نوافذ للحوار| خالد أبو خالد: الشاعر يحلم بالقصيدة الأفضل

الشاعر الفلسطيني خالد أبو خالد من الأسماء الشعرية الهامة على خارطة الشعر العربي. إلى جانب الشعر يرسم خالد وقد أقام معارض عدة. حياته بحد ذاتها تعتبر تراجيديا مؤلمة. استشهد والده وكان عمره عاما واحدا. عاش التشرد والألم على أرصفة المدن والعواصم العربية. عاش نكبة 48 بتفاصيلها، وانهمك طويلا في العمل السياسي الفلسطيني. عمل ماسحا للأحذية وعمل في المقاهي والمطاعم، يرى خالد ان فلسطين هي الأسم الحركي لهذا الوطن العربي، وهي صاعق المنطقة بلغة المتفجرات، ويؤكد ان عدم تحرير فلسطين سيبقي المنطقة متفجرة، عن الشعر والرسم والمدن كان هذا الحوار معه:

÷ في زمن الحروب والويلات، ما زلت متمسكا بالشعر، ما جدوى الشعر في هذا الزمن الرديء؟

{ نعيش منذ ما يزيد على خمسمائة عام حربا، لكن هذه الحرب التي نعيشها الآن هي الأشرس، هي حرب عسكرية، نفسية، إعلامية، خراب وتدمير وقطع رؤوس …الخ.

÷ الشعر في هكذا حالات يساعد على التماسك أكثر، ويجعل منك دائما صاحب مشروع ولست في الهامش. القصيدة هنا تقف وقفة المحارب، تساهم في صمود الناس على مواجهة هذه الحرب.

{ من هنا أنا أتمسك بالشعر لأنه رافعتي الشخصية، الشعر رافعة مهمة جدا في هكذا ظروف. دائما ما كنت أحذر وأنذر وأبشر في قصيدتي، وما زلت على هذا الثابت بمستقبل أهم وأفضل وأرقى ليس لنا فقط إنما للإنسانية جمعاء.

÷ما بين أولى مجموعاتك الشعرية «وسام على صدر الميليشيا» إلى «العوديسا الفلسطينية» و«من كتاب الشآم»، هل قلت كل ما لديك شعريا؟

{ مؤكد أنني لم أقل كل ما لديّ من الشعر، والقول إني قلت كل شيء أنا أو غيري من الشعراء يكون هو قد مات عمليا والشاعر لا يموت. أنا شخصيا مستمر في كتابة الشعر والانجاز والإرهاص بما هو آت. والشاعر دائما يحلم بالقصيدة الأفضل التي لم يكتبها بعد، على حد تعبير «ناظم حكمت».

÷ إلى جانب الشعر، ترسم أيضا وأقمت معارض فردية، ربما هذا الجانب يجهله كثيرون.

{ أنا معروف كشاعر أكثر من كوني معروفا كفنان تشكيلي. أقمت أول معرض فردي لي بالكويت عام 1957. وتناولت فيه موضوع العدوان الثلاثي، وكان معرضا تعبيريا بامتياز. المعرض الفردي الثاني بالكويت أيضا عام 1958 طرحت فيه الهم والجرح والألم الفلسطيني. بعد سنوات عدة انتسبت إلى مركز أدهم إسماعيل للفنون في دمشق، في ما بعد انقطعت لالتحاقي بصفوف المقاومة، وانهمكت في العمل السياسي. بعد سنوات عديدة عدت للمعهد ذاته لأجد أن من كانوا يدرسون معي هم من أصبحوا يدرسونني منهم أسعد عرابي وأحمد إبراهيم وحيدر يازجي ونصير شورى وغيرهم. في الثمانينيات أنجزت أعمالا مهمة منها «ما أضعه على البروفايل» وهو المسيح الذي شاب وما زالوا يصلبونه حتى الآن. ومنها أيضا قيامة الشهداء. قبل سنوات، رسمت آخر صورة عائلية في الوطن العربي وفيها استشراف لما يحدث الآن، رسمتها باللون الأحمر وكنت استعد لإقامة معرض فردي قبل أن أرحل لكنها الحرب.

أسير عاشق

÷الأديب الفرنسي جان جينيه كتب عنك في كتابه «أسير عاشق» وكنت التقيته أكثر من مرة، حدثنا عن ذلك؟

{ كنت أقود قوات الثورة الفلسطينية في أربد بالأردن خلال معارك أيلول الأسود. كنت، وقيل لي إن «جان جينيه» يريد الكتابة عن الثورة، فاستقبلته وظلّ هذا الأديب يحاورني ويحاور شباب الثورة، ويشاهد ما يجري، ويكتب ملاحظاته، فألف كتابه «أسير عاشق» الذي ورد اسمي فيه مرات عدة، وتحدث فيه عني، فلم يكن ذلك نوعا من «الريبورتاج»، بل أشبه برواية، بيد أنها ليست رواية دقيقة بالمعلومات التي وردت فيها، لأن جزءاً منها كان متخيلاً أو أن بعض الناس قالوه، وهذا الكتاب منجز من منجزات الأديب الفذ «جان جينيه»، وقد ترك تأثيراً قوياً وإيجابياً بالرأي العام الغربي.

÷ تغربت كثيرا ولك تجارب سفر مميزة في العديد من عواصم ومدن عالمية وعربية. ما هي المدن التي تركت آثارا على إبداعاتك؟

{ نحن أبناء الريف أهالي المدن لا يحبوننا.أول مدينة عشت فيها نابلس في كلية النجاح الوطنية ودرسّني فيها الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود، ونابلس بالنسبة إليّ كما عرفت في ما بعد هي دمشق الصغرى، وعندما ينتابني الحنين لنابلس أتجول في دمشق القديمة. عشت في عمان فترة قصيرة، عملت فيها «مُعبدا» للشوارع والأرصفة. أنا عملت ماسح أحذية وبائعا جوالا وعاملا في المطاعم والمقاهي …الخ، وهي المدينة التي أوحت لي بنص: «أنت شوارع المدن التي عبّدت/ من صفد إلى عمان». المدينة الثالثة التي أحببتها جدا هي مدينة البصرة العراقية ـ أنا أحب المدن القرى ـ المدن التي تجمع ما بين القرية والمدينة، البصرة أنا واحد من الذين رفعوا الستار عن تمثال السياب فيها، السياب الذي استقبلته في الكويت حين جاء للعلاج، ورسمت لوحة جدارية في الكويت لديوانه الشعري «إقبال»، لكنني لم أوقعها باسمي لكي لا يقال عني إني حفار قبور لأنه حينها كان على مشارف الموت، لكن المجموعة ظهرت ولوحتي هي الغلاف دون توقيعي.

مدن

ومن المدن السورية التي أحببتها مدينة القامشلي التي احتضنتني وكان عمري (14) سنة عملت فيها معاون سائق تراكتور، ولي فيها أصدقاء بعضهم كان يحلم ان يكون نجما سينمائيا أو شاعرا، أما أنا فكنت أحلم حين ذاك بأن أصبح سائق تراكتور. القامشلي هي التي رحلتني عندما اختلفت مع صاحب العمل، فختموا جوازي وكان عليّ ان أغادر القطر خلال 24 ساعة والقامشلي تبعد عن دمشق 1000 كم. ركبت القطار، ثم وصلت درعا وهناك أخذوني إلى السجن بتهمة مخالفة إقامة وسجنت 20 يوما.

وأحببت مدينة الرقة السورية. فيها كرم القرية وفيها رحابة المدينة وفيها الناس الودودون والموهوبون، وفيها شرائح اجتماعية من مختلف أنحاء سوريا. الكويت أعطتني مقابل جهدي الذي تعبت عليه كثيرا. عملت فيها مسؤولا للبرامج الثقافية بتلفزيون الكويت لمدة سنوات، ثم تمّ ترحيلي منها مع مجموعة بتهمة اننا قوميون. ثم عدت إلى دمشق عملت فيها في الإذاعة والتلفزيون وكانت دمشق وما زالت في نسيج روحي دائما، كما ظلت في نسيج روح صقر قريش في هجرته إلى الأندلس.

أما بيروت فكان وجودي فيها ليس من باب الثقافة إنما كنت منهمكا فيها بالعمل الفلسطيني، مما لم يتح لي الذهاب إلى مقاهي المثقفين. لكنني التقيت فيها الشاعر خليل حاوي الذي أثر فيّ كشاعر. كان محبطا ويائسا في فترة اجتياح بيروت، وحينها قرر ان ينهي حياته مثلما أراد. أقمت في بيروت ثلاث سنوات ولي فيها ذكريات جميلة.

÷ ومن المدن العالمية التي تركت ذكريات لديك؟

{ ترافقنا أنا والشهيد ناجي العلي في رحلة للذكرى من موسكو إلى الصين ولاوس وكمبوديا وفيتنام، أمضينا 45 يوما من أجمل أيام حياتي وحينها قال لي: إنهم هددوني بحرق أصابعي بالأسيد.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى