“داعش” في سوريا: رؤية تركية

استفاد تنظيم داعش من تخلخل كيانات دول عربية حيث سادت فوضى ما يسمّى “الربيع العربي”، ومِن مقتل أسامة بن لادن، ومن الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في مصر، ومن الأزمة السورية.

يرمي الكاتب التركي أوفوك أولوتاس، في كتابه “دولة التوحش: داعش في سوريا” الصادر باللغة الإنجليزية عن مركز “سيتا”التركي للدراسات، إلى فهم كُـنه وماهيّة ظاهرة تنظيم داعش تحديدًا في سوريا، مرورًا بإحاطة شبه كاملة بظروف نشأة التنظيم واستفحاله في العراق؛ مقـرًّا بكثرة العوائق الميدانية التي تحول دون إشباع حاجة الباحث إلى الإلمام بكل الحقيقة التي يشتمل عليها وجود داعش بين العراق وسوريا.
ويقارب الكاتب ظاهرة “داعش” بوصفه “جهة عنفيّة غير دولة”، من خلال النموذج البحثيّ الواقعيّ والنظرية الليبرالية والنظرية البنائيّة، ويعرض لسياق وصول أبي بكر البغدادي إلى رأس هرم تنظيم داعش، وينتهي إلى ربط مصلحة التنظيم بمصلحة النظام السوريّ الحاكم في إطار “تسوية مؤقّتة” خلال الصراع الدائر في سوريا منذ سنوات.

“الجهات غير الدُّوَل”.. والدولة

يعرض الكاتب تعريفًا للـ”جهات غير الدُّوَل” بأنها منظّمات مستقلّة بذاتها – كليًّا أو إلى حدّ بعيد – عن الحكومة المركزية، تمويلًا وإدارة، نابعة من المجتمع المدنيّ بنحوٍ يتخطّى سيطرة الدولة وتوجّهاتها. هذه الجهات تشارك في العلاقات الدولية، وتمتلك القوة الكافية للتأثير وإحداث التغيير. هذه “الجهات غير الدُّوَل” تستحدث قوانينها الخاصة وتسلك سلوكها الخاصّ. ولقد تمّ تركيز الباحثين لبحوثهم على “الجهات العنفية غير الدوَل” خصوصًا بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية.
وثمّة خاصّيتان للـ”جهات العنفية غير الدوَل”؛ هما أنّ لديها غايات سياسية وأنها تعتمد الوسائل العنفية لتحقيق هذه الغايات.
ويشير الكاتب إلى علاقة معقّدة بين الدولة و”الجهات العنفية غير الدوَل”؛ تتجلّى في أنّ الدولة عينها تمّول وتسهّل عمل المجموعات الإرهابية، لتحقيق غاية لها ضدّ منافسيها. فمثلًا؛ خلال فترة الحرب الباردة، وظّفت كلتا القوّتين العظمَيَين (روسيا والولايات المتحدة الأميركية) “ورقة الإرهاب”؛ فحركة طالبان كانت مدعومة من قبل الولايات المتحدة. إلى ذلك؛ فإنّ المجموعات الإرهابية تستغلّ هشاشة الدوَل الضعيفة.
تصبح الدولة ضعيفة عندما تخسر مؤهّلات مثل الشرعية والقدرة وتقديم مصلحة الجميع على حساب مصلحة الفرد وإدماج أفراد المجتمع في صلب نشاط الدولة.

ويقول الكاتب إنّ المجموعات الإرهابية تهدف إلى تغيير النُّظُم الحاكمة في الدوَل، وتغيير واقع الحدود الجغرافية، وتغيير السياسات، والسيطرة الاجتماعية، والمحافظة على الوضع القائم بما تريده أن يكون عليه. ولتحقيق هذه الأهداف؛ تلجأ المجموعات الإرهابية إلى الإنهاك والإفساد والتخويف والمزايدة والتحدّي.
ثمّ يعرض الكاتب النموذج الواقعيّ التقليديّ السائد لدى الباحثين؛ الذي يقول إنّ الجهة الفاعلَة الأساسيّة في النظام الدوليّ هي الدولة، التي هي كيان سيّد ومعتـرَف به كدولة من قِبَلِ الدول الأخرى، ويتمتّع بالسيطرة على إقليم جغرافيّ يسكنه مجموعة بشر… أمّا “الجهات غير الدوَل” فتفتقد هذه المواصفات.
إلّا أنه، منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين؛ تزايد النقاش حول تأثير “الجهات غير الدوَل” على العلاقات الدولية، مع بروز “جهات عنفية غير دوَل”، مثل جبهة التحرير الوطنية في الجزائر ونمور التاميل في سريلانكا. لذا، لم يعد تحليل النموذج الواقعيّ الكلاسيكيّ ملائمًا لتفسير شبكة العلاقات المعقّدة التي تحكم النظام الدوليّ. فقد فرضت “جهات فاعلة” جديدة ذات تأثير على السياسات الخارجية، نفسَها على منظّري العلاقات الدولية، فبات هؤلاء يولون أهمية لكلّ من الدولة ومعها “الجهات غير الدوَل”، في أبحاثهم حول علاقات القوة في النظام الدوليّ.
ويعرض الكاتب وجهةَ النماذج المغايرة للـ”واقعيّة”، لا سيّما النظرية الليبرالية التي تثمّن دورَ “الجهات غير الدوَل”. فإنّ منظّري الليبرالية يعتبرون أنّ الدولة تحوي قطاعات متنافسة داخلها. لذا؛ فقد انتقد الليبراليون نُظراءَهم الواقعيّينَ لتجاهلهم دورَ “الجهات غير الدوَل” في رسم معالم العلاقات الخارجية. وقد هدّدت “الجهات العنفية غير الدوَل” النظام العالميّ القائم بعد معاهدة “ويستفاليا” الشهيرة، التي سيقوم على امتناع الدوَل المستقلّة عن التـدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

ويستشهد الكاتب بكلام وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كيسينجر، عن أنّ نظام “ويستفاليا” العالميّ ومبادئه الأساسية باتا مهدَّدَينِ من قِبَلِ آيديولوجيات ترفض قيودَه وتعتبرها غير شرعية، ومِن قِبل ميليشيات إرهابية، في دوَل عدة، باتت أقوى من القوّات المسلّحة الخاصّة بالحكومة.
فيما اعتبر بعضُ الباحثينَ أنّ ما حصل فعلًا هو أنّ “الجهات غير الدوَل”، كتنظيم “القاعـدة”، غيّرت البيئة الأمنيّة التي تدير الدولةُ شؤونَها ضمنَها… فبات التمييز بين التهديدات الأمنية الداخلية والخارجية أكثـرَ غموضًا. فتنظيم “القاعـدة” ضَرب صميم الجسم المالي والعسكريّ في الولايات المتحدة؛ فبات ما يقدّمه منظّرو الواقعيّة والليبراليون حيال “الجهات غير الدوَل” غيرَ وافٍ لفهم النقاشات الجديدة حول ماهيّة “الجهات غير الدوَل”.
ولقد برزت النظرية البنائيّة، بحسب الكاتب، كأفضل إطار فكريّ يقيّم ظاهرة الإرهاب؛ إذ يقول منظّرو البنائيّة إنّ الاهتمامات والهُويّات الخاصة بالجهات الفاعلة في النظام الدولي، ترسمها نظرةُ هذه الجهات إلى العالم، وهي نظرة مبنيّة اجتماعيًّا. ويَنظر منظّرو البنائيّة إلى الإرهاب على أنه بناء اجتماعيّ، ويقولون إنّ الإرهابَ لا يمكن أن يوجَد من دون الأفكار والهويّة الخاصّتَينِ بالأفراد المنخرطين في الإرهاب. لذا؛ فإنّ النظرية البنائيّة، بحسب الكاتب، تقدّم نظرةً أفضلَ إلى داعش وأيِّ مجموعة عقيدية أخرى.

داعش.. بين الإرهاب وكيان الدولة

يقول الكاتب إنّ تنظيم داعش، بخلاف معظم “الجهات العنفية غير الدوَل” (كالمجموعات الإرهابية والمتمرّدينَ)، يهدف إلى السيطرة على إقليم يُنشئ فيه دولة. وإنّ داعش قد سيطر على مساحات جغرافية، حتى الآن، أكبر من مساحات دوَل كثيرة في الشرق الأوسط وخارجَه. مع ذلك، بحسب الكاتب؛ فإنّ داعش، على نحو باقي “الجهات العنفية غير الدوَل”، يمتلك منظومة فكريّة تشتمل على التكفير والتبشير بالخلاص، ويعتمد على الأساليبَ العنفية المتطرّفة.
يُظهر تنظيم داعش، بحسب الكاتب، أنّ الدوَل الضعيفة لا تشكّل خطرًا على مواطنيها فحسبُ، بل كذلك على المجتمع الدوليّ عمومًا. ولقد استفاد تنظيم داعش من تخلخل كيانات دول عربية حيث سادت فوضى ما يسمّى “الربيع العربي”، ومِن مقتل أسامة بن لادن، ومن الانقلاب الذي حصل في مصر، ومن الأزمة السورية.

رحلة أبي بكر البغدادي إلى قمّة داعش

شكّل صعود أبي بكر البغداديّ سلّم التراتبية إلى قمّة السلطة (في داعش)، والحظوة الإعلامية العارمة التي أحاطته بعد سيطرة داعش على مدينة الموصل؛ مفاجأةً بالنسبة إلى مَن عرف البغداديّ منذ نشأته، إذ لم يكن البغداديّ معروفًا بمؤهلّات تخوّله تولّي القيادة.
لقد تعرّف البغداديّ على الفكر السلفي في عمر المراهقة، عندما أثّـرت الحرب السوفياتية-الأفغانية فيه بقوّة، وبدأت السلفية الجهاديّة ترسم ملامح نظرته إلى العالَم. لقد نظر البغداديّ، حينها، إلى مؤسسات الدولة، لا سيّما الجيش منها، من المنظار التكفيريّ؛ فقد آمن بأنّ على المؤسسة العسكرية وغيرها من مؤسسات الدولة تبنّي الإسلام كنظام يدير التوجهات والأفعال.
تلقّى البغداديّ علومه الجامعية في الجامعة الإسلامية في بغداد، التي أسسها نظام الرئيس العراقي الأسبق صدّام حسين في إطار الحملة الفكرية التي خاضها لتعزيز مؤسسات “الإسلام السنّي” في مواجهة التأثير المتزايد للـ”شيعية الإيرانية”، بحسب الكاتب.

ولقد أثّر العالم الدينيّ العراقي والقياديّ الجهاديّ، محمد حردان، في أوائل الألفية الثالثة؛ في تشكيل الفهم الآيديولوجيّ للسلفية الجهادية لدى البغداديّ. وفي العام 2003؛ كان للبغداديّ دور أساسيّ في تأسيس “جيش السنّة والجماعة”، وأصبح بعد ذلك أحد أعضاء مجلس الشورى فيه.
وأصبح “سجن بوكا”، في العراق، نقطة تحوّل مهمّة في نشاط البغداديّ ضمنَ الحركات السلفية الجهاديّة. ولقد كان السجن هذا منشأةً احتجازيّة استحدثـتها الولايات المتحدة ونقلت إليها كثيرًا من المحتجَزين في سجن “أبو غريب”، بعد الفضيحة التي طالت ممارسات أفراد الجيش الأميركي في حقّ نزلاء “أبو غريب”. ساعـدت الفضيحة في تحسين ظروف “سجن بوكا”؛ فقد أُعطِي المسجونونَ المتطرّفون مساحةً واسعة لإقامة حلقات التعارف وتعليم زملائهم المسجونين الأحداث كيفيةَ صناعة المتفجّرات والأسلحة، وكيفية التجهّـز لعمليّات انتحارية.
مكث أبو بكر البغداديّ في “سجن بوكا” من شباط/فبراير من العام 2004 إلى كانون الأوّل/ديسمبر من العام ذاته. وطّد البغدادي، في هذه الفترة، علاقاته بالقادة السلفيين الجهاديين وضبّاط نظام صدّام حسين وغيرهم من السجناء السياسيّين؛ ما مهّـد لتحالف جوهريّ بين الحركة السلفية الجهادية وضبّاط نظام صدّام حسين… وبالتالي أسّسوا استراتيجيا مشتـرَكة ووضعوا خطّة طريق.

وبعد خروج البغداديّ من “سجن بوكا”، برز بقوّة في الحركة السلفية الجهادية، فأصبح قائد أكبر مجموعة سلفية جهادية في العراق. وكان لخسارة “الدولة الإسلامية في العراق” ثلاثةً من قادتها في غضون أربعة أعوام، دورٌ كبير في وصول أبي بكر الغداديّ إلى رأس هرم السلطة في تنظيم داعش. ولقد تمتّع البغدادي بثلاثة مؤهلات ليتولّى الزعامة؛ هي زعمه بأنّه من نسل قبيلة “قُـريش” التي ينتمي إليها خاتم الأنبياء محمد (ص)، وأنه كان مقرّبًا من الأمير السابق له، أبي عمر البغدادي، بحُكم موقعه في المجلس الديني لداعش، وأنّه ذو سـنّ أصغر من أقرانه في التنظيم، ما يساعده على الاستمرار لفترة أطول في الرئاسة.
ولقد بات تنظيم القاعـدة أكثر ترسيخًا لهويّته العراقية بنحوٍ تبشيريّ بارز ودعوى لإقامة دولة تكون هي دولة الخلافة الإسلامية.

التكفير.. والرخصة للقتل!

التكفير والتبشير بالخلاص هما أبرز عناصر آيديولوجيا داعش. يقول الكاتب إنّ بعض السلفيين الجهاديين اعتمدوا التكفير لاستباحة دماء غيرهم من المسلمين. وإنّ ابن تيمية، الذي يعتمد تنظيم داعش بقوّة على آرائه الفقهية، يخصّص نقاشًا طويلًا حولَ ممارسة التكفير في مؤلَّفه “مجموع الفتاوى”.
إنّ التكفير الذي يعتمده تنظيم داعش يشير بالكُفر، بسهولة، إلى أي فرد أو جماعة يعتبر التنظيمُ كلامَهم وأفعالهم منافية للإسلام وفق فَهمِه. هذا التكفير هو ذهنية ورثها تنظيم داعش عن أبي مصعب الزرقاوي. ولقد اعتمد التنظيم مفردة “العدوّ القريب”، التي أطلقها الزرقاوي، لوَصف الشيعة والسنّة الذينَ يرفضون أداء البيعة لداعش. وكان الزرقاوي، على عكس أسامة بن لادن، يولي الأهمية لقتال المسلمين المنحرفين بنظرِه (“العدوّ القريب”) في إزاء قتال غير المسلمين، أي (العدو البعيد).
ويقول الكاتب إنّ كثيرًا من أفراد المعارضة السورية يعتبرون تنظيم داعش على غرار ما كان عليه “الخوارج” (المتطرّفون الذي يرزوا في مرحلة صدر الإسلام). ولقد أصدر المجلس الإسلامي السوريّ فتـوًى في خصوص داعش في العام 2014، يقول فيها إنّ جميع صفات الخوارج، الذين أمر الرسول محمد (ص) بقتالهم، تمثّـلت في داعش.

ادّعاء داعش للخلافة

بعد سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل في العراق، بدأ التنظيم بالهيمنة على إقليم جغرافيّ يمتـدّ من سوريا إلى العراق. ومن خلال مقاطع فيديو وبيانات نشرها إعلاميًّا بعد السيطرة على الموصل؛ أعلن التنظيم حذفَه لحدودِ اتفاقية “سايكس-بيكو”، وإلغاءَه مفهوم دولة “سوريا” ودولة “العراق”، الذي استحدثه الغرب.
حظي التنظيم، بحسب الكاتب، بمكاسب عسكرية ومالية بعد فرار ضبّاط الجيش العراقي من مدينة الموصل؛ وأصبح داعش بذلك أكثر المنظّمات الإرهابية ثراءً في العالم.
ولقد ادّعى التنظيم أنّ السيطرة السريعة على مدينة الموصل هي تحقيق للنبوءة ولوعـد الله؛ ما ساعد في اجتذاب المزيد من المتحمّسينَ للقتال في صفوف داعش. إلى ذلك؛ حظي التنظيم بتغطية إعلامية عالمية عارمة لطالما أرادها؛ وبذلك استطاع ترسيخ الأرضيّة السياسية والسوسيولوجية والمفهومية لإعلان الخلافة.

وبعد سيطرة داعش على مساحات تمتـدّ من حلب (في سوريا) إلى ديالى (في العراق)؛ أعلن المتحدث باسم التنظيم، أبو محمد العدناني، إقامة الخلافة في 30 حزيران/يونيو من العام 2014.
وأورد الكاتب ما ذكرته مجلّة “دابق” التابعة للتنظيم، من أنّ السبيل إلى الخلافة يمرّ بخمس مراحل: الهجرة، وتأسيس الجماعة، وهدم أنظمة الطاغوت، والتمكين، وبناء دولة متكاملة.
ولقد رفض معظم المسلمين، بمن فيهم علماء الدين المعروفون والعلماء المرتبطون بتنظيم القاعدة، هذا الإعلانَ واعتبروا أن لا قيمةَ له. وأصدر الشيخ يوسف القرضاوي بيانًا قال فيه إنّ إعلان الخلافة الإسلامية من قِبل داعش يخالف الشريعة، ولا أساسَ له من المنظور الإسلاميّ.

هيكلية السُّلطة في التنظيم

ثمّة تراتبية صارمة داخل تنظيم داعش؛ ابتداءً ممّا يسمّى “الخليفة”، أبي بكر البغداديّ، إلى الأفراد المنتمين إلى حُكم داعش في سوريا والعراق. ولقد اضطُـرّ التنظيم إلى استحداث سلطة ذات هيكلية بيروقراطيّة لكثرة المنتمين إلى حُكم التنظيم وسعة الأراضي التي تشتمل عليها دولة الخلافة.
على رأس هرم السلطة في داعش؛ أصبح أبو بكر البغداديّ أرفع صنّاع القرار مستـوًى في ما يخصّ الشؤون العسكرية والسياسية والدينية. وللبغداديّ نائبان مسؤولان عن شؤون سوريا والعراق، مسؤول لكل بلد على حدة. كان أبو مسلم التركماني، من مدينة تلعفر، المسؤولَ عن شؤون العراق؛ فيما كان آخر، يُروى أنه من حدود الموصل، اسمه أبو علي الأنباريّ، المسؤولَ عن شؤون سوريا. ولقد خدم الإثنان سابقًا، على نحو ضابطَين، في جيش صدّام حسين، كما كانا نزيلَينِ في “سجن بوكا” مع البغداديّ. وقال الكاتب إنّ مَن خَلَفَهُمَا بعد وفاتهما ليسا معروفَينِ حتى الآن.

ثمّة سبعة مجالس في قمّة تراتبية تنظيم داعش؛ تنفّـذ مهامّ إدارية وعسكرية. المجلس الأكثر أهميّة هو مجلس الشورى، ويرأسه أبو أركان العامري. يتولّى هذا المجلس تنفيذ حدود الشريعة، ونشر الديانة الإسلامية، والدفاع عن الوطن، وتعزيز الجبهات، وتجهيز الجيش.
أمّا مجلس الشريعة فيرأسه أبو محمد العاني. يشرف المجلس هذا على القرارات المتّخَذة من قِبل مجالسَ أخرى، للتحقّق من ملاءمتها للشريعة، كما يصدر الفتاوى. وثمّة مُفتونَ رؤساء، مسؤولون عن سوريا والعراق؛ يشرفون على أداء لجان الشريعة في المحافظات.
ويذكر الكاتب أنّ العمل التحضيريّ لمجلس “الأمن والاستخبارات” تمّ قبلَ تأسيس تنظيم داعش. حاجي بكر هو العقل المدبّر لآلية الاستخبارات والأمن في داعش، وقد خَلَـفَه أبو علي الأنباريّ بعد مقتله. ويقول الكاتب إنّ مَن خَلَفَ الأنباريّ بعد وفاته ليس معروفًا حتى اليوم.
المجلس العسكريّ هو من أهم المجالس في التنظيم. وقد ترأّس أبو أحمد العلواني هذا المجلس حتى وفاته في العام 2014، فتمّ تعيينُ أحد الشخصيّات القليلة من غير العَرَب في قمّة السلطة في التنظيم، وهو أبو عامر الشيشانيّ الذي بقي في المنصب لسنتَين إلى حين مقتله في العام 2016.
وثمّة كذلك مجالس للمحافظات والمالية والإعلام، كل يعمل وفق مجال اختصاصه، ويتمتّع باستقلالية جزئيّة في الحُكم في ما يخصّ الأمور المحليّة.

داعش والمعارضة والنظام السوريان

شكّل دخول داعش إلى سوريا تغيّرًا نموذجيًّا في تطوّر أحداث الأزمة في البلد. فقد كانت الأزمة السورية، بحسب الكاتب، تضمّ طرفَين: النظام الحاكم (مع داعميه الدوليّينَ) والمتمرّدون (مع داعميهم الدوليّين).
ولقد تميّز داعش، بحسب الكاتب، عن الفريقين السالفَين، إذ كان يسيطر على أراضٍ في سوريا والعراق وخارجهما؛ وحارب ضدّ كِلا الفريقَينِ مع كونه أعطى الأولوية لقتال المتمرّدين.
حاول داعش تأسيس دولته الخاصّة في العراق وسوريا وخارجهما؛ فأبدى الأولوية لوجوده في العراق، ثـمّ سخّر وجوده في سوريا لتثبيت سيطرته في العراق.
ولقد أجبر دخول داعش إلى سوريا المتمرّدين السوريّينَ على فتح جبهة جديدة (تكون ضدّ داعش)؛ ما استنزف المَورد البشريّ والقدرة القتالية للمتمرّدين، فأدّى إلى إضعافهم.

خسرت “جبهة النصرة” كثيرًا من مقاتليها وقدرًا كبيرًا من الأراضي لصالح داعش؛ ما حدا بها على أن تحوّل نفسها إلى مجموعة ذات هويّة سوريّة متجذّرة. وكانت جبهة النصرة قَبل ذلك تعتمد سياسة الغموض في ما يخصّ علاقاتها بتنظيم القاعدة؛ إلّا أنها بدأت تعترف جليًّا بعلاقتها مع “القاعدة” لتستمرّ في مقاتلة “داعش”، من خلال الدعم الماليّ والبشريّ الذي أمّنه تنظيم القاعدة لها.
قدّمت مجموعة “أحرار الشام” دعمها لجبهةَ النصرة ماليًّا وعسكريًّا؛ إلّا أنّ داعش لـقي ولاءً من عدد من القبائل والمسلّحين السلفيين الجهاديين، لا سيّما في دير الزور والرقّة وحلب، فساعده ذلك على التوسّع عسكريًّا وجغرافيًّا. ثـمّ سيطر داعش على بلدة “القائم” الحدودية الاستراتيجية، فأمّن بذلك طريقًا له بين سوريا والعراق.

وبدأ داعش حملة عسكريّة واسعة المدى ضدّ المتمرّدين السوريّين على جبهات عدّة في وقت واحد؛ مستهدفًا إيّاهم في حلب ودير الزور وحمص والحسكة والرقّة. ظفر داعش بــ88 بالمئة من الأراضي التي سيطر عليها المتمرّدون السوريّون؛ فيما حارب في حمص وحماه والسويداء ضدّ النظام السوريّ وظفر منه بأراضٍ مباشرة.
كان المتمرّدون، المفتـقرون للعتاد العسكريّ والقليلو الخبرة، هدفًا سهلًا لداعش. إلّا أن النظام الحاكم في سوريا، بحسب الكاتب، كان يشكّل مخاطرة للمخطّط التوسّعي لداعش، بفعل الجيش النظاميّ المتمكّن والمتلقّي دعمًا من روسيا وإيران ووكلائِها.
ويذكر الكاتب أنّ المتمرّدين كانوا في ريبة حيال “داعش”، إذ اعتبروه اختراعًا استحدثـته وكالات الاستخبارات. ومع تتالي اعتداءات داعش ضدّ المتمرّدين، بدأت الفتاوى تصدر بكثرة مِن قِبَلِ علماء الدين السوريين. فأعلن عالِم الدين المعروف في الدوائر السلفية الجهادية، أبو بصير الطرطوسيّ، أنّ “داعش” منظّمة كالخوارج، وأنّ القتال ضدها يُعتـبَر جهادًا.

ويذكر الكاتب أنّه كانت ل”داعش” اليد العليا على المتمرّدينَ بفعل خمسة أسباب:
أولًا؛ أنه كانت لمقاتلي “داعش” خبرة عسكرية متفـوّقة نظرًا إلى قتالهم من قبلُ في أفغانستان والعراق.
ثانيًا: أن “داعش” استطاع استقطاب مجموعات سلفية جهادية وجذب مقاتلينَ أجانب.
ثالثًا: أنه لم يكن ثمّة دافع عقيديّ للقتال ضدّ “داعش”، في المراحل الأولى للقتال.
رابعًا: أنّ قتال المتمرّدينَ على جبهتَينِ، ضدّ “داعش” وضدّ النظام، أفقدهم فعّاليّتهم العسكرية.
خامسًا: أنّ الانقسامات التكتيكية والآيديولوجية والسياسية التي عصفت بالمجموعات المتمرّدة حالت دون تفوّقهم في الميدان ضدّ “داعش”.

هذه الأسباب ساعدت النظام الحاكم في سوريا في قتاله ضدّ المتمرّدين، واستعادته بعضَ الأراضي التي خسرها سابقًا لصالحهم؛ فيما حارب ضدّ “داعش” في مناطق مهمّة استراتيجيًّا فحسب… وبذلك، بحسب الكاتب، حافظ النظام على “تسوية مؤقّتة” مع “داعش” عسكريًّا واقتصاديًّا واستخباراتيًّا.
ويذكر الكاتب أنّ النظام الحاكم سمح ل”داعش” بنقل عتاده العسكريّ وأسلحته من مدينة تـدمر إلى حلب والرقّة، قبل بَدئِه بعملية استعادة تـدمر مدعومًا من روسيا وإيران.

ويشدّد الكاتب على أنّ النظام و”داعش” استفاد كل منهم من وجود الآخر لتعزيز شرعية وجوده في سوريا؛ إذ حشد “داعش” الدعمَ لصالحه من المقاتـلينَ السلفيين الجهاديين من جميع أنحاء العالَم بفعل اضطهاد النظام السوريّ للمتظاهرينَ والمتمرّدينَ في المراحل المتأخّرة من الحراك الشعبيّ في الشارع السوريّ. وفي المقلب الآخر، كان وجود “داعش” والسلفيين الجهاديين في سوريا سببًا لتلقّي الرئيس بشار الأسد دعمًا من محوَر روسيا وإيران وحزب الله، والمحافظة على بعض من الشرعية داخل سوريا والتمسّك بالسلطة عكس ما كان متوقّعًا في بادئ الهبّة الشعبيّة المعارِضة.
حاليًّا؛ يتركّـز النزاع بين النظام و”داعش” قرب تدمر؛ فيما يقاتل النظام ضدّ المتمرّدينَ في وسط وجنوب حلب، واللاذقية، وريف حماه، وضواحي دمشق.
ويخلص الكاتب إلى أن هزيمة المتمرّدينَ أو احتوائهم من قِبل النظام السوريّ قد يحدو النظامَ على التركيز على قتال “داعش”؛ لكن إلى حين ذلك، لن يخاطر النظام، مع قتاله ضدّ المتمرّدين، بأن يصبّ تركيزه العسكريّ لقتال “داعش”.

المصدر: الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى