العلاقة السرية بين بريطانيا وجماعات الإسلام السياسي (مارك كورتيس)

 

الكتاب: التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين
المؤلف: مارك كورتيس
ترجمة: كمال السيد
الناشر: المركز القومى للترجمة

مارك كورتيس، صحفى ومؤلف تحقق كتبه عادة أفضل المبيعات، وهو يبذل مجهودا خرافيا فى البحث والتدقيق من أجل توثيق الوقائع والمعلومات التى تتضمنها هذه الكتب. ومعظمنا يذكر أن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل ذكر كتابًا له فى حديثه مع لميس الحديدى منذ أسابيع. أما الكتاب الذى ذكره فهو «شؤون سرية: تواطؤ بريطانيا مع الإسلام الراديكالى». وهو صدر باللغة الإنجليزية عام 2010، وصدرت حديثاً ترجمته عن المركز القومى للترجمة وقام بنقله إلى العربية كمال سيد وهو مترجم له باع طويل فى عملية الترجمة حيث ترجم 22 كتابا من قبل. وقد صدر الكتاب تحت عنوان «التاريخ السرى لتآمر بريطانيا مع الأصوليين».
والكتاب يستند إلى الوثائق الرسمية البريطانية التى رفعت عنها السرية، خاصة وثائق الخارجية والمخابرات، ليفضح تآمر الحكومة البريطانية مع المتطرفين دولاً وجماعات وأفراداً، فى أفغانستان وإيران والعراق والبلقان وسوريا ومصر وإندونيسيا ونيجيريا، وذلك لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية. ويوضح الكتاب أن بريطانيا نبذت من استغلتهم عندما لم يعد هناك جدوى منهم مثل الإخوان المسلمين وأسامة بن لادن والجماعات الأفغانية والفرق الإندونيسية المختلفة.
وتعود أهمية الكتاب إلى أنه يمكن أن يكون وثيقة دامغة فى مواجهة الادعاءات الإسلامية السلفية والإخوانية، التى تتهم القوى المدنية بأنها عميلة للغرب، فى الوقت الذى قام فيه الغرب ممثلاً فى بريطانيا وأمريكا، برعاية بل وتأسيس معظم الحركات الإسلامية التى ترفع شعارات العداء له حاليا، كما ترفع أيضا شعارات حول استقلال الإرادة الوطنية. فالكتاب يعرض الدور القيادى لبريطانيا فى التآمر مع الإسلاميين ثم تحويلهم كما يقول المؤلف إلى «جزمة» فى رجل الأمريكيين، تقوم بالأعمال القذرة التى يأنف الآخرون القيام بها.
والكتاب لا يمكن تلخيصه فى عجالة، ذلك أنه ملىء بالوقائع سواء تلك التى توضح الرياء البريطانى ثم الأمريكى للجماعات المتشددة التى تدعى دول الغرب أنها تحاربها، أو العمليات التى قامت بها هذه الجماعات لتحقيق مصالح الغرب فى مواجهة قوى التحرر الوطنى أو اليسار فى العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط، أو عمليات التمويل التى قامت بها كلتا الدولتين لهذه الجماعات والتى بلغت أحيانا مليارات الدولارات.
والكتاب ملىء بالأمثلة على استغلال الثالوث غير المقدس كما يسميهم المؤلف، أمريكا وبريطانيا والسعودية لجماعات الإسلام السياسى وتحالفهم معها فى تنفيذ استراتيجيتهم، لكن السحر انقلب على الساحر فى كثير من الأحيان، وانقلبت جماعات الإسلام السياسى على من قام بصناعتهم، الأمر الذى أثار حروبا بين الطرفين وجعل السعودية تعود إلى الأسلمة المنضبطة وتضيق على هذه الجماعات فتقطع المعونة عن الإخوان المسلمين وتعدم بعض المتطرفين وتسحب جواز سفر أسامة بن لادن وتستهدفه.وهذا الأمر أيضا جعل كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة أكثر حرصا فى تعاملهما مع جماعات الإسلام السياسى وإن ظلت لهما اليد الطولى، واستمرا فى استغلال هذه الجماعات رغم صخب الأخيرة فى إعلان عدائها للغرب.
فالمؤلف يستعرض الخطر الذى يواجه بريطانيا من تنظيمات الإسلام السياسى، ويستعرض وجهات النظر حول أسبابها، لكنه يرى أن هناك حلقة مفقودة فى وجهات النظر هذه وهى إسهام بريطانيا فى صعود التهديد الإرهابى، والقصة الأكثر أهمية التى يسعى الكتاب إلى روايتها هى أن الحكومات البريطانية من العمال والمحافظين على حد سواء تواطأت عقودا طويلة مع القوى الإسلامية المتطرفة، بما فى ذلك التنظيمات الإرهابية فقد تسترت عليها وعملت إلى جانبها ودربتها أحيانا بهدف الترويج لأهداف محددة للسياسة الخارجية وغالبا ما فعلت الحكومات ذلك فى محاولة يائسة للحفاظ على قوة بريطانيا العالمية التى عانت من أوجه ضعف متزايدة فى مناطق أساسية من العالم.
وقد أقامت بريطانيا مع بعض هذه القوى الإسلامية المتطرفة تحالفا استراتيجيا دائما لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأساسية طويلة الآجل ودخلت فى زواج مصلحة واتحاد وثيق العرى بصورة مؤقتة مع قوى أخرى منها لتحقيق نتائج محددة قصيرة الأجل.
ويقول الكاتب إنه من القوى الفاعلة التى تواطأت معها بريطانيا هى الحركات المتطرفة ومن بين أكثرها نفوذا التى تظهر طوال الكتاب جماعة الإخوان المسلمين التى تأسست فى مصر 1928 وتطورت لتصبح شبكة لها تأثيرها على النطاق العالمى.
وترجع جذور تعاون بريطانيا مع الإسلام المتطرف إلى سياسات فرق تسد التى اتبعت فى عهد الإمبراطورية عندما كان المسؤولون البريطانيون يسعون بانتظام إلى تعهد مجموعات إسلامية أو أفراد مسلمين إلى التصدى للقوى الوطنية التى كانت تتحدى الهيمنة البريطانية، فمن المعروف أن المخططين البريطانيين ساعدوا فى تأسيس الشرق الأوسط الحديث إبان الحرب العالمية الأولى وبعدها بتنصيب حكام فى أراض وبلدان حددها المخططون البريطانيون، لكن السياسة البريطانية انطوت أيضا على السعى إلى إعادة الخلافة فى قيادة العالم الإسلامى إلى السعودية الخاضعة إلى السيطرة البريطانية، وهى استراتيجية كان لها أهمية هائلة بالنسبة لمستقبل المملكة العربية السعودية وباقى العالم.
والأمر الذى يعطى لهذا الكتاب أهميته هو أنه يجعل القارئ يعيد النظر فى مسلمات طالما اقتنع بها من قبل حول الإسلام السياسى، كذلك فإن التوثيق والتدقيق اللذين التزم بهما الكاتب لا يعطيان أى مجال للشك فى صحة النتائج التى خرج بها من كتابه بالغ الأهمية.

صحيفة المصري اليوم

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى