هل يحل المثقفون المصريون محل الإسلاميين في السجون المصرية؟ (محمد الحمامصي)

محمد الحمامصي
 

 

يوما بعد الآخر تتكشف نوايا جماعة الإخوان المسلمين التي يسيطر أحد أعضائها (الرئيس محمد مرسي) على مقاليد الأمور في الدولة المصرية خاصة بعد أن آلت إليه السلطتان التشريعية والتنفيذية، والذي سلم الكثيرين من أعضائها وأنصارها في تيارات الإسلام السياسي نصيب الأسد من مفاصل الدولة يتقدمها الحكومة ورئيسها ووزرائها ومستشاريه والصحافة والمحافظين، واستتبع ذلك السيطرة على المؤسسات والهيئات الكبرى، والمجالس الحساسة مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للصحافة اللذين تحولا إلى غابة من الذقون والولاءات لتيارات الإسلام السياسي، وسط هذه الهيمنة حتى على الأجهزة السيادية أطلقت هذه التيارات والجماعات أنصارها للنيل من المخالفين لها في الرأي والمعارضين قذفا وتشويها ودعوات للقتل والذبح والسحل تحت الأقدام وبلاغات إلى النائب العام، الأمر الذي رأى فيه المثقفون والكتَّاب بداية مشؤومة ستنتهي بهم إلى السجون، لذا بادرت "ميدل إيست أونلاين" لسؤالهم: هل يتعرض الليبراليون واليساريون والكتاب والمثقفون المعارضون أو المختلفون مع هذه التيارات في الرأي للسجن والاعتقال، ليحلوا محل هذه التيارات في السجون المصرية؟
وجاءت ردودهم تعبيرا عن القلق الذي ينتابهم ليس على أنفسهم ولكن على مستقبل مصر.

دعنا نتوقع الأسوأ
الناقد والكاتب والمحافظ السابق الذي تقدم باستقالته فور تولى جماعة الإخوان المسلمين الحكم د. عزازي علي عزازي، قال: "لا يا صديقي لا ولم تخيفنا سجون لا السادات ولا مبارك ولا مرسي .. القضية، هي الحرية والعدل الاجتماعي والثوابت الوطنية في حاجة دائمة منذ فجر الخليقة لمدافعين عنها ومناضلين من أجلها يعرفون مقدما أنهم سيدفعون ضريبة موقفهم سجنا وقيودا وتضييقا".
وأضاف "شخصيا خضت تجربة السجن وتجربة السلطة، ولكن إيماني بالحرية جعلني أرى السلطة سجنا والسجن انطلاقا في الآفاق، وعموما نحن الآن أمام تجربة لمستبدين جدد عرفوا مرارات السجون، لكن شبقهم للسلطة جعلهم أضيق أفقا من احتمال الرأي الآخر، وأتوقع المزيد من القيود والمزيد من المواجهة".
وحول إمكانية اقتداء جماعة الإخوان بالنموذج الإيراني في التعامل مع المثقفين والليبراليين، خاصة أنه نموذج مرعب، قال "يا أخي يا ريت يبقى فيه شوية قيود ويوجد انجاز حقيقي مثل إيران التي تقدم نموذجا للاستقلال الاقتصادي والقدرة الصناعية والتكنولوجية والدفاعية، نحن عندنا تسلط واستبداد ومعه انهيار اقتصادي وسياسي واجتماعي وفساد، دعنا نتوقع الأسوأ لكن ذلك لن يستمر طويلا لأن مصر أكبر منهم يا صديقي واللعب ضد التاريخ غباء سياسي".

انتظروا محاكم التفتيش
وقال الكاتب والمترجمة د. طلعت شاهين "من المؤكد أن مصر سوف تشهد قريبا تضييقا على المبدعين في جميع مجالات الإبداع: الفني والأدبي، ولكن مظاهر هذا التضييق لن تكون مثل ما اعتدنا عليه في السابق من اعتقالات ونشر قضايا تحاول إدانة المثقفين بشكل عام والمبدعين بشكل خاص، واتهامهم بالعمل على قلب نظام الحكم كما كان يفعل السادات ومبارك، بل ستكون الاتهامات ببساطة العمل على تدمير (المشروع الإسلامي) غير الموجود أصلا، والذي لا يملك المتأسلمون أية ملامح له لأنهم ببساطة لا يعرفون لا الإسلام ولا النهضة، هذا باعترافهم، ولكن هذه القضايا التي من المنتظر أن تثيرها تيارات التخلف ضد المبدعين سوف تكون على شاكلة قضايا (محاكم التفتيش) التي أقامها بعض غلاة الكاثوليكية في أوروبا في القرون الوسطى انطلاقا من الاتهام بالزندقة والتجديف وحتى بيع صكوك الغفران، أي قضايا ليس المقصود بها تخويف المثقفين والمبدعين وإرهابهم، بل لها مآرب أخرى: إرهاب الآخرين لأن المثقف أو المبدع الحقيقي ليس من السهل إرهابه، لذلك سوف تكون تلك القضايا مثيرة إعلاميا، خاصة بعد أخونة الإعلام، وتكون ساحات المساجد أرضيتها بدلا من المحاكم، لأن المقصود كما قلت ليس المثقف في حد ذاته بل إرهاب المجتمع نفسه، وأعتقد أن نماذج لتلك القضايا شهدتها مصر من قبل على أيدي هؤلاء كما حدث في قضية الدكتور نصر أبو زيد، ولكن هذه المرة سوف تكون أكثر زخما لأنهم في السابق كانوا يتحركون تنفيذا وحسب ما يمليه عليهم أمن الدولة في نظام مبارك، أما الآن فهم النظام نفسه، وهم مباحث أمن الدولة، أي المدعي بالاتهام والقاضي، بل والجلاد".
وأضاف شاهين: هذا هو الخطر، فالهدف الآن هو ما تبقى من المجتمع من الذين لم يستسلموا لدعايات المتأسلمين والعارفين بدينهم الحقيقي، هنا الخطر يا سادة فلا يجب أن ينجر المثقف إلى معارك من هذا النوع لأنه سوف يكون الخاسر الأكبر فيها، فقد أصبحت القضايا المثارة على الساحة الثقافية في مصر ليس المقصود منها إرهاب مثقف أو إيقاف عمل فني، بل لها أهداف أخرى خفية خططوا لها جيدا في غياب اليسار والليبراليين عن وعيهم. ومثال على ذلك أننا شهدنا خلال الأسابيع الأخيرة فتاوى تحريم التظاهر بل والتجرؤ على الإفتاء بأن من يتظاهر "دمه مباح" لأنه ضد الاسلام، أو فتوى "تحليل أكل لحم الجن" وغيرها من الفتاوى التي تبدو أمامنا مجرد "هرطقة وبلاهات"، لا أيها السادة المقصود هو الأزهر كمؤسسة دينية معتدلة ولا تخضع لهم، وبما أنهم لا يجرؤن على غزوه باعتباره مؤسسة دينية يجلها المصريون، فهم يحاولون استفزاز الأزهر ودفعه إلى إصدار بيانات تنقض مثل تلك الفتاوى، وساعتها ينقلون المعركة إلى المساجد ووسائل الإعلام التي يسيطرون عليها والتي تملك تشويه شيخ الأزهر نفسه وتسقطه في نظر المجتمع، فيقفزون على تلك المؤسسة بادعاء تصحيح الأوضاع، وبذلك يبلغون هدفهم.. المعارك القادمة بين الإسلام السياسي والثقافة سوف تكون على هذا النحو، فانتبهوا.

فوهات البنادق باتجاهنا
الكاتب والشاعر حمدي عابدين أكد عدم تفاؤله بما هو قادم، وقال "هذه الذقون الفضائية التي تنشر نوعا من الإظلام الروحي والعقلي في محيط حياة الإنسان المصري، ووجوده المرير المتعب المضيق عليه في كل شيء، فلا تعليم ولا صحة ولا أمن ولا سكن آدمي، ولا شيء يذكر، هذا الإنسان المصري المترنح يحاط الآن، في الحقيقة منذ وقت مضي، بعمل دءوب لاستثمار عمليات تجهيله حتى يصبح وقودا وسندا وداعما لأي عمل أعمى يقوم به أي تجمع إسلامي أو حتي غير إسلامي، فهل يمكننا أن ننسي أن د. نصر حامد أبو زيد حكم عليه بالردة والتفريق عن زوجته واضطر للهجرة إلى هولاندا، هل ننسى أن نجيب محفوظ تعرض للاغتيال في زمن مبارك العسكري، هل ننسى د. فرج فودة، هل ننسى الأزمات التي تعرض لها الإبداع والمبدعون في الزمن نفسه".
ورأى أن أصحاب الفتوى من شيوخ الفضائيات ظلوا في حالة عدائية دائمة، لكن ما هو إبداعي أو جميل يظهر شاردا بعيدا عن ظلمة أقبيتهم وحجرية أرواحهم وبرودتها، هؤلاء الناس ظلوا في حالة استعداد دائم للانطلاق في حرب إلهاء وإشغال، جماعة المثقفين الذين يهبون للدفاع عن وجودهم الإبداعي وأنفسهم، والرأي العام البعيد تماما سوى عن لقمة عيشه، ما يجعل الأخير غير معني في الأصل بما يدور، ما يسهل الكثير من الأمور يخرج فيها المبدع خاسرا الكثير.
وقال إن "هذه الحروب السينمائية المخرجة جيدا من قوى خفية في الدولة والنظام هي السبيل الذي من خلفه يعمل النظام وحكومته على تمرير خطط تمكينه وتدعيم أركانه، ففيما ينشغل المجتمع في زاوية أخرى من العالم تتحرك السياسات وتحفر الخنادق في جسد المجتمع المصري ليتثبت النظام الساعي للخلود. هؤلاء المتحركون ضد الإبداع والمبدعين والمفكرين والفكر هم أنفسهم جنود مبارك، نقلوا فقط فوهات بنادقهم، ووضعوها في خدمة الإخوان ونظامهم الأكثر ملائمة لحروبهم، فهم شركاؤهم في الحرب على الإبداع، هل يعتقد بعضنا أن الإخوان لا يوجد لديهم أصحاب فتاوى وناشري غبار هنا وهناك؟".
وأكد عابدين على أن الوضع فقط اختلف قليلا عن زمن مبارك الذي لم يكن يريد سوي تأهيل البلاد لاستقبال ابنه، "فالإخوان هنا يريدون أن ينهكوا أكثر القوى التي يمكن أن تواجه مشروعهم في تحويل مصر إلي ولاية إخوانية، وهؤلاء المفكرون يري الإخوان أنهم العثرة الكأداء أمام مشروعهم التوسعي، الإخوان لا يفكرون فقط في محاربة الإبداع بل المبدعين الذين يشعلون جذوته، وقادرون على نقلها لحرق راية الجماعة الجديدة بطموحاتها القديمة الجديدة. من هنا لا يمكنني أن أتصور أن الجنود المجندين لإلهاء أكثر قوى المجتمع وعيا وحيوية يعملون بعيدا عن خطة سوف يكون من بين آثارها الجانبية التنكيل بهم، ومحاولات تعطيل الإنتاج الإبداعي باختلاف أنواعه، حتى يستتب الأمر لهم، ويضع الإخوان أولى لبنات دولتهم علي الأرض الصلبة".
ورأى عابدين أن السجون سوف تكون أكثر سوادا وعنفا وقهرا من أي نظام سابق، لأن هؤلاء وقتها سوف يكونون مسلحين بإرادة إلهية، لكن هل هناك فرصة لتجميع وتوحيد القوى لمواجهة المشروع التقييدي "العشماوي" هذا؟ بالطبع هناك فرصة وكبيرة، فقط أن يلتقي الناس على هدف واحد هو الوقوف في وجه أخونة الدولة، دعكم جميعا من أي أهداف أخرى، كل ما تطمحون إليه سوف يتحقق بعد ذلك، بدءا من القصاص للشهداء، حتى النهوض بمصر دولة معتمدة على العلم مقدرة له، ناهضة به، دون ذلك لن يكون هناك سوى دخان الفتاوى التي تنبعث هناك لتكفير وإحلال دم فنان هنا ومفكر هناك. * الهيمنة على مفاصل الدولة
وأكد الروائي محمد العشري أنه وارد جدا أن يحدث ويتعرض الليبراليون واليساريون والكتاب والمثقفون المعارضون للسجن والاعتقال، خاصة أن لم تظهر حتى الآن أي بوادر تطمئن الكثيرين الذين يسعون إلى استقلال القضاء وعدم هيمنة التيارات الإسلامية عليه، كذلك المفاهيم المغلوطة لدى عامة الشعب عن اليساريين والليبراليين واعتبارهم ملحدين ضد الدين وضد الله. وهو ما سيجعل سلطة الإسلاميين تزداد قوة مع مرور الوقت إن لم تكن هناك وقفات جادة وصلبة ضد تلك الهيمنة على مفاصل الدولة. وكذلك لدخول الكثير من الإسلاميين ممن عرف عنهم عدم الحيادية في لجان مثل حقوق الإنسان، ومثل الصحافة وهم بعيدون عن تلك الاهتمامات، وكأن الغرض هو مكافآتهم بشيء وأي شيء.
وقال العشري "التحدي الأكبر الآن هو ممن أوكلوا بكتابة الدستور للمحافظة على حرية الرأي والفكر والثقافة ضد أي قوى ظلامية تسعي لعودة الإنسان المصري إلى الخلف. لأنه فكرة أن يتدخل الرئيس لإلغاء حكم أو ما شابه هي مؤشر خطر. يجب أن يكون كل شيء محكوم بقانون يرضى عنه الجميع".
ورأت الكاتبة الروائية ميرال الطحاوي أن الإخوان يخسرون كثيرا من مصداقيتهم حينما يحولون المناصب العامة لوهبة لترضية مناصريهم، وتجاهلهم لأسماء كبيرة ناضلت لهذا الوطن. وقالت "أعتقد أن الثورة والدماء التي أريقت والتضحيات لم تكن لإبدال فصيل سياسي بآخر أو لاستبدال الحزب الوطني بشبيه معدوم الكفاءات، وعلى الرغم من أن الدولة لم تعدم الأسماء المحترمة والمؤهلة والوجوه الوطنية التي تستطيع أن تغيير".
وأضافت "ما نراه حتى الآن هو تكويش وتهميش وظهور ثنائيات عائلية مثل الأخوين عبدالمقصود والأخوين مكي وغيرهم. وهو ما دأبت عليه جماعة، تعمل تحت الأرض ولا تعترف إلا بالمولاة والولاء التامين، وتغليب الثقة على الكفاءة، وتهميش كل الفصائل التي قامت وقاومت من شرفاء هذا الوطن، هو الأمر الذي يعد خسارة فادحة للوطن، ولن يضير المثقفين تهميشهم، ولكن سيضير الحكومة والنظام الجديد عدالته المعطوبة وتحالفاته التي تحرم الوطن من خيرة أبنائه وإقصاء كل الكفاءات".
ولفتت الطحاوي إلى ما يقوم به فرق الإخوان الالكترونية من تبجح وتشويه لكل الشرفاء مثل الحملة المشتعلة ضد حمدين صباحي وضد الدستور ود. محمد البرادعي وضد الفخراني، وضد الجمعية الوطنية للتغيير وضد رفقاء النضال، وهذا في الحقيقة وراثة حقيقية لما تركه الحزب الوطني من فساد وتعبير غير أخلاقي عن المنافسة السياسية من قوم يدعون أنهم يعملون لله ورسوله.

زمن الإخوان
ورأت د. عزت عزت أنه لن يرتفع للنخب الثقافية والليبرالية صوت بعد الآن، وقالت "لقد حدث لي اليوم حادث مؤسف إذ هاجمني شاب من الخلف وخطف حقيبة يدي وبها خمسة آلاف جنيه و"موبايل سي ثري" وكثير من المتعلقات والأوراق الرسمية، وفي لمح البصر ركب موتوسيكل كان ينتظره على بعد خطوات، ولما صرخت وجريت خلفه حاول زبال مسكين تعويقهم بإلقاء شوله وحاول اعتراضهم فهاجموه بالمطاوي، وجريا بالطريقة المعتادة مهددين كل من يعترضهم وهم قلة على أية حال وخافوا وانكمشوا ما عدا الزبال المسكين".
وأضافت "تعرضت للتواء في كاحلي وفي كتفي وجزع في أصابع اليدين، ليست هذه القضية رغم فداحتها ماديا ونفسيا، لكني عندما توجهت من فوري للبنك لإيقاف حسابي وإلغاء الكرت وفي غمرة غضبي قلت لموظف البنك "أدي اللي خدناه من الإخوان وحكمهم .. بس"، وحدث ولا حرج عما حدث لي بعد أن سمعني عجوز ملتحٍ يقف في شباك مجاور، وما نالني من سب ودعاء واتهام بأني أتجنى وأستحق ما جرى لي، وأن (النسوان يتهدوا)، وأنا باغتاب ناس ما البلد طول عمرها بتتسرق"، ولما قلت له: أنا لا كلمك وأنت مالك. عينك ما تشوف إلا النور من الشتائم. وقلت له أنا خالي عمر التلمساني فاستشاط غضبه أكثر واتهمني بأن هذه ليست أخلاق ولا تربية الأستاذ التلمساني وأني قليلة الأدب، تخيل يسبني ويشتمني لمجرد أني اعترضت على تدخله في حديث لم أوجهه له أصلا وتخيل يحدث لي ذلك أنا الأستاذة الجامعية والكاتبة التي تشرف المكتبة العربية بدراساتها وبحوثها، و"تقولي هنقول رأينا حتى بينا وبين بعض ده إحنا هنشوف أيام سودة".

• سجن قانوني
وحذر الشاعر والصحفي زكريا رمزي من أن تيارات الإسلام السياسي عبر تاريخها الطويل لا تعترف بالديمقراطية والتعددية في الحكم بل يتطرف البعض منها إلى اعتبار الديمقراطية تساوى الكفر.
وقال: "لا جدال أن الديمقراطية والإعلام سيتعرضان إلى نكسات كبرى وإن بدأت في الظهور باكرا جدا جدا حيث لم تستقر بعد أقدامهم على بلاط الحكم، فإغلاق قناة فضائية ومصادرة جريدة وإلغاء لكثير من البرامج التي تنتقد حكم الإخوان لهو دليل واضح على مقدمات حديثي، لكن السؤال المطروح الآن لماذا يأتون بالأفعال نفسها التي كانوا ينتقدونها كانتقاد استمرار حالة الطوارئ في عهد مبارك والعمل على سن قانون للطوارئ الآن. الإجابة هي أن صولجان الحكم يختلف كثيرا عن دور الرعية، ومن يمسك به ينسيه مبادئه وكلامه، أخيرا سيتعرض الإعلاميون والصحفيون إلى موجة شديدة من الاضطهاد ولا سبيل أمامهم إلا الانضمام إلى صفوف السلطة أو الانضمام إلى معسكرات السجون، وكله بالقانون الحبس بالقانون والتنكيل بالقانون والإعدام بالقانون".

سوف تفتح السجون
في تصور الكاتبة والصحفية غادة عبدالمنعم لا بد من فصل السلطة المنتخبة أو المورثة من رئيس أو رئيس وزراء أو ملك ومجموعته الحزبية أو المكونة من الأقارب والأصدقاء ممن يسعى لتوليتهم مناصب كبرى وتسهيل إفادتهم من مال الدولة، لا بد من فصلهم عن الدولة تماما، ولا بد من سن القوانين والتأكيد على أعراف تؤدى لهذا الفصل وتمنع السلطة الحاكمة ـ التنفيذية – "الملك أو رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء" في أي دولة من توزيع المناصب العليا كما يحلو لها وإلزامها بمنحها لمن يستحق بل وإلزامها لمنحها لأفضل المستحقين من حيث كونه تقنيا متفوقا جدا أو إداريا ممتازا جدا وتبعا للمؤهلات التي يحتاجها المنصب. "هذا وحده يضمن رقي البلد كما يضمن الحد من الفساد في الدولة ويضمن الحد من استبداد السلطة".
وأضافت أنه "عندما يتمكن صاحب أعلى منصب في السلطة التنفيذية من السيطرة التامة على الدولة عبر تولية مساعدين ووزراء ورؤساء مؤسسات من المقربين له يسهل له أن يقوم بأي شيء وحتى أعلى درجات الاستبداد والديكتاتورية، وقد حذرت كثيرا من ترك الرئيس يولى مناصب الدولة لمقربين له ومدلسين ممن يسعون للتقرب للحاكم ويؤيدونه في الحق والباطل، وطالبت القوى المختلفة بالتصدي لذلك، لأن الاستيلاء على الدولة يحمل نية الاستبداد ويساعد عليه، ويمكن بعد ذلك أن يقوم رئيس الجمهورية بأي إجراء، وسوف يبرر ما يقوم به من إجراءات بكل ما يمكن تخيله من حجج وإدعاءات، خاصة وان الرئيس المصري الحالي له سوابق عدة في الادعاء والمحاباة، وأتصور أنه إذا انفرد التيار الليبرالي واليساري والكتاب والمثقفين بالمعارضة، فسوف تفتح السجون ويزج بهم فيها بلاشك طالما استتب الأمر للرئيس وشلته من الفسدة والمؤيدين.

دور المثقف الحقيقي
الكاتب الروائي د. السيد نجم أكد أن سؤال الثقافة سؤال الجوهري، باعتباره القديم الجديد مع كل الوقفات المركزية في حياة الشعوب. وقال "ربما هو نفسه السؤال الذي شغل كل الشعوب التي استطاعت أن ترسخ لقيمها وهويتها، سعيا لما هو أفضل، ولعله أصبح السؤال الأول الآن بعد ثورة 25 يناير، حيث لم تعد الثقافة بعيدة عن وسائل وأدوات الصراع بين التوجهات السياسية والإيديولوجيات عموما".
وأضاف محللا "عندما تبنت المجتمعات الأوروبية فكرة الدولة، تلك التي تتأسس على مبدأ تقسيم السلطات وفصل الديني عن السياسي، مع غلبة سلطة القانون، بدت تلك المجتمعات مختلفة، وهو ما يرجع إلى الملامح الثقافية وحدها. فالثقافة هي هوية أي مجتمع وتاريخه وخبرة أفراده، وهى القادرة وحدها على مواجهة السياسي القابل للتبديل وربما الزوال. ويضربون في ذلك المثل بالشعب اليوناني والروماني، حيث تعاقبت عليه ثلاث حقب سياسية عاش خلالها: تجربة المؤسسات الديمقراطية المدنية لأثينا، ثم عاش حينا هيمنة مؤسسة الكنيسة، ثم حديثا عرف مظاهر الديمقراطية المتعارف عليها".
ورأى نجم أن الثقافة في مجتمع ما، هي التعبير عن النوعية الحضارية والأخلاقية والذهنية ثم السلوكية. بالتالي يصعب تغيير الملامح الجذرية للثقافة إلا بفاعل خارجي، ولا يتم بفعل تناقضاته الداخلية وضرورات تطوره، ومثال ذلك نموذج الهنود الحمر بأميركا، لذا فان مسئولية المثقف هي تنبيه الجماعة/المجتمع أو تذكيرها بهذه الحقيقة من خلال مؤسسات الإعلام والتعليم والتربية والقانون والأخلاق.
وتساءل نجم عن إشكالية الثقافة والمثقف بعد ثورة 25 يناير، وقال "لقد تبلورت المرحلة الأولى من الثورة منذ يوم اشتعالها حتى انتخاب رئيسا للجمهورية، تبلورت على نحو مشهد سياسي أهم ما يتسم به، سطوع قوتين على الساحة السياسية: قوة ترفع شعار (أسلمة التوجه السياسي)، وقوة تثق في قوتها الذاتية (القوة العنيفة المعتمدة على البعد العسكري والاقتصادي لديها). والقوتان أحادية التوجه والتفكير، وأيضا يفتقران إلى الحنكة السياسية، ربما بسبب عزل الأولى عن المجتمع السياسي خلال الفترة السابقة، وأيضا للطبيعة الخاصة للقوة الثانية".
وأضاف "جاءت المرحلة التالية، الآن، بعد عزل وإبعاد عناصر المجلس العسكري عن هيمنة إصدار القرار، وبقيت القوة السياسية الحاكمة وحدها، من هنا تبدأ الإشكالية الثقافية، أما وقد برزت ملامح سياسية للقبض على توجهات وسائل الإعلام، وهو ما تمثل في جزء منه بإعادة ترتيب الأوراق الخاصة برؤوس أو قيادات ذلك القطاع، هنا قد يبدو الأمر طبيعيا مع كل التغييرات السياسية المجتمعية. إلا أن الظاهرة اللافتة تكمن في تغليب عناصر يبدو بعضها أقل حرفية وخبرة أو حنكة إعلامية، لكنها ممن توصف بـ (أهل الثقة). وهنا يكمن دور المثقف الحقيقي الواعي بعناصر ثقافة أمته، بعيدا عن البعد السياسي الزائل حتما، في زمن قريب أو بعيد، هكذا الحال مع كل الأمم التي سعت للنمو والتقدم، ذلك تحت مظلة الديمقراطية، التي هي من مطالب الثورة".

ما سبق يضع المثقف، أمام مسؤولياته تجاه مجتمعه، عبر السؤال ماذا أفعل؟ يرى نجم أنه ربما الإجابة لا تحتمل أكثر من إجابة واحدة: "الحفاظ على الهوية". ذلك من خلال البحث عن عناصر القوة في تراثنا الثقافي، عبر قراءة نقدية شاملة، مع خطوة موازية لها هي: محاولة خلق واقع جديد للثقافة، وهو الذي لا يتحقق الآن إلا بالسيطرة على التقنية الرقمية الفاعلة وشبكة الانترنت، كبديل مؤقت عما تم إجرائيا في الإعلام وخصوصا الورقي منه".
ولفت إلى أن تجارب الشعوب التي تبنت هذا المدخل، أنجزت ما يشبه المعجزة، كما في ماليزيا وكوريا الجنوبية وغيرهما. سواء كان ذلك على مستوى العمل السياسي أو الاقتصادي أو المجتمعي، "إننا نعيش عصر صناعة الثقافة، وعلى المثقف المصري التفاعل معه. قد تتشعب القضية، ولا حيلة أمامنا، إلا أن نستوعب المتغيرات، وعلى المثقف توجيه الرأي العام وأصحاب المقدرات السياسية الجديدة، وبالتحديد هذا هو دور المثقف وليس السياسي الذي يأتي دوره تاليا وتنفيذا لرؤية المثقف".

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى