«الحنين إلى الاستبداد» لقبلان عصر دولة الخلافة انتهى (صقر أبو فخر)

 

صقر أبو فخر

سقطت الخلافة الإسلامية نهائـياً في سنة 1924، ومنذ ذلك الوقت وفكرة إعادة إحيـاء الخلافة تقوم وتقعد، تخبو وتشتعل، تترنح وتسقط، حتى أن «جماعة الإخوان المسلمين» و«حزب التحرير» جعلا من الخلافة ركناً أساسياً في البنيان الفكري والسياسي لهذين الحزبين اللذين لم تتعرف إليهما المجتمعات العــربية إلا من خلال العنف والتعصب والكراهية، ولم يقدما في ميدان الفكر السياسي إلا مطارحات ساذجة وجاهلة لا تصلح لعصرنا على الإطلاق مثل قضايا الردة وأهل الذمة والجزية ودار الإسلام ودار الكفر… الخ. ثم من قال إن دولة الخـلافة أفضل من الدولة الديموقراطية الحـديثة؟ بالتأكيد لا يوجد أي برهان على ذلك؛ لأن التــاريخ والوقــائع التاريخية تبرهن عن أن الدول الإسلامية كانت كلها دول استبداد، وكانت دائماً الأسـوأ في مجال الحريات وحقوق الإنسان ومكافحة الرق واحترام الفرد وعدم اضطهاد الديانات الأخرى.
في هذا السياق ينشر حسن قبلان كتابه الممتع «الحنين إلى الاستبداد» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت: 2014) ليخوض في هذه المسألة من باب التاريخ، فيعرض لسير الخلفاء وشؤون الخلافة منذ يزيد بــن معاوية حتى إبراهيم بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك، صعوداً إلى خلفاء بني عثمان. وهذا الكتاب، في جوهره، عرض تاريخي لأحوال الحريات في دول الخلافة الإسلامية، وللنهايات الفظيعة لبعض الخلفاء، علاوة على التذكير بالعنف والتعذيب والقتل والحرق والتعليق وما يندرج في صنوف العذاب المختلفـة التي نكــلت بالمواطــن المسلم في «دولة الإسلام» المفترضة. غير أن كتاب «الحنين إلى الاستبداد» ليس مجرد عرض توثيقي لهذا الجانب من الحياة في ظل دول الخلافة، بل هو مطارحة سياسية في موضــوع الخلافة نفسها، وما تثيره من مجادلات فكرية متجددة وقديمة.
[ [ [
السؤال الآن: هل كان النبي محمد يحكم الناس أم يحكم بين الناس؟ أي هل كان نبياً حاكماً أم نبياً يقضي بين الناس؟ ومهما تفاوتت الأجوبة، فليس ثمة دولة إسلامية واحدة، ســائدة أم بائدة، قدمت طرازاً جذاباً للعدالة والحرية حتى يمكن القياس عليه أو التبشير به. ثم ما هي هذه الدولة الراشدة التي يقرعون رؤوســنا بهـا في كل يوم، والتي قتل فيها ثلاثة خلـفاء من أربعة، مع أن الطبري يضيف إن أبا بكر تـوفي مسموماً من أكلة رز، فيكون الموت قد طال أربعة من أربعة؟ وإذا استشهدنا بحكم الخلفاء الراشدين كنموذج للحكم الرشيد، فالتاريخ الإسـلامي يزودنا بعشرات الخلفاء غير الراشدين، بل خلفاء قتلة وسفاحين، وهذا بالضبط ما يكشفه هذا الكتاب.
دولة الخلافة تنتمي إلى عصر انتهى، واستعادتها في عصرنا الراهن نوع من العودة المرضية إلى الماضي. ودولة الخلافة، عدا عن خبالها واستحالتها، هي دولة قمعية من بابها إلى محرابها لأنها تقوم على الاستبداد. جراء اجتماع السلطات كلها بين يدي الخليفة أو السلطان أو الحاكم، وتقوم على رجال الدين أيضاً الذين يحددون من هي الفرقة الناجيــة ومن هــو المسلم ومن هو الكافر، بل إنها دولة إكراه لا تحترم مبدأ المساواة بين المواطنين في المجتمعات التعددية.
[ [ [
إن الحكم يفترض سؤالاً بسيــطاً هو: من يحكم؟ وكيف يحكم؟ من يحــكم؟… هذا ما تقرره الانتخابات. أما كيف يحــكم؟ فبموجب العقد الاجتماعي والدستور والقوانين المتغيرة لا بموجب التشريعات التي لا تتغـير. أما الدعوة اليوم إلى الخلافة فهي تجعل غــير المسلم في بلادنا (وحتى المسلمين من «غير الفـرقة الناجية»!) يضع يده إما على قلبه أو على مسدسه، فهو لا يريد أن يعيش ذمـياً في بلاده، وهو ما أراد هذا الكتاب أن يرفع الصوت تحذيراً منه.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى