في الصباح.
الأشياء التي نحبها والأشخاص الذين تعلمنا منهم لم يعودوا كثيرين ,نعم, كلما قلّ المحبون كثرت أوراق الدفاتر والمذكّرات والتنهّدات , لذلك أستمع الآن إلى ما قاله بيرم على لسان الست: (كنت ابتعد عنّو ويقلّي مصيرك يوم وتجيلي)
وأقرأ في دفتري:
أنت المرأة التي أوقفت القطار بإشارة من إصبعها , أمّا القطار فهو أنا.
أنت المرأة التي أيقظت نرجسيتي وجعلتني أبحث عن اسمي كل صباح في صفحة الكلمات المتقاطعة …أنت امرأتي المستحيلة.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى