فن و ثقافة

كتب الحوار التاريخي : بين الشيخ كفتارو وخالد بكداش وجمال الأتاسي !

في كتب الحوار التاريخي انتبهتُ إلى أهمية ما أنجزتُه من كتب الحوارات[1] . التي نشرتُها في التسعينات من القرن الماضي إلى مجموعة مسائل أساسية، تتعلق بمهنة (الصحافة) التي أشتغل فيها.

وأهم تلك المسائل افتقار سورية إلى حوار صحفي حقيقي جريء يقوم على أسس صحيحة. حيث تراجعت الحوارات الجيدة. وتفشت الحوارات الفقيرة. ولم تعد الصحافة نافذة يومية على الحوار الذي يؤسس لرؤية واضحة ويثير جدلاً من حوله بسبب ظروف معروفة رافقت الحياة الصحفية وقتها.

حوار مع الزعيم السياسي السوري خالد بكداش

وجاءتني الفرصة الأولى من خلال الحوار مع الزعيم السياسي السوري خالد بكداش. وهو مؤسس الحركة الشيوعية في سورية.

ولعب الدكتور قدري جميل دوراً كبيراً في هذه الفرصة. وتلقفت الحوار صحيفتا الحياة الصادرة في لندن. والسفير اللبنانية، فنشرت الحياة مقاطع منه، ونشرت السفير نصه كاملاً .

ومن المسائل الأخرى التي أثارت انتباهي مسألة النشر. فعندما تجري مثل هذه الحوارات عليك أن تبحث أولاً عن آلية النشر.

فليس ثمة صحيفة محلية قوية تتبنى نشر الحوار وتحميه، ومسألة حقوق النشر التي ضاعت كاملة في كتابي عن نايف حواتمة فجعلتني المطالبة بها عرضة للتهديد غير المباشر.

عن التجربة المهنية في الحوار الصحفي

في تجربتي المهنية، تبنيتُ موقفاً مهنيا فحواه أن أي حوار يجريه الصحفي ولا يحقق شروط نشر جيدة، هو حوار ميت. وعندما يحاول الصحفي إنقاذه من الموت يسعى دائما للحديث عنه في جلساته. فإذا به يجعله فاقداً للمصداقية.

وقد أجريت حوارات كثيرة لم تنشر، فماتت، وربما تجاوزها الزمن، لأنها لم تكن تحكي عن التاريخ والشخصية نفسها التي يجري الحوار معها ، أو لأن موضوعها لم يكن عميقاً ومتماسكاَ.

واجهتني هذه المسألة. فأرقتني، فغالبا ما ترفض الصحف نشر حوارات لا تناسب سياستها. أو لا تخاطر بجرأة كاتبها،  أو ربما تريد من صاحب هذه الحوارات أن يكون بسوية عالية من الشهرة. ليصبح اسمه هو المعيار الذي يغطي على نوعية المادة المنشورة ويحمي من مخاطرها إذا كانت موجودة.

وصلت إلى حل. وهو نشر الحوار الذي أجريه في كتاب منفصل. فإذا بهذا الحل يحقق نجاحاً كبيراً. لأنه اعتمد على الأسس الحقيقية لفن الحوار، وسعت الصحف لنشر فصول الحوار أو انتقت منها .

 أهمية الشخصيات المنتقاة في  هذا الحوار التاريخي

وفي أهمية الشخصيات المنتقاة، اعتمدت ثلاثة أسس لتحديد الشخصية التي أطلب منها الحوار:

الأول أن تكون شخصية إشكالية من أي نوع كانت سياسية أو دينية أو ثقافية أو تجارية.

والثاني أن تقبل الحوار بطريقتي وهي طريقة الأخذ والرد دون أي حاجز.

والثالث ، أن يتم النشر بكتاب !

الحوار التاريخي مع خالد بكداش

بدأت المحاولة مع خالد بكداش، وتبنى الدكتور قدري جميل، وكان من قياديي الحزب الشيوعي السوري وقتها. إضافة إلى أنه مع الدكتور عمار بكداش كانا الذراعين القويين لخالد بكداش.

طرحت فكرت وناقشنا شروط العمل، وتنازلت عن جزء من حقي المهني. وهو أن يقرأ الطرف الآخر نص الحوار قبل نشره ، وإذا أراد التدخل، فيتم ذلك اتفاقاً . ونجحت الطريقة، وأنجزت الكتاب/ الحوار بوقت قياسي.

فأضفت إلى المكتبة السياسية السورية أول كتاب من نوعه بعنوان (خالد بكداش يتحدث).  وتلقائيا يجد القارئ فيه إجابات على قضايا وتساؤلات تاريخية وراهنة ومحاولة لكشف أسرار غير معروفة عن أزمات الحزب الشيوعي وشخصياته ناهيك عن تسليط الضوء بأسلوب خاص على شخصية خالد بكداش نفسه .

و مع الدكتور جمال الأتاسي

ما أن نجح الكتاب الأول، حتى وجدت نفسي أتجه إلى الدكتور جمال الأتاسي ، وساعدني في ذلك الصديق الدكتور منير البيطار عميد كلية الطب الأسبق ، وابن عم رئيس الوزراء الأسبق صلاح الدين البيطار.

لكن ترّيث الدكتور الأتاسي جعلني أتجه إلى الشخصية الثانية المناقضة لخياري الأول، وكانت شخصية دينية ، هي شخصية الشيخ أحمد كفتارو المفتي العام للجمهورية، وزعيم الطريقة النقشبندية .

وكان الدكتور عمار بكداش والدكتور قدري جميل أول المحتجين عندما شاهداني في معرض للكتاب، عرض فيه كتاب الشيخ كفتارو، وكان جوابي بسيطا، حيث قلت لهما :

ــ اقرأوا أول عبارة في الكتاب تجدون جواباً واضحاً على احتجاجكما!

ولم يفتحا الموضوع معي بعدها ، لأن تلك العبارة التي أرشدتهما إليها تقول :

ــ خالد بكداش هو الذي أعطاني طرف الخيط !

______________________

[1] تضمنت تلك الكتب حوارات هامة مع كل من زعيم الحركة الشيوعية في سورية خالد بكداش ، وزعيم الحركة الناصرية في سورية الدكتور جمال الأتاسي، وزعيم التيار الديني النقشبندي الشيخ أحمد كفتارو، إضافة إلى حوار لم ير النور مع الصناعي المعارض رياض سيف، وكتاب مع المسؤول الفلسطيني عن الجبهه الديمقراطية نايف حواتمة ..  

يتبع ..

خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى