نوافذ للحوار| بهاء طاهر: لا أذهب إلى الكتابة خشية أن أكرر نفسي (سلوى عبدالحليم)

 

سلوى عبدالحليم

«لا بأس بها طالما تفي بالغرض»… هكذا يصف الروائي المصري بهاء طاهر (1935) وزارة الثقافة المصرية، وهو أحد أبرز من شاركوا في اعتصام ضد وزير الثقافة السابق علاء عبدالعزيز في حزيران (يونيو) الماضي ضمن تحرك أوسع لإنهاء حكم جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر.
طاهر اختير رئيساً شرفياً لمؤتمر «ثقافة مصر في المواجهة» الذي أقيم أخيراً في القاهرة برعاية وزارة الثقافة، يرى أن المثقفين كانوا في قلب المعارك الأساسية التي خاضها الشعب المصري ضد كل استبداد،
وعليهم مواصلة هذا الدور.
ويعتبر صاحب رواية «الحب في المنفى» نفسه من «المحظوظين» لأنه نشأ كما يقول في عصر يحتفي بالثقافة والأدب ووسط جيل من الكتاب اكتوى بنيران السياسة ما بين سجن ونفي.

> وصفت الأيام التي تلت ثورة يناير بـ «أيام الأمل والحيرة» في كتابك الصادر أخيراً والذي يحمل العنوان نفسه… هل ما زلنا نعيش هذه الأيام بعدما جرى في 30 يونيو؟

– يوم تنحّي مبارك شعرت بفرحة تكفي عشر حيوات لا حياة واحدة. ثورة 25 يناير فجرت أمامنا قدراً هائلاً من الآمال والتوقعات. ولكن ما حدث بعد ذلك يقول إننا ما زلنا نعيش أيام الأمل والحيرة، حتى بعد إطاحة حكم الإخوان. الحيرة ما زالت موجودة والأمل أيضاً، فهما يسيران جنباً إلى جنب. بمرور الوقت قد يزداد الأمل وتتبدد الحيرة، في حال سارت الأمور في طريقها الصحيح لتحقيق أهداف الثورة، والعكس صحيح طبعاً.

> حدثنا عن رحلتك الأخيرة إلى سويسرا وكيف لمست هناك رد الفعل على ما يحدث في مصر؟

– هم قرروا أنه إنقلاب عسكري، ولن تفلح محاولاتنا – لو كانت لنا محاولات – في جعلهم يعدلون عن هذا القرار. هذا ما خلصت إليه عقب رحلة استمرت أكثر من أسبوعين لم انقطع خلالها عن مشاهدة التلفزيونين الفرنسي والسويسري واللذين لا يختلفان عن تلفزيونات «الإخوان المسلمين»، فما يبث خلالهما نسخة مطابقة لما يبث في القنوات المناصرة لجماعة الإخوان. وجود الإخوان وتوغلهم داخل المجتمع المصري حقيقة يجب علينا عدم تجاهلها والتصرف في ضوئها.

> باعتبارك إعلامياً قديماً وقضيت سنوات طويلة خارج مصر، كيف ترى دور البعثات الديبلوماسية إزاء ما يحصل؟

– تابعت غالبية المعارك الإعلامية السياسية التي خاضتها مصر فترات الحروب وبينها حرب 1967 كنت استمع إلى إذاعة «بي بي سي» وإذاعة اسرائيل وغيرها من الاذاعات، لكني لم أرَ هذا الكم من العداء الموجود لدى قناة «الجزيرة» ضد مصر. كان هناك درجة ما من الموضوعية والصدق. أما «الجزيرة»، فتمارس التضليل بهدف هدم النظام المصري. لدينا بعثات ديبلوماسية كثيرة في الخارج وبمقدورنا أن نفعل شيئاً لكننا للأسف لا نفعل أي شيء.

> في ظل مشهد مصري عربي مضطرب يموج بالتغييرات السياسية والثقافية أين تكمن نقطة النور؟

– نقطة النور كانت وستظل في مصر، التي ستنهض لتغمر المنطقة العربية بالنور كسابق عهدها، لكن الأمور لا يمكن أن تسير في سلاسة. مصر الآن تمر بمشاكل خطيرة، على رأسها مشكلة «الإخوان المسلمين»، لكنها حتماً ستتغلب عليها.

> معنى كلامك هذا أنك تتفاءل؟

– أنا أتفاءل دائماً، لكنني واقعي، فعلى المدى القصير أتوقع وجود عقبات، ونكسات، لكن على المدى البعيد أنا مؤمن بأن الثورة ستحقق أهدافها، بفضل دماء الشهداء التي بذلت، وبفضل كفاح الشعب المصري الطيب.

> تتحدث عن التبعية للغرب وتراها عقبة في طريق إحراز أي تقدم، هل يمكن النظر إلى ما حدث في 30 يونيو باعتباره خطوة في اتجاه التحرر من هذه التبعية؟

– خطوة بالغة الأهمية.

> كيف تصف الدور الذي لعبه المثقفون لإطاحة حكم «الإخوان»؟

– دور مهم، لكن ما يحزنني الآن هو أن الناس تناسوا أن الأدباء والمثقفين بوصفهم المعبرين عن ضمير الأمة كانوا الجهة المعارضة الوحيدة وقت هيمنة «الإخوان» على الحكم، ورغم محاولات الاعتداء والضرب التي تعرضنا لها طوال أيام الإعتصام، أعلنا أننا لن نتوقف وأننا لن نكتفي بعزل وزير الثقافة «الإخواني»، وإننا مستمرون في اعتصامنا حتى يسقط نظام «الإخوان»، وقد سقط بالفعل، لكن للأسف لا أحد يتذكر هذا الآن!

> ما الإنجاز الأهم الذي حققه اعتصام المثقفين والذي لا يقل أهمية عن سقوط حكم «الإخوان»؟

– الإنجاز الأهم في تصوري هو نزول الثقافة إلى الشارع للمرة الأولى في تاريخها. كانت هناك حفلات باليه، مع غناء وعزف أوبرالي وموسيقى كلاسيكية في الشارع. اللافت أن الناس استمتعت بهذه الفنون وتفاعلت معها رغم نخبوية بعضها.

> كيف يساهم نزول الثقافة إلى الشارع في حدث استثنائي في ردم فجوة تتسع بين المثقف ورجل الشارع البسيط الذي يشعر بانفصال النخبة عن مجتمعها؟

– لا ألوم رجل الشارع البسيط في نظرته إلى المثقفين، لأنهم بالفعل منفصلون عن الشارع، عندما استمع إلى مناقشات المثقفين داخل جدران لجنة الخمسين، لجنة إعداد الدستور الجديد، أشعر بدهشة شديدة، وأتساءل: لمن يصنع هذا الدستور، هل يصنع من أجل المثقفين وحدهم، أم من أجل عامة الشعب. تحرير الثقافة من العزلة والتواصل أكثر مع المجتمع والناس، أولويات عمل يجب أن ينشغل بها المثقفون في المرحلة الراهنة.

> كيف تقيم أداء المؤسسة الثقافية الرسمية؟

– وزارة الثقافة الحالية تعبر عن المثقفين المصريين بمزاياهم وعيوبهم، ثم لنكن متواضعين بعض الشيء، لأن أي وزارة تأتي بعد الوزارة «الإخوانية» السابقة حتماً ستكون أفضل.

> لكنك كنت من أوائل المعترضين على وجود محمد صابر عرب على رأس وزارة الثقافة؟

– صحيح. كنت من مؤيدي تولي إيناس عبد الدايم هذا المنصب، نظراً للدور العظيم الذي لعبته أثناء اعتصام المثقفين، لكنني علمت أن عبد الدايم هي من رشحت محمد صابر عرب لتولي المنصب. وزارة الثقافة الحالية لا بأس بها طالما أنها تفي بالغرض وصابر عرب رجل مثقف لديه خبرة لا يمكن تجاهلها، ويجب ألا ننسي أننا نعيش ظرفاً انتقالياً شديد الصعوبة، فإذا كانت القيادات الحالية في وزارة الثقافة قادرة على تسيير الأمور حتى حدوث انتخابات برلمانية، واختيار وزارة منتخبة، فلا بأس.

> رُشحت لمنصب وزير الثقافة عقب ثورة 25 يناير لكنك رفضت؟

– لا أصلح لهذا المنصب وأنا في هذه السن. هذا منصب يجب أن يتولاه شاب.

> هناك من يرى أن ممثلي المثقفين في لجنة تعديل الدستور لا تعبر عن الأجيال الجديدة؟

– وأنا ممن يرون ذلك. حتى الأحزاب السياسية، بخاصة القديمة والتقليدية، تم تمثيلها من خارج دائرة الشباب.

> في ظل غياب ممثلين عن الفئة الأكبر «الشباب»، هل تتوقع دستوراً يحقق طموحات المجتمع ويعبر عن في الوقت نفسه الثورة؟

– دعينا ننتظر لنرى. سعد زغلول كان يصف لجنة الخمسين التي قامت بوضع دستور 1923 بـ «لجنة الأشقياء». بعد ذلك دافع سعد زغلول ومعه الشعب المصري كله عن الدستور الذي وضعته هذه اللجنة دفاعاً مستميتاً.

> كيف ترى الحلم الذي تحدثت عنه في كتابك «أبناء رفاعة: الثقافة والحرية»؟

– أبناء رفاعة كان لديهم مشروع سميته «الحلم المصري». الأمل في المساواة والديموقراطية ودولة المواطنة وحرية المرأة. هل هذا الحلم هو الحلم نفسه الذي رآه رفاعة الطهطاوي؟ لا أدري، لكني على يقين من أن العمل من أجل تحقيقه سيستمر من خلال أحفاده ممن أشعلوا ثورة 25 يناير وموجة 30 يونيو الثورية.

> في السبعينات، عايشت تجربة إقصائية هي الأبرز في تاريخ الثقافة المصرية، هل أنت مع إقصاء أي فصيل بصرف النظر عن المخاطر التي يشكلها على المجتمع؟

– سؤالك هذا صعب ومحير. من حيث المبدأ أنا ضد فكرة الإقصاء، لكن ما الذي يمكننا فعله عندما تكون هناك جماعة لا تنكر أنها إرهابية وتتباهى بذلك؟ عموماً، ومن حيث المبدأ، أرى أن الفكر يقاوم بالفكر، الفكر الإرهابي يقاومه الفكر المدني المتحرر، أحياناً اسأل نفسي، لماذا لا يوجد لدينا تنظيم، أو حزب قوي يعبر عن فكر الدولة المدنية، لماذا لا تجتمع هذه الأحزاب المدنية المفتتة في حزب واحد قوي خصوصاً أنه لا توجد فروق جوهرية بينها، لكن للأسف يبدو أن هناك مشكلة في كيفية إقناع هذه الأحزاب المدنية بأهمية التحالف.

> الفكر الإسلامي المستنير الذي طرحه مشايخ مثل محمد عبده وشلتوت وغيرهم أين هو الآن من مواجهة نظيره المتطرف؟

– أحياناً أسأل نفسي لماذا لا يوجد لدينا حزب إسلامي مستنير يخرج من رحم مؤسسة مثل مؤسسة الأزهر، فالوثائق الأربع المهمة التي أصدرها الأزهر والتي كان ينبغي أن يستعان بها في وضع الدستور الجديد، تكشف أنه المؤسسة الوحيدة التي يمكنها أن تكون المعبر عن حزب يحتضن تجربة ترسخ لفكر إسلامي مستنير، كاالذي دعا اليه هؤلاء المشايخ العظام، يمكن اللجوء اليه في مواجهة الإرهاب والتطرف.

> الكتابات التي صدرت أخيراً واشتكبت مع الثورة، هل يمكن النظر اليها بوصفها ابداعاً ثورياً؟

– قراءة أي عمل أدبي يجب أن تأتي من دون أية تحيزات مسبقة لأن كل عمل أدبي يحمل قوانينه الخاصة. الكتابات التي اشتبكت مع الثورة بينها كتابات ابداعية جيدة تواكب الحدث مثل «باب الخروج» لعز الدين شكري، أما مسألة الحكم على مستواها فهذا أمر يترك لتاريخ الأدب.

> هل يمارس النقد سلطة ما على الإبداع؟

– إذا قلنا إنها سلطة، فهي سلطة اختيارية، بمعنى أن القارئ هو الذي يحدد، فإذا اعتبر هذا القارئ أن النقد يؤدي دوره وأنه مفيد، فإنه يصبح سلطة. أما إذا اعتبره شيئاً فائضاً عن الحاجة، وأنه للمجاملات فقط، أو أنه يبث رسائل سلبية طوال الوقت، في هذه الحال لن ينظر اليه باعتباره سلطة.

> هل المناخ النقدي الموجود حالياً يساهم في تطور الأدب؟

– النقد عدو الديكتاتورية، وهو لا يزدهر إلا في ظل توافر مناخ ديموقراطي. ليست لدي نظريات، بل تجارب. عشت الأيام التي كانت يكتب فيها محمد مندور ولويس عوض وعبدالقادر القط وأنور المعداوي. هؤلاء كانوا يمارسون النقد ليكونوا همزة الوصل بين المتلقي والمبدع، وهذا لا يعني أن كل ما يقوله النقد صحيح، فالطبيعي أن تكون هناك وجهات نظر متعددة ومختلفة توجه للمبدع رسالة وللقارئ، من مجموع هذه الرسائل المختلفة يتواجد مناخ نقدي يؤدي إلى تطور الأدب. في الماضي رأينا نقاداً يقومون بهذا الدور، وفي السنوات الأخيرة كان هناك الراحل فاروق عبدالقادر وحالياً صبري حافظ. في ما عدا ذلك، الساحة الأدبية في مصر تفتقر إلى نقاد يقومون بهذا الدور.

> كيف ترى واقع القصة القصيرة؟

– فلسفة القصة القصيرة مجهولة لدى كثر، ربما لأن يوسف ادريس ومن خلال كتاباته القصصية المتميزة والتي جاءت في عصر مختلف تماماً، عصر يتسم بالعزة الوطنية، ألقي بمهمة صعبة للغاية أمام من جاؤوا بعده. القصة القصيرة أقرب فن نثري إلى الشعر وينبغي تذوقها على هذا الأساس. غارسيا ماركيز كان ينظر إلى القصة القصيرة بوصفها الفن الأصعب، أما الرواية فكان يقول عنها: «انتهي منها بمجرد كتابة أول جملة فيها».

> أنت كاتب مقل، متى تشعر بأنك مدفوع إلى الكتابة؟

– بعض الكتاب لديهم منهج معين للكتابة المستمرة، أما أنا فلا. لا أذهب إلى الكتابة، إلا إذا شعرت أن لدي جديداً أريد قوله، خشية أن أكرر نفسي.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى