كيف نتعلم أم ما ذا نتعلم ؟

الطريف والسقيم في حقول التربية و التعليم في بلادي (سوريا) هو التركيز على تغيير المناهج الرسمية في المواد التعليمية و إبراز هذا النشاط في أجهزة الإعلام على أنه البشارة العظمى المرتقبة منذ سنين لإنقاذ المستوى المتدني من الثقافة و التعليم في البلاد العربية عموما.
هذا ما شاهدته مؤخرا على شاشة الفضائية الحكومية و قرأته في صفحفنا مما أضاف من جديد حلقات جديدة مريضة من مسلسل شبيه ب” باب الحارة ” عن التدهور العام في أحوالنا المصرة على عروضها المتخلفة و المأساوية دونما جدوى تذكر.

لا يا حضرات المخلصين ، و المراوغين ، و العاجزين …يجب أن نفهم أخيرا أن تغيير المناهج ليس هو العلاج المنقذ من مرض السرطان الحضاري منذ أجيال مديدة .
أقول هذا ، و يقوله معي الكثيرون ممن مارسوا مهنة التعليم في مدارسنا و جامعاتنا ، و أنا واحد منهم . أربعون عاما و نيف بالتمام و التعب و المتعة قضيتها في إكتشاف الحقيقة الموجعة أن كل جهودنا لإنقاذ الأجيال الصاعدة من “البصم ” في تلقي الدروس و حفظها كما يصنع معظم المعلمين ضائعة مما ألغي بالتالي قدرة الطلاب على التفكير و استخدام عقولهم و حولهم إلى ألات تسجيل تسجل الدرس و تحفظها لتكررها حرفيا في الإمتحانات ، و هكذا يمكن القول أن أساليب التعليم قائمة على إلغاء ملكة التفكير و إستخدام الوعي الفردي في اقتناص المعرفة و تخزينها و خضوع المعلمين أنفسهم لهذه الأساليب لأن الجميع كان يطالب بها لسهولتها أدى كل ذلك إلى تخريج طلاب عاجزين عن الإبتكار و الإختراع إلا عددا نادرا منهم

لا ياحضرات .. لسنا بحاجة فقط أن نقرر ماذا يجب أن نتعلم في مدارسنا و إنما كيف يجب أن نتعلم ، و كيف نخفف من كثافة عدد الطلاب في الصف الواحد مما يعيق تواصل المعلم مع جميع طلاب الصف و كيف نؤمن المختبرات العلمية القادرة على تقديم الأجهزة و الألأت الحديثة لكل طالب أولإثنين منهم على الأكثر و في قاعات مجهزة بكل ما يلزم .

هكذا إستطاع القائد التاريخي لماليزيا “مهاتير محمد” أن يفعل لنقل “ماليزيا” من دولة آسيوية متخلفة إلى دولة صناعية متقدمة قادرة على المنافسة حين غير أسلوب التعليم و ليس مواد التعليم فقط ، أرجوكم يا سادة… ليس بتغيير المناهج نحصل على نهضة علمية أدبية فقط بل أن نربط ذلك بتغيير أساليب التعليم القائمة على الحفظ الحرفي أو “البصم” كما يقال في اللغة العامية بأساليب تنشط ملكة التفكير و استخدام العقل الفردي و حرية التفكير و التعبير لدى المواطنين عموما …

هكذا تصنع الأوطان و تنهض البلدان أيها السادة المحترمون جدا !!…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى