غسان كنفاني بين دمشق وبيروت: في حضور ذكراه الآسر شهيدا !

دمشق ــ خاص

“يا لذلك اليوم.. “

عبارة قادرة على تكثيف اللحظة التاريخية التي انفجر فيها الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني شهيدا في منطقة الفاكهاني في بيروت على يد الموساد الإسرائيلي، ليصبح مفتاحا من مفاتيح الحديث عن فلسطين، والأدب المقاوم ، والشهداء ..

تلك العبارة بدأ بها الكاتب عدنان كنفاني الذي يعيش في دمشق ليحكي عن تلك اللحظة التي سمع فيها بخبر استشهاد غسان في بيروت، وهي لحظة اشتغل عليها الكثير من الكتاب الذين كتبوا يوم الجمعة عن استشهاده، فكيف تلقى عدنان كنفاني الذي يعيش في دمشق خبر استشهاد أخيه ؟!

يكتب عدنان كنفاني : “الساعة الواحدة، ظهر يوم السبت 8 تمّوز 1972 خبر مقتضب بثّته إذاعة لندن:[انفجار سيارة يودي بحياة الأديب غسان كنفاني وسط ظروف غامضة.]

بعد دقائق كنت في سيارة أجرة، منطلقة، تطوي تحت عجلاتها الطريق إلى بيروت.

أتوسل لأول مرة في حياتي أن تقابلني هناك كذبة.! أجمل كذبة يمكن أن يستقبلها إنسان، تقول: إن الخبر برمته ليس له أساس من الصحة.

ولأول مرة في حياتي أيضاً أجتاز حدوداً بين دولتين، بلا جواز سفر، ولا تأشيرة، ولا تصريح، فتحوا أمامي البوابات، وحمّلوني بنظراتهم الطيبة الحزينة، وتصرّفاتهم الجاّدة الصغيرة المخلصة والمرتبكة، أنبل المشاعر طافحة بالأسف والعزاء..”

مع عدنان كنفاني، استعادت دمشق يوم الجمعة الماضي هذه الذكرى باهتمام من خلال ماكتبه عدنان كنفاني وبعض الكتاب الفلسطينيين وصفحات التواصل التي جعلت اسم غسان يتجمع كقامة فلسطينية كبيرة في زمن صعب كالزمن الذي نعيش فيه..

والغريب أن الكاتبة السورية التي أحبته غادة السمان، لم تكتب عنه هذه المرة !

انتقى الروائي حسن حميد ، اللحظة نفسها التي ترامى فيه خبر استشهاد غسان، فكتب بحرارة: ” الان، وفي مثل هذا الوقت تماما.عند الواحدة ظهر يوم السبت 8 تموز 1972 استشهد غسان كنفاني راس الجيل الثاني من كتاب الرواية والقصة الفلسطينيتين.بعد جيل الكبير جبرا ابراهيم جبرا..”

نترك الروائي حسن حميد، ونعود إلى عدنان كنفاني وقد وصل الحازمية قادما من دمشق، نراه في الحازمية وقد استعاد من الذاكرة عظمة أخيه الذي بلفت النظر إليه كفتى ينتظره شأن عظيم:

“في ساحة بيت يميس بين الورود والزهور، وعبق الكبّاد والنارنج، يحتل مكاناً أثيراً في حي القنوات بدمشق، تتحدث جدرانه المزخرفة والمعشّقة والملوّنة عن عظمة دمشق وتاريخها.

يجلس على كرسي مرتفع، يحرص “فخري بيك البارودي” أن يحمله إليه بنفسه.

فتى نحيل أشقر، شعره مجعّد، عيناه تشعّان ذكاءً، يمسك بين يديه سنوات عمره التي لم تتجاوز الرابعة عشرة، وكتاباً يقرأ منه.. بين جمهور من الأدباء والفنانين والسياسيين ينصتون باهتمام واستحسان إلى قراءته السليمة المؤثرة التي يضيف إليها صوته الصافي مسحات رائقة تزيدها بهاءً وجمالاً.

نراقبه من فرجة الباب بشغف، تنتهي الجلسة اليومية.. ليعلن “فخري البارودي” كما في كل ليلة: إن هذا الفتى سيصير إلى شأن عظيم..”

وبين دمشق وبيروت وفضاءات قضية مفتوحة على العالم يكبر غسان كنفاني ويصبح شهيدا بعظمة قضيته ويرى عدنان المشهد بأم عينيه : ..

“ترتجف أطرافي المتحفّزة، أتلهّف لاستقبال مفاجأة الكذبة، أتوسل أن تتدحرج أمامي على مساحة الأفق.يمسك السائق يدي، يفرد أمام خطواتي المضطربة حزنه المسفوح على حصيرة من شفقة.يقودني عبر الحطام والدمار.يصل بي إلى حافّة واد عميق الغور. فيه رجال يلتقطون عن الأغصان قطع لحم صغيرة، يجمعونها في كيس أبيض.
في الزاوية الأخرى رأيت وجه غسّان ونصف صدره، ورأيت شيئاً متفحّماً يشبه الصّبية الجميلة “لميس”..

الكتاب في دمشق يستعيدون اسمه ، ليس لأنه شهيد، فالشهداء في سورية سيصبحون أكثر من عدد السكان، وإنما لأنه كان استثناء، ولأنه كما يكتب وليد عبد الرحيم قبل دقيقيتين من حلول موعد الذكرى : ” في العام 1936 وُلد، عاش ستةً و ثلاثين عاماً، و بتفجير إرهابي صار ستاً و ثلاثين قطعةً، لكنه كان قد بثَّ ستاً و ثلاثين ألف فكرة، إنه غسان، معجزة الرقم 36 !!…

نشر عدنان كنفاني صورة نادرة أمس في دمشق، يظهر فيها غسان الفتى وهو يرسم صهره حسين نجم، زوج شقيقته فايزة وكان في السادسة عشرة من عمره، كما نشر في ذكرى استشهاد غسان الرابعة والأربعين قصيدة يقول فيها :

يخافونَ منكَ.!
لماذا.؟
وأنتَ الضئيلُ المريضْ
وعيناك تبقى الصهيل
تبقى البِدايةُ
تبقى السببْ.

لمحة عن الكاتب الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ولد كنفاني في الثامن من نيسان من العام 1936 في عكا في فلسطين، واستشهد بتفجير سيارته في 8 تموز 1972 ، ومن أعماله : موت سرير رقم 12، مجموعة قصصية صدرت في بيروت عام 1961، وأرض البرتقال الحزين، مجموعة قصصية صدرت في بيروت عام 1963، ورواية رجال في الشمس في بيروت عام 1963، وقد حولت إلى فيلم بعنوان ‘المخدوعون’، ورواية أم سعد 1969، ورواية عائد إلى حيفا 1970، ومجموعة قصصية بعنوان الشيء الآخر، ورواية ما تبقى لكم، وأصدر عدة دراسات هي: أدب المقاومة في فلسطين المحتلة، والأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال، وفي الأدب الصهيوني، وثورة 36-39، خلفيات وتفاصيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى