‘حكاية محمود درويش في أرض الكلام’ بين القضية والإبداع

يستعرض كتاب “حكاية محمود درويش في ارض الكلام” للباحث الدكتور عماد الطراونة الصادر حديثا عن دار الانتشار العربي في عمان الفضاء الشعري للشاعر الفلسطيني الذي لم تستطع الكمائن التي تنتشر في العلاقات بين السياسة والثقافة أن توقع بإبداعه بفضل قدراته وموهبته الفذّة التي مكنته من الصعود بشعره واستقلال خصوصيته وتفرده.

وذكر الطراونة في كتابه “ان السياسة وخطابها لم تبتلع جمال شعر درويش ولغته الشّاسعة في مرونتها وقدرتها على الاستجابة لطموحاته وأحلامه وفضائه الإبداعي، كما لم يسقط في غربة المواضيع واللّغة”.

وأضاف أن درويش بقي طيلة تجربته الإبداعيّة يحاول الإجابة عن سؤال العلاقة بين طموحاته كشاعر وبين انتمائه العميق لشعب وقضية وأمة.

وتأتي أهميّة محمود درويش من كونه شاعرا التحم مع قضية شعبه، وهو شاعر وطني لم يتخل عن أدواته الشعرية، أي أنَّ درويشاً لم يكن شاعراً استعراضيا أو سياسيا بالمعنى التقليدي، كذلك احتل مكانة مهمّة في حركة الشعر العربي والعالمي.

وفي مقدمة الكتاب أوضح المؤلف أنه رصد تجربة محمود درويش الإبداعية مقرونة مع سيرة حياته منذ ولادته حتى رحيله وطرح تجربته الحياتيّة والشعرية كجدلية ارتبطت بالقضيّة الفلسطينيّة التي شاءت الأقدار والظروف أن يرافقها درويش على مدار سنوات عمره ويكون شاهدًا عليها منذ نكبة 1948 حتى الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني 2007، وقضايا وأحداث عامة أو مراحل ومفاصل ترتبط بشخص وتجربة الشاعر.

وقال الباحث إن درويش درويش من أكثر الشعراء الذين تصدوا للقضية الفلسطينية عبر محطاتها الرئيسية بقدر كبير من الوعي والإبانة ملتزماً بجماليات النسق الشعري، كما أنّه من الشّعراء الذين تميزت قصائدهم بتجربة حياتيّة نضاليّة حيّة، مشيرا إلى ان درويش دخل سجون الاحتلال مبكراً وتمكّن من أن يحول الغضب الذي يموج به صدره إلى نصوص شعريّة على درجة عالية من الرّهافة والرّقة والشفافيّة.

وقد محمود درويش خلال مسيرته الشعرية ثلاثاً وعشرين مجموعة شعرية واكب فيها تطور القضية الفلسطينية، حيث أُطلق عليه لقب شاعر المقاومة. وقد طوّر خلال تلك المسيرة خطابه الشعري دون أن يتخلى عن نبرته الغنائية العالية التي كانت سمة مميزة لشعره.

وحاور محمود درويش، بحسب الباحث، في كلّ أعماله الواقع بالعودة إليه، إذ إنّ البنية الاجتماعيّة في شعره تكاد لا تخرج من دائرة ما يشغل الوعي الفلسطيني العام، فلا يكاد يطير محلقاً حتى يعود ليحط على أغصان الشّجرة الفلسطينيّة بكلّ ما لها وما عليها، ولكن في إطار الانضباط لمعايير الارتقاء والتّجريب الإبداعي الذي يحاول دائماً أن يكشف في ذات الشيء وذات الواقع نقيضه وجماله.

ويقول الباحث الطراونة أن تحولات الشاعر وتمرده على ذاته، ونصه الشّعري، وسعيه إلى التجريب، وتجديد أدواته ومفاهيمه، بخاصة بعد اتساع تجربته وتراكم خبراته وثقافته، وانشغاله بالهم الوجودي والإنساني، ومن ثم تراجع سطوة المباشرة والخطابية وجماليات الإلقاء والإنشاد، عوامل تضافرت في تشكيل هذه الشهرة المتميزة للشاعر وشعره، في حياته وبعد وفاته أيضًا.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى