هوايات أهل الكتابة .. بعيدا عن الكتابة (لنا عبدالرحمن)

 

لنا عبدالرحمن


إذا كان الإبداع صفة إنسانية تجدها في الأدب والرياضة والعلوم وغير ذلك، وكل له ميوله الإبداعية لكن هذا لا يعني أن المبدع في مجال الكتابة والأدب ليس مبدعاً في مجالات أخرى، بل من الممكن أن يكون للكاتب هواية معينة تأسر وقته واهتمامه. فالإبداع في مجال الأدب في نظر الكثيرين لا يجتمع مع الإبداع الرياضي، إلا أن آخرين يرون الكتابة شكلا من أشكال الرياضيات النفسية، التي تحتاج إلى قدر من التأمل، ورغم ذلك فإن الكتّاب والمبدعين مارسوا أشكالا أخرى من الرياضات والهوايات، بعضها يعتمد على الذهن والبعض الآخر يعتمد على الحركة.
رياضات وألعاب المقهى هي القاسم الأكبر لدى معظم الكتاب والمبدعين في جيل الستينيات، فعلى مقهى "سوق الحميدية" القديم بمنطقة باب اللوق بقلب القاهرة، كان هناك مشهد ثابت، مازال يتذكره معظم رواد المقهى والمحلات التجارية المجاورة، حيث كان يجلس الشاعر الراحل أمل دنقل وحوله فيما يشبه الحلقة عدد كبير من الكتاب والفنانين، يلعبون الطاولة، وكان أمل دنقل هو اللاعب الأكثر مهارة، حيث يهزم كل من يلعب معه واحداً بعد الآخر، ومن أكثر الذين تعرضوا للهزيمة على يده، الراحل يحيى الطاهر عبدالله.
أما الأديب العالمي نجيب محفوظ، فلم يكن يمارس أي لعبة من ألعاب المقهى، رغم أنه احترف الجلوس على المقاهي لممارسة رياضته الخاصة في التأمل ورصد الواقع بداية من مقهى "الفيشاوي" الشهير بحي الحسين ومرورا بمقهي قشتمر وكازينو أوبرا وريش ثم مقهى قصر النيل ثم جلسته الخاصة مع مجموعة الحرافيش في حي المعادي، فكان يعتبر هواية الجلوس على المقهى وسيلته الأولى للتعرف على الحياة والنماذج البشرية المختلفة ، إلا أن رياضة المشي صباح كل يوم كانت الرياضة البدنية الوحيدة التي كان يحرص عليها منذ شبابه.
أما الكاتب الراحل ثروت أباظة فكانت الطاولة هي اللعبة المفضلة التي يحرص عليها في أوقات فراغه، وغالباً ما كان يمارس هذه اللعبة مع أولاده في المنزل، وهم "حريفة" جداً فيها، ورغم ذلك فأحياناً ما كان يتغلب عليهم، كذلك كان الراحل يحرص دائمآً على ممارسة رياضة المشي، والتي كانت تتوافق مع ظروفه الصحية، وذلك بناء على نصيحة الأطباء.

• قلب هجوم

يحكي الروائي إبراهيم عبد المجيد عن هوايته قائلا: زمان كنت حريف في لعب "الكرة الشراب" في الشارع وكنت من أبرز من يشغل مركز قلب الهجوم في الدورات والمباريات في حواري مدينة الإسكندرية، وبعد ذلك حاولت أن ألعب "كرة السلة" وأستفيد من طولي وذلك بناء على رغبة المدرسين في المدرسة.
ويضيف: فشلت في كرة السلة فتحولت إلى ممارسة الشطرنج والطاولة واكتفيت من الكرة بمشاهدة المباريات، وتشجيع نادي الاتحاد السكندري، ومنتخب مصر، ولكنني أشعر بالندم لأنني لم أنجح كلاعب سلة رغم إمكانياتي البدنية ويبدو أنني فشلت وقتها لأنني لعبت كرة السلة بنفس الطريقة التي كنت ألعب بها الكرة الشراب.
أما الروائي صنع الله إبراهيم فيمارس الرياضة في المواسم فقط عندما يكون في "المصيف" ويكتفي من الرياضة بالشطرنج والطاولة وأحياناً ما يلعب الشطرنج والطاولة في المنزل مع ابن شقيقته، هذا ما تؤكده زوجته، والتي لا تشاركه في هذه الألعاب، لأنها تفضل ألعاب الحركة والرياضة التي تقوي الجسم، بينما يجد صنع الله إبراهيم تسليته الأولى في قراءة الروايات البوليسية.
المترجم مصطفى محمود أيضا له علاقة وطيدة مع لعبة "كرة القدم" التي ظل يمارسها حتى أصابته مرتين في ساقه، ورغم هذا لم يمتنع عنها، يقول: "أنتمي للجيل الذي لم يتسن له ممارسة هوايات كثيرة، كما يحدث مع الأجيال الحالية، كانت لعبة "كرة القدم" هي الأكثر انتشارا في زمننا، لذا أغرمت بها، وظللت أمارسها بشغف كبير، واعتبرها هوايتي المفضلة.

• غناء ورسم وكلمات متقاطعة

ترى الكاتبة الشابة سمر نور أن الهوايه الوحيدة المستمرة معها منذ الطفولة هي هواية المشى. تقول: "وزاد عليها ممارسة التمارين الرياضية بشكل شبه منتظم، إلى جانب القراءة والموسيقى والسينما، لكن هناك هوايات تدخل في الحياة وتنتهي في مرحلة ما، في طفولتي مثلا كنت أعزف على الماندولين، ولما كبرت كان لي أكتر من محاوله في تعلم العزف على الكمان لكن الوقت لم يسمح ولم أستمر بها، وظلت هواية مؤجلة، أحيانا أشعر اني امارس كل عمل في حياتي بروح الهواية، حتى الكتابة والصحافة، روح تبحث عن الاستمتاع بما تفعله قبل القاريء.
يقول الكاتب الشاب بهاء عبدالمجيد: أحب السباحة وأحب البحر وأشعر أنها أكثر الرياضات التي تجعلني هادئا وتعطينى فرصة للتأمل والتركيز أشعر انه لا توجد جاذبية وأنني خفيف ليس كالفلك ولكن كالشراع يحركني الهواء، أعتقد أنها هواية رومانتيكة ولا تحتاج للعنف. أحب أيضا لعبة كمال الاجسام فالجسد عندي في غاية الأهمية وأشعر أن عظمة الخالق في ابداعه في تكوين البشر، وهذه الرياضة تجعل الجسد البشري مكتملا عند الرجل، وكوني كاتبا وأديبا يهمني التكوين الجسدي عندي وعند الآخرين فهو الوعاء الخارجي للشخصية، فتمثال ابولو وأوزوريس في المتحف البريطاني دليل على أهمية الجسد لدى القدماء وأيضا عند الفراعنة. أما هوايتي المفضلة هي الغناء والاستماع الى الموسيقى بكل انواعها منها الكلاسيكي ومنها الشعبي من بتهوفن إلى خضرة محمد خضر، من عبدالوهاب الى أنغام وآمال ماهر وفيروز وميادة الحناوى، والشيخ ياسين التهامي وأحمد عدوية وسيد درويش وصباح فخري، كلها خبرات تصب في خبرتك كأديب ومبدع متواصل مع البشر والحياة.
أما الروائية الشابة رباب كساب صاحبة رواية "فستان فرح"، فتعتبر أن القراءة فقط هوايتها المفضلة، ولا تمارس أي هواية أخرى فيما عدا حل الكلمات المتقاطعة. تقول: "لازلت أقرأ كهاوية وقتما أريد وحسبما يأتي مزاجي لا أخصص وقتا يوميا في حالة إجبار لروحي عليها حتى لا أمقتها فكل ما هو بالإجبار أو ضمن برنامج يومي أكرهه، فهي ليست كمواعيد نومي وطعامي. أما الكلمات المتقاطعة فكنت أحلها عندًا في أبي لأفسد عليه متعته، فكان إما يشتري جريدة أخرى أو يسبقني لحلها فأسطرها في ورقة خارجية علمني من خلالها المفردات، وكان يسألني فيها، هذا غير كثير من المعلومات الأخرى".
ويعترف الروائي وحيد الطويلة الذي صدرت له منذ أيام رواية "باب الليل"، بأن الغناء يأسر روحه منذ الصغر، وأن الغناء هوايته التي استمرت معه ومازالت حتى الآن، يقول "أنا مغنٍ، مغن جوال برحلتي من المواويل الشعبية حتى نعيمة سميح في المغرب، وأغان موريتانية وجزائرية ومغربية مخفوقة بايقاعات البربر وايقاعات إفريقية.
ما زلت أحلم أن أغني مع المغني المالي حبيب كالي، وتمنيت أن أغني مع الشعبي التونسي اسماعيل الحطاب، لكنني سأعمل فعلاً لأن أغني مع أخي الفنان أحمد الطويلة في تنويعاته الصوفية الباهرة، أحلم بهذا اليوم الذي نغني فيه معاً في شوارع مدينة فاس حيث مهرجان الموسيقي والأغاني الروحية، نرتجل الغناء من مكان بعيد داخلنا مفعماً بندي اللحظة وحنين الأيام، وبصوت عالٍ".
أما الروائية الشابة نهى محمود لها هواية غريبة وهي جمع الصناديق، تقول: أحب أجمع الصناديق لأحتفظ فيها بالعالم حين تخونني ذاكرتي .. ربما بدأ هوسي بالصناديق مبكرا منذ أيام طفولتي عندما "كنت أدرس مسرحية تاجر البندقية لشكسبير، وأعجبتني فكرة الصناديق الثلاثة التي وضع والد الأميرة شرط الزواج بها أن يختار الفارس الصندوق الصحيح. لكل صندوق لافتة وعلامة يقرأها ثم يختار، راقتني الفكرة كثيرا. الصناديق التي تحمل الغموض والمفاجآت، التي نخبئ فيها القتلى والأسرار ونرميها في البحر في قصص ألف ليلة وليلة، الصناديق التي نجمع فيها ذكرياتنا ومعها الدموع والألم والإبتسامات ونوصد بابا من تاريخنا، يظل مرهونا بفتح الصندوق ليعود ويتجسد من العدم. أحب الصناديق المربعة المصنوعه من الكرتون التي نضع فيها الهدايا، وأحب صناديق أحذية الباليه، وأحب الصناديق الخشبية المزخرفة أو البسيطة، أضع الحلي في صندوق من الصدف يبهجني ملمسه كل صباح وأنا أنتقى الفضة التي سأرتديها.
وأضافت نهى: أحب الصناديق وأجمعها، وأذهب للمحلات للفرجة عليها وألمسها برفق من يكتشف عالما سحريا، وأفكر مع كل صندوق اضيفه لمجموعتي عما سيخفيه داخله، أخيرا أهدتني صديقة مقربة صندوقا على شكل كتاب بإمكاني إخفائه في المكتبة وسط الكتب وحشوه بالمزيد من الأسرار، في البيت وضعته وسط الكتب وابتسمت له، وصرت كلما مررت على ذلك الرف لمسته برقة من يعرف أن الصناديق والاسرار ولع يثقل روحي المشغولة بالبوح والإخفاء على حد سواء.
أما الكاتبة رانيا خلاف فتحكي عن علاقتها بهواية الرسم قائلة: هوايتي الأولى هي الرسم – بدأت في مرحلة الجامعة وبعد أن انتهيت من دراستي في كلية الإعلام عام 1990 التحقت بالدراسات الحرة في كلية الفنون الجميلة في الزمالك لعامين متواليين – كنت وقتها – في النصف الأول من التسعينيات – أرسم الكاريكاتير وأحاول نشره في بعض المجلات مثل صباح الخير وكانت رسوماتي محل إعجاب لفنانين كاريكاتير كبار مثل الرائع محمد حاكم – ولكني للأسف لم أواصل بسبب انشغالي في عملي كصحافية في الأهرام.
منذ عامين فقط راودني الحنين ثانية للوحة والألوان، عدت مرة أخرى لعشقي الكبير للوحة البيضاء وأقلام الرصاص والألوان وأصابعي المرحة وهي تلهو على سطح اللوحة التي تشعرني دوما بحرية لا مثيل لها لا تقارن باستمتاعي حينما أشرع في الكتابة الأدبية. الرسم استغراق رائع في عالم خيالي تماماً تخلق عالماً بألوانه وتفاصيله تصادقه يوما بعد يوم وتمرح وتنفعل وتغضب معه. إنه يجعلني ببساطة أشعر أنني أكثر جنوناً و ابتهاجاً و تحدياً للحياة وروتينها الصارم. (خدمة وكالة الصحافة العربية)

ميدل ايست أونلاين

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى