«الروائيّ يقرع طبول الحرب» لهيثم حسين

 

يسعى الناقد والروائيّ السوريّ هيثم حسين في كتابه «الروائيّ يقرع طبول الحرب» (دار ورق للنشر – دبي، 2014) إلى قراءة روايات «حفرت» في الحروب، سواء في الشرق أو الغرب، وقدّمت شهادات ووثائق عن المراحل التي سعت إلى تأريخها، وصدّرت العبر ممزوجة بكثير من الآلام والفجائع.
يتألّف الكتاب من ستّة فصول هي: الحرب: ثقوب في الأرواح/ الروائيّ محارباً، المحارب روائيّاً – الحرب الأفغانيّة: الجريمة والعقاب – أفريقيا الدامية: القلب المحترب – الحرب: العِبرة والعَبْرة/ الروائيّ العربيّ وممهّدات الحرب – الروائيّ مصوّراً تشويه الأطفال في الحروب – إدانة الحروب الأهليّة روائيّاً.
وممّا جاء في المقدّمة: «قيل الكثير في «أدب الحرب»، وسيقال الكثير لاحقاً، ذلك أنّ عالم الحرب متجدّد بعدّته وعتاده، بقصصه العجيبة، بجنونه ووحشيّته، بكلّ ما يتناهبه من تناقضات لا تنتهي. حين يوصف الروائيّ بأنّه يقرع طبول الحرب، يتبادر إلى الذهن النفير العام الذي لا بدّ من الاحتياط له، وهو بالفعل كذلك، ذلك أنّ الروائيّ يقرع طبول الحرب بقلمه وكتابته وتصويره لعوالم الحرب، يقرع الطبول ليوقف القرع الذي يدمي القلوب ويفتّت البشر، يقرع لينذر ويبشّر في الوقت نفسه.
وربّما يكون من باب تلغيم اللغة ومراوغتها أنْ يتمّ توصيف الحرب بأنّها «فنّ»، أو لها «فنونها» الخاصّة بها. ظلّ دونكيشوت يحارب طواحين الهواء، مهجوساً بفكرة المحاربة، وواجبه المقدّس إزاء النبل المنشود، واظب على حربه الضروس التي ربّما ظهر فيها على أنّه الواهم الأكبر، ودأب على إعادة المحاربة مراراً، كان يحارب ظلالاً وأشباحاً وسراباً، لكنّه على رغم ذلك لم ييْأس من نشدان حلمه – وهمه، ولم يأبه لسخريات الآخرين. فكرة الحرب طغت عليه وتملّكت كيانه، وتابعه الساذج سانشو لم يتبعه عن إيمان به وبرسالته، بل تبعه كأداء واجب، لذلك كان دونكيشوت وحيداً في محاربته طواحين الهواء التي ظلّت تطحن البشر منذ فجر البشريّة وستظلّ تستكمل دورها حتّى الأبد. فكرة الطحن تستحضر مع الحرب التي أرادها ثرفانتس لدونكيشوت النبيل الواهم بإنقاذ البشريّة من كوارثها، والطحن البشريّ يتحوّل إلى رماد الحرب ووقودها في آن.
وعى ثرفانتس عبثيّة محاربة طواحين الهواء، لكنّه أبقى دونكيشوت دائباً على محاولة تبديد الشرّ، وإن كان بالوهم، وهو بذلك يركّز على وجوب المحاربة، وإن كانت بوهم منطلق من نوايا صادقة، لأنّ أيّة فكرة تنبثق من حلم قد يبدو غريباً في بدايته، لكنّه يتّخذ طريقه إلى التبلور والتجسّد عبر المحاولة تلو المحاولة، وحلم دونكيشوت كذلك، ما كان ليتبلور لولا دأبه على المحاربة تلو المحاربة، مدفوعاً بنبله وخيباته.
الروائيّ يقرع طبول الحرب منذ ثرفانتس الذي أبقى دونكيشوت قارع طبول الحرب والراقص الوحيد على القرع في الوقت نفسه، أراد أن ينقل السخريّة الممزوجة بالمرارة والأسف على حلقات الرقص – حلبات القتال، وكانت العبرة التي حرص ثرفانتس على إيصالها وتكريسها إيقاف نزيف الدماء المصاحب للحرب، عبر نزف المخيّلة، لتكون الحرب المتخيّلة بشرورها نائبة مناب الحقيقيّة القاتلة المدمّرة.
الحرب لعنة من دون شكّ، فهل يمكن استلهام بعض «مزايا» اللعنة هذه…؟
ربّما يفتتن الروائيّ بالحرب، ينبش عوالمها وتداعياتها ودوائرها الطاحنة ودوّاماتها العنيفة، وربّما تشكّل المِحن مواضيع أثيرة للمقاربة والتناول والمعالجة… احتمالات كثيرة تحرّض الروائيّين لخوض مغامرة الكتابة والمعاينة. الروائيّ بحساسيّته وتدبّره، يرسل رسائله إلى البشريّة جمعاء، يوجب إيقاف الحرب، وهو بتصويره الكوارث والفجائع التي تخلّفها الحروب، يقرع طبول القلب كي لا تنساق وراء أيّة أوهام يتاجر بها تجّار السلاح والأرواح».

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى