فن و ثقافة

لماذا يذهبون إلى القصة القصيرة جدا؟!

بين فترة وأخرى نواجه مظاهر ثقافية تشغلنا قليلا في حوارات تبدو أحيانا نافلة، كتلك الحوارات التي جرت حول القصة القصيرة جدا التي بالغ فيها النقاد، وهي فن من فنون الكتابة يظهر ويتلاشى بين فترة وأخرى..

إن فنون الكتابة كثيرة ومدارس النقد أكثر منها، لكن الأسس التي وضعت لفنون الكتابة تبدو أحيانا بمثابة تأطير مخادع تماما كما يحصل في تأويل النصوص الأدبية والشعرية، فالنص يفترض أن يقرأ على مداه المفتوح، وليس شرطا أن يتفق الجميع على محتواه ..

ومؤخرا بدأ في دار الأوبرا بدمشق مهرجان للقصة القصيرة جدا على مدار ثلاثة أيام، وذلك بمشاركة مجموعة من الأدباء السوريين، وقد أخذني هذا المهرجان بعيدا رغم أنني دعيت إليه على صعيدين الأول : قراءة نماذج من قصصي، والثاني تكريمي أنا والكاتبين العزيزين وليد معماري، وحسن م.يوسف .

أخذني مهرجان دار الأوبرا بدمشق بعيدا إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي، عندما كان الوسط الثقافي كحاله هذه الأيام يعاني من ركود واضح مع ظهور الفضائيات وانشغال الناس بالمدى المفتوح للإعلام القادم من الفضائيات.

ويومها كنا مجموعة أصدقاء خضنا الرهان على أساس العجز عن تحريك هذا الوسط الثقافي ، وكان رأيي أن السبب هو في المثقفين والكتاب أنفسهم، فقد تحولوا إلى براغي في ماكينات عتيقة تحتاج إلى تحديث، واقترحت أن نحرك هذا الوسط بجمع أكبر عدد ممكن من الكتاب المغمورين لتقديمهم إلى المجتمع، وكانت الفكرة بإنشاء: (( مجموعة أصدقاء القصة القصيرة جدا)) !

كنت أشتغل على برنامج تلفزيوني نظيف وخفيف في آن واحد يبث في آخر الليل على القناة الثانية اسمه “آخر المشوار” وكنت أكتب فيه كل يوم تقريبا قصة قصيرة جدا مع حكمة وبيت شعر وطرفة .. إضافة إلى فقرة للمشاهدين أنشر فيها ما يكتبون، ومن هؤلاء دعوت بعضهم للمشاركة في مشروعنا..

ظهرت مجموعة أصدقاء القصة القصيرة جدا بداية من عدة كتاب : الدكتورة مية الرحبي، وعماد نداف ، وأحمد جاسم الحسين وكان أحمد يدرس اللغة العربية قبل تخرجه وتقديم رسالة الدكتوراه ..

امتدت الفكرة سريعا، وساعدنا الأصدقاء في الصحافة الثقافية وطبلوا وزمروا بنا، واتسعت مع دخول الدكتور الناقد يوسف حطيني ومجموعة من الكتاب والأدباء الذين نعتز بهم وبتجربتهم..

اشتغلنا كرحالة ، وزرنا المحافظات السورية في حلب ودير الزور والرقة ودرعا ووصلنا إلى البو كمال، واتسعت دائرة النشاط فوصل عدد المشاركين من الكتاب الشباب إلى العشرات ..

وبشكل طبيعي شرع النقد بأداء دور جذّاب وخاصة مع كتاب الدكتور أحمد عن القصة القصيرة جدا، وانقسم هؤلاء إلى مع وضد .. ووصل الأمر إلى إقامة المهرجان الأول للقصة القصيرة جدا ثم الثاني اللذين أقيمت فعالياتهما في المركز الثقافي الروسي والمركز الثقافي العربي في العدوي على مدار أسبوع توافد فيه الكتاب الشباب من المحافظات..

امتدت الظاهرة، واتسع الأصدقاء عربيا إلى السعودية والمغرب والامارات وغيرها، وكانت السعادة تغمرني مع قراءة أسماء مما كانت معنا في تلك المهرجانات العربية، ثم انتشرت المجموعات القصصية لهذا النوع بكثافة إلى أن زهقت منها لكثرتها واختلاط الجيد مع الرديء ..

اليوم ، تقيم دار الأوبرا مهرجانها الأول . لابأس ، فليس المهم التسمية، المهم ، أن يتسع النشاط الثقافي ويمتد، وليس المهم أن نكون نحن في عداد المشاركين أو المكرمين أو لا ، لأن الأهم حتما هو البحث عن كتاب شباب سيكونون كبارا ونعتز بهم في المستقبل القادم.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى