الحركات الاجتماعية ودورها في التغيير السياسي

يقول هانك جونستون في كتابه المعنون “الدول والحركات الاجتماعية” الصادرة ترجمته عن المركز القومي للترجمة في القاهرة (2017)، إن الناس يلجأون إلى الاحتجاجات والتظاهرات وحملات جمع التوقيعات، والمسيرات والتنظيمات التي تعبّر عن مطالبهم فى التغيّر الاجتماعي، وتعد كل تلك الأساليب مهمة لتأكيد المصالح والدفاع عنها فى السياسة المعاصرة، وذلك هو الموضوع الأساسي الذي يطرحه الكتاب، بمعنى أن الحركات الاجتماعية هي سياسة يقوم بها الناس وليست سياسة النخب فقط.

وبات دور المجتمعات المدنية في التوازن الاجتماعي وفي الإستقرار المجتمعي والسياسي مطروحًا بقوة في النظريات السياسية المعاصرة، وعلى وجه الخصوص منذ انحسار دور الأيديولوجيات. حيث يُعتبر تجميع تلك الفئات من خلال هيئات رسمية وتشجيعها على الانخراط في العمل السياسي، الخطوة الأولى تجاه إعادة الاعتبار للمجتمعات المدنية التي يتحدث عنها كثيرون، لكنهم يعزفون عن تحديد ماهيتها.

وهنا يشرح الباحث هانك جونستون في كتابه أن الحركات الاجتماعية والاحتجاجات قد أصبحت من الشيوع اليوم، إلى درجة أنها تعتبر من قِبْل معظم علماء العلوم الاجتماعية الذين يدرسونها، جزءًا لا يتجزأ من الممارسة السياسية، فالناس لا يعتمدون هذه الأيام على الأحزاب السياسية والانتخابية فقط كي يعبّروا عن تفصيلاتهم.

الكاتب يحاول عرض قضية مفادها أن الحركات الاجتماعية والاحتجاجات تظهر داخل أنساق الدولة، وهى تستهدف فى الغالب سلطات الدولة التى تعمل على إحداث التغيرات والإصلاحات التى تجيب على مطالب المحتجين، فبإمكان المحتجين أحيانًا أن يتحدوا المؤسسات التي لا تنتمي إلى الدولة، مثل إدارات الجامعات أو المنظمات الدينية. ولكن الغالبية العظمى من الاحتجاجات الاجتماعية والحركات الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، جعلت من الدولة هدفًا، ومن هذا المنطلق يأتي التبرير الأساسي لنشر هذا الكتاب.

يتكون الكتاب من ستة فصول، تحمل عناوين (الدولة والاحتجاج والحركات الاجتماعية)، (الاحتجاج في الديمقراطيات المعاصرة)، (مجتمع الحركات الاجتماعية)، (الدول القمعية والاحتجاج)، (الثورات والدول) و(العولمة والاحتجاج والدولة).

يقدم الكتاب منظورًا جديدًا في علم الاجتماع السياسي لدراسة العلاقة بين الحركات الاجتماعية وأنظمة الدولة، فالحركات الاجتماعية لا تشكل كيانات مستقلة تناوئ الدولة من الخارج، لكنها جزء من عملية سياسة تفاعلية بين الدولة والمجتمع، وتتحدد هذه العملية، وتتغير مضامينها وفقًا لما تتمتع به الدولة من قدرة على إنفاذ مبادئ العدالة والمساواة والمواطنة والحماية والاستجابة لمطالب وحاجات المواطنين.

يقدم الكتاب أيضًا تحليلاً مستفيضًا لطبيعة الحركات الاجتماعية، وجدالها السياسي في مختلف النظم السياسية؛ مع عرض لنظريات الثورة، والدروس المستفادة من الدراسة المقارنة للثورات. ولم يكن لهذا التحليل أن ينفصل عن عمليات أكبر على المستوى العالمي، تتصل بنشاط الحركات الاجتماعية عابرة القارات، التي تكاثر وجودها في زمن العولمة، والتي تم تناولها في الفصل الأخير من الكتاب.

نحو منظور جديد لعلم الاجتماع السياسي

يبدأ جونستون بتوضيح أن الحركات الاجتماعية والاحتجاجات قد تعتبر من قِبْل معظم علماء العلوم الاجتماعية الذين يدرسونها، جزءًا لا يتجزأ من الممارسة السياسية. فالناس لا يعتمدون هذه الأيام على الأحزاب السياسية والانتخابية فقط لكي يعبّروا عن تفصيلاتهم، ولكنهم يلجأون أيضًا إلى الاحتجاجات والتظاهرات، وحملات جمع التوقيعات، والمسيرات والتنظيمات التي تعبّر عن مطالبهم فى التغير الاجتماعي. وتعد كل تلك الأساليب مهمة لتأكيد المصالح والدفاع عنها في السياسة المعاصرة، وذلك هو الموضوع الأساسي الذي يطرحه الكتاب، بمعنى أن الحركات الاجتماعية هي سياسة يقوم بها الناس وليست فقط سياسة النخب.

يُلاحظ أن هذا المفهوم قد برز في إطار سياق تاريخي معين رافقه وجود نظم حزبية وسعي لتمثيل مصالح معيّنة مع وجود نظم اقتصادية وثقافية في الدول الرأسمالية المتقدمة. بعبارة أخرى أخذ هذا المفهوم في البروز في إطار سياق تاريخي معيّن اتسم بمجموعة من السمات المهمة والتي نوردها على النحو التالي: الاتساع الكبير لدور الدولة في تلك المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، وفقد النظام الحزبي القدرة على تقديم بديل حقيقي للتغيّر السياسي والاجتماعي في هذه المجتمعات. وتمثيل المصالح في هذه المجتمعات أصبح يتسم بالإدماجية، أي أن التعبير عن المصالح يتم عن طريق ممثلين معتمدين بعينهم لعدد من القوى الاجتماعية.

والواقع أن الفكر السياسي عرف مفهوم المجتمع المدني منذ القرن الثامن عشر، وبالنظر إلى ما يتميز به المفهوم من قدم تفاوت تعريفه بحسب المدارس الفكرية التي تناولته. حيث كانت المدرسة الليبرالية بشقيها السياسي والاقتصادي من أوائل المدارس التي تعرضت لذلك المفهوم، وبعدها جاءت المدرسة الهيغلية وتلتها المدرسة الماركسية، وذلك إلى جانب كتابات المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي.

في النهاية خلصت تلك المدارس الفكرية إلى أن المجتمع المدني هو ذلك القسم من النشاط الإنساني الخارج عن إطار الدولة، ولا يخضع لسيطرتها. فهو مجال الحرية والعمل المستقل للمواطنين في المجتمع. والمجتمع المدني يختلف عن المجتمع الطبيعي فهو لا يقوم على مجرد الروابط الأولية بين الأفراد، لكنه يقوم على أساس روابط من نوع جديد لم تكن موجودة في المجتمع الطبيعي. فالمجتمع المدني لا يكمن أن يقوم على الانتماءات العرقية أو الإثنية أو الدينية، ولكن يمكن أن تكون هذه الانتماءات أحد العناصر المكوّنة للمجتمع المدني، ولكن إذا ما اكتسبت صورة جديدة تتمثل في التنظيم الاختياري على الأقل من ناحية المبدأ.

هنا تأتي الحركات الاجتماعية وعلاقتها بالدولة حيث أصبح للحركات الاجتماعية دور بارز في السياسة في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أنها قد تكون لها فرص أفضل للنجاح في ظل الديمقراطية. ففي ظل نظام العولمة توفرت الفرص للمجموعات التي تعيش في ظل الدكتاتوريات للضغط على حكومتهم، فدمقرطة الاتصالات ووسائل الإعلام على حد سواء قد سهلت للأفراد التلايى والعمل المشترك لتحقيق مصالحهم المتماثلة، فضلًا عن إعطائهم مزيداً من الحرية في تحركاتهم لنشر رسالتهم وتوليد الضغط للعمل. فالإنترنت، على وجه الخصوص، أصبح أداة تعبئة قوية مستخدمة.

وعلى الرغم من رفض هذه الحركات الاجتماعية الحديثة للسياسة، إلا أن وجودها وأنشطتها أدت إلى توسيع مفهوم السياسة بحيث لم تعد السياسة مقصورة على التنافس على السلطة، وإنما دخلت فيها اهتمامات أساسية للبشر مثل السلام، وحماية البيئة.. الخ.

ونجد أن موضوع الحركات الاجتماعية أصبح يؤلف جزءًا أساسيًا في الدراسات المتعلقة بالسياسات العامة في كل أنحاء العالم، وإن كانت هذه الدراسات أكثر تقدمًا في المجتمعات الديمقراطية عنها في المجتمعات الشمولية التي تسودها النظم الاستبدادية، وذلك بفضل سهولة التواصل وتبادل الأفكار والحصول على المعلومات والتعرّف على الحركات المماثلة في الدول الأخرى مما يتيح إمكان التنسيق بينها على نطاق واسع ويجعلها بالتالي أكثر فعالية وتأثيرًا.

ويجب الانتباه إلى أنه رغم التراكم النظري ومركزية حضوره في الفلسفة السياسية والعلوم الاجتماعية والسياسية وفي الأدب السياسي الحديث والمعاصر، ظل المجتمع المدني مفهومًا جداليًا غائمًا ومنفلتًا عمقت كثافة استعمالاته طابعه الإشكالي، وحولته الى مفهوم يتسع لكل شيء ويتمطط ويُستعمل كيفما اتفق من دون ضوابط منهجية. ولعلّ من المفيد الانتباه النقدي إلى ذلك والسعي إلى تحديد تحولاته وديناميته المفهومية في علاقته بمفاهيم أخرى كمفهوم الحزب أو الطبقة السياسية أو النخبة، خاصة إذا اعتبرناه مفهومًا محوريًا للتفكير في مراحل الانتقال الديمقراطي.

الحركات الاجنماعية وتحدي الدولة

يرى الكاتب أن الحركات الاجتماعية والاحتجاجات تظهر داخل انساق الدولة، وهي تستهدف في الغالب سلطات الدولة التي تعمل على إحداث التغيّرات والإصلاحات التي تجيب على مطالب المحتجين، فبإمكان المحتجين أحيانًا أن يتحدوا المؤسسات التي لا تنتمي إلى الدولة، مثل إدارات الجامعات أو المنظمات الدينية. ولكن الغالبية العظمى من الاحتجاجات الاجتماعية والحركات الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، جعلت من الدولة هدفًا، ومن هذا المنطلق يأتي التبرير الأساسي لنشر هذا الكتاب. فالحركات الاجتماعية لا تشكل كيانات مستقلة تناوئ الدولة من الخارج، لكنها جزء من عملية سياسة تفاعلية بين الدولة والمجتمع. وتتحدد هذه العملية، وتتغير مضامينها، وفقًا لما تتمتع به الدولة من قدرة على إنفاذ مبادئ العدالة والمساواة والمواطنة والحماية والاستجابة لمطالب وحاجات المواطنين.

يقدم الكتاب أيضًا تحليلاً مستفيضًا لطبيعة الحركات الاجتماعية، وجدالها السياسي في مختلف النظم السياسية؛ مع عرض لنظريات الثورة، والدروس المستفادة من الدراسة المقارنة للثورات، ولم يكن لهذا التحليل أن ينفصل عن عمليات أكبر على المستوى العالمي، فلقد لعبت الحركات الاجتماعية دورًا محوريًا في توسيع مدى مفهوم الديمقراطية ليشمل المنافسة بين الأحزاب السياسة والفواعل المختلفة، وذلك ليصب في النهاية في مصلحة المواطنين.

في حين أن الحركات الاجتماعية الجديدة ما هي إلا حركات تختلف عن الحركات الاجتماعية التقليدية في كونها لا تستهدف أساسًا الوصول إلى السلطة، وإنما سعيها الحثيث يرمي إلى ترجمة عدد من القيم إلى واقع إجتماعي على المستوى المحلي أو على مستوى المجتمعات الصغيرة من دون أن تعبأ على الأقل في الأمد القصير بترجمة هذه القيم على مستوى النظام السياسي ككل.

قد تسعى تلك الحركات إلى ترجمة عدد من القيم على المستوى المحلي من العلاقات فيما بين أعضائها ويطلق على هذه القيم مسمى القيم ما بعد المادية كقيم التعاطف والتعاون. وقد تواجه الحركات الاجتماعية الجديدة مشكلة كبرى تتمثل في بلورة استراتيجية سياسية عن طريق رفضها للتحول إلى أحزاب سياسية تكفل أن يكون لها تأثير على أجهزة السلطة مع احتفاظها بقيمها الأساسية، في حين أدرك أنصار البيئة هذة الأهمية وتحولوا إلى أحزاب سياسية كما حدث في ألمانيا. وعلى الرغم من عدم التغلب على هذا التحدي، إلا أن هذه الحركات لا تزال قائمة كعنصر أساسي في الحياة السياسية في العديد من المجتمعات، فقد شغلت ظاهرة الحركات الاجتماعية اهتمامًا بالغًا في الآونة الأخيرة من قبل الأكاديمين والباحثين. وما استرعى علماء السياسة والاجتماع في العقد الاخير من هذا القرن هو تلك الحيوية التي قد يظهرها المجتمع في مواجهة الدولة.

لا يمكن لأحد أن ينكر مدى أهمية الحركات الاجتماعية، إلا أن دراستها تظل تحتل جانباً هامشياً داخل العلوم السياسية. وقد يعتبر عدم الاهتمام بها في الماضي مبرراً حيث لم تكن أحد الفواعل الهامة في السياسة، وهذا لا يبرر أنه يمكن إهمال دراسة هذه الحركات الاجتماعية اليوم.

مؤلف الكتاب “هانك جونسون”، له عدد كبير من المؤلفات، تدور معظمها حول الحركات الاجتماعية، والعلاقات المعقدة بين البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ترجم الكتاب الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة القاهرة، وله عدد من المؤلفات أبرزها (خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري)،(الخطاب الديني المعاصر) و(تناقضات الحداثة في مصر)، كما له عدد كبير من الترجمات منها، (الطريق الثالث) و(المجال العام.. الحداثة الليبرالية والكاثوليكية والإسلام) و(موسوعة علم الاجتماع).

الميادين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى