سرد المجازفة الحقيقية في ‘بينوكيو’

يعيد كتاب “بينوكيو قصة دمية متحركة” للروائي الإيطالي كارلو كولودي من ترجمة الكاتب السوري الإيطالي يوسف وقّاص إلى الواجهة واحدة من أهم القصص تأثيرا في الادب الإيطالي.
والقصة في الكتاب الصادر مؤخرا عن منشورات المتوسط في إيطاليا ليست للتسلية بل أمثولة حول المجتمع والحياة. وكتب المترجم يوسف وقّاص في مقدمة الكتاب “ما أثار انتباهي، من خلال قراءات متفرّقة لمقالات نقدية عن هذه الرواية، أن معظم النّقّاد والأدباء يبدو أنهم يعرفون بينوكيو من نسخة والت ديزني المُبسّطة التي أنتجتْها هوليوود عام 1940، أو النسخة المختصرة التي أتّفق، بشكل ما، على أنها أكثر ملاءمة للأطفال، حيث الأحداث غالبًا ما تأخذ مسارات، لا علاقة لها بالقصّة الحقيقية.

ففي فيلم ديزني، نجد أن الكثير من الأحداث تُحذَف من القصّة، فجيبيتّو، والد بينوكيو بالتّبنّي، يبدو صانع ألعاب ميسورًا، وتبدو المدينة التي يعيش فيها وكأنها إحدى المُدُن السويسرية، وليست بلدة إيطالية فقيرة، كما تمتلئ ورشته بالألعاب الموسيقية والساعات الميكانيكية المعقّدة”.
ويضيف وقاص “أمّا في القصّة الأصلية، فجيبيتو ليس سوى نحّات خشب فقير. يبدأ الفيلم بإظهار بينوكيو دمية خشبية جامدة، ولا تُوهَب لها الحياة إلا عندما تُحقِّق الحورية لجيبيتّو أمنيّته في تبنّي طفل. في النسخة الأصلية الدمية حيّة منذ البداية، إذ إنها تستطيع الكلام، فنراها تصرخ وتتأوّه عندما يُنزل مَاسْتِرْ أنطونيو فأسه عليها، وهو ما يدفعه إلى إهدائها إلى صديقه جيبيتّو.

وتستمرّ قطعة الخشب في التّصرّفات الشاذّة، فتسخر من جيبيتّو، وتتسبّب في مشاجرة بينه وبين صديقه النجار أنطونيو.
عندما يصل جيبيتّو إلى منزله، يبدأ فى نَحْت الدمية، ولكنْ، ما إن يفرغ من نَحْت فمها، حتّى تبدأ فى السخرية منه، وإبراز لسانه
ا له. وعندما تظهر له يدان، تنزع باروكة جيبيتّو، وتضعها على رأسها، وعندما تمتلك ساقَيْن، تنسلّ من الباب الموارب، وتهرب.

منذ البداية، نجد أن بينوكيو كما تخيّله كولّودي، ليس فقط أكثر ذاتية من الولد اللطيف في فيلم ديزني، ولكنه أيضًا أقلّ بساطة بكثير.
ورغم سذاجته التي لا تخلو من الخبث، إلا أنه متمرّد، ويميل إلى الإيثار أيضًا، كما حَدَثَ عندما طَلَبَ من مُحرِّك الدمى مانجافوكو أن يُلقي به في النار بدلًا من صديقه أرليكّينو، أو عندما أنقذ الكلب أليدورو من الغرق.

بافتقاده السيطرة على انفعالاته، يستنفد بينوكيو السيطرة الخارجية. فبينما يركض في الشارع وخلفه جيبيتّو، يُوقِفه دَرَكي، ويُعيده إلى والده بالتّبنّي. وفي مبادأة يعرفها كل آباء الأطفال الصغار، يرتمي بينوكيو على الأرض، ويرفض متابعة المشي، فيتجمهر حشد من الناس حولهم، ويبدأون في لوم جيبيتّو المستبدّ، وفي النهاية، يُقنعون الدَّرَكي بزَجّ جيبيتّو في السجن.

يقول المؤلف عن الكتاب “إن القانون دائمًا غبيّ، وعادة ما يعاقب الضحية، وليس المجرم، إلا أنه في الوقت نفسه لا يحمي المغفّلين، وهو ما دفع القاضي- الغوريلاّ إلى الحُكم أربعة أشهر بالسجن على بينوكيو، لأنه سمح للثعلب وللقطّ أن يخدعاه، ويسلباه الليرات الذَّهَبيَّة الأربع”.
ويشيد الناقد إيتالو كالفينو بالرواية قائلا “يجب اعتبار رواية بينوكيو واحدة من الأعمال الكبرى في الأدب الإيطالي.. كتاب يتحدّث عن التشرّد والجوع، عن حانات سيئة السمعة، عن شرطة ومشانق، ويفرض طقس وإيقاع المجازفة الجريئة… مذ بدأت الكتابة، اعتبرت هذه الكتاب نموذجاً لرواية المغامرات”.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى