البطران يواصل تسجيل أحداث الصعيد في روايته الجديدة

تأتي رواية الكاتب حمدى البطران “كل شئ هادئ في الجنوب” استكمالا لروايته “يوميات ضابط في الأرياف“, التي سجل فيها أحداث ووقائع كان شاهدا عليها كضابط شرطة. وهي الرواية التي تسببت في محاكمته, وإحالته لمجلس تأديب, لينتهي الأمر بإنهاء خدمته من جهاز الشرطة وإحالته للمعاش. رواية “كل شيء هادئ في الجنوب” الصادرة هذا الأسبوع عن الهيئة المصرية للكتاب تواصل ما بدأه حيث تحكي عن ضابط كان مأمورا لمركز شرطة في الصعيد, هو أساسا غير صعيدي, ويعيش في القاهرة, ولم يعمل في الصعيد من قبل. لم ينجح في عمله كمأمور لمركز في الصعيد، فنقلوه لمديرية الأمن في وظيفية بسيطة. وفي طريقه للعودة إلى عمله بالقطار يتعرف الضابط علي طبيب قبطي, يعمل في الوحدة الصحية, في نفس المركز الذي كان الضباط مأمورا له.

يعجب الطبيب بشخصية الضابط في الفترة التي كان مأمورا وينتهز فرصة مجاورته له في الكرسي ليتبادلا الكلام والحوار, وتنشأ صداقة بينهما. يذهب الضابط إلى وظيفته الجديدة في مديرية الأمن, فيبحث عن مكتب, وعن كرسي, ولا يقتنع بها. ويكتشف أن الوظيفة عبارة عن مكان يجلس فيه لانتظار مهمة يكلفه بها المدير ونائب المدير.

وتتوالي المهمات أو المأموريات التي يتم تكليفه بها، وأولى تلك المهمات كانت عبارة عن معركة بين عائلتين في الصعيد, ويسقط فيها القتلى من الأطفال والشباب, ويرصد لنا الضابط بأسلوبه الأدبي ما يحدث في تلك المعارك.

ويقول: في أول خطوه وجدنا جثة لشاب في العشرين من عمره وبجواره بندقية آلية لف حولها ذراعه الأيمن, كانت الجثة بها إصابات بالرأس والكتف والصدر وبجوارها فوارغ طلقات أطلقها قبل أن يقتل. بجوار جثه الشاب وجدنا جثه لرجل في الخمسين وبجوارها بندقية من النوع القديم ” البلجيكي”. وكانت الطلقات لا تزال في البندقية حيث فاجأه الرصاص قبل أن يتمكن من استعمال السلاح. اقتربنا من حظيرة ماشية تبعد عن مكان الجثتين حوالي ثلاثين مترا, وشاهدنا بداخلها جثة لرجل كبير في السن وجهها مشوه وبجوارها جثة لصبي في العاشرة. كانت جثة الرجل كلها ثقوب من آثار الرصاص, وجثة الصبي مفتوحة الفم، وقد أطلقت عليها دفعه كاملة من بندقية آلية فحفرت فى بطن الصبي حفره هائلة، وأزالت أحشاءه تماما.

كما لاحظنا أن جزءا من الكتف غير موجود, كما لو أن أحشاءه قضمها وحش هائل, وكان هذا من آثار دفعة أخرى من الرصاص. بجوار جثة الرجل والصبي وجدنا جثة لكلب أسود أصابته طلقة واحدة في رأسه. ولسبب غامض أحسست أنني غير قادر على الاستمرار في فحص باقي الجثث, وتمنيت لو يسمح لي السيد الحكمدار أن أغادر هذا المكان, بل ومغادره الصعيد كله. ولكنني يجب أن أستمر، والحقيقة أنني عاجز عن الاستمرار في وصف ما أراه بالدقة التي تليق بكاتب, وبدأت أسمع صرخات النسوة على الجانب الآخر.

المأمورية الثانية هي الاعتداء علي دير للأقباط بمعرفة الجماعات المتطرفة. وأخرى هي مقتل أحد رجال الشرطة من المخبرين السريين. وخلال ذلك تتوطد صلة الطبيب بالضابط ويشكو له عما يعانيه من عمله كمفتش للصحة, وما يتعرض من تهديد من بعض الرجال الذين قتلوا أختهم بسبب علاقتها غير الشرعية, وقيامه بتوقيع الكشف الطبي عليها وتهديهم للطبيب بأن لو أثبت أنها مقتولة فسيقتلونه. ويطلب منه الضابط أن يخطر رئيس المباحث وبالفعل يقبض عليهم ويحاكمون.

تزداد ثقة مدير الأمن في الضابط فيجلسه معه، ويحكي له عما يعانيه في حفظ الأمن في الصعيد، ويطلب منه إعداد تقرير ليرفعه للوزارة. يكتشف الضابط أن صديقه الطبيب فنان تشكيلي متميز وينتمي إلي أسرة قبطية عريقة كانت تمارس السياسة, وتخرج في مظاهرات مؤيدة لسعد زغلول في ثورة 1919، ويطلب الطبيب من الضابط أن يرسم له بورتريه.

يحكي الضابط عما تعرض له شخصيا بسبب رؤيته للجثة ومناظر القتل والتفكير المستمر في العنف, بأنه لم تعد له قابلية لممارسة الجنس مع زوجته, ويحس بعدم رغبته فيها.

ويحكي عما يشعر بطريقة راقية, ويحاول أن يتحسس الإثارة في بعض علاقات عابرة, ولكن التفكير فيما يراه في الصعيد, وربما نوع من الخوف الداخلي. ويهديه أحد عمد الصعيد تمثالا أثريا يقول له إنه إله الجنس, وما أن يضعه الضابط في جيبه, حتى يشعر برغبته تتحرك, ويتصادف أن يصطحبه صديقه الطبيب إلى منزله, ويجلس معه وزوجته لتناول الغذاء حتى يشعر بتحرك رغبته التي كانت غائبة. ولكنه يكتم الأمر ويلوم نفسه علي التفكير في زوجة صديقه. يستعد الضابط للعودة الى بيته في القاهرة في راحته الشهرية, بعد شعوره بتحسن رغبته الجنسية, ويذهب للاستئذان من مدير الأمن, فيصله نبأ مقتل صديقه الطبيب القبطي علي يد الجماعات الإسلامية, ويبلغ مدير الأمن الوزارة بمقتل الطبيب القبطي مبررا القتل بأنه بسبب علاقات الطبيب النسائية, والخلافات المعتادة بين أهل الصعيد. ويختتم مدير الأمن تقريره عن الأمن, والذي سيرفعه للوزارة بتلك العبارة: أن كل شيء هادئ في الجنوب.. ومنها اتخذ كاتبنا عنوان روايته.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى