ما وراء الرمل والنفط: مستقبل الطاقة النووية في الشرق الأوسط (جاك كارافيلي)

 

جاك كارافيلي

عرض : رضوى عمار *

Jack Caravelli,Beyond Sand and Oil ,The Nuclear Middle East ,U.S.A: Praeger, 2011


يدور موضوع كتاب "ما وراء النفط والرمال : الشرق الأوسط النووي " ، حول مستقبل الطاقة النووية في الشرق الأوسط، وتنبع أهميته من أن كاتبه "جاك كارافيلي" قد عمل في العديد من دوائر صنع القرار الأمريكي، حيث عمل في مجلس الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات المركزية، ووزارة الطاقة الأمريكية. ومن ثم، فهو يقدم رؤية أقرب لرؤية صانعي السياسية الأمريكية.
وأشار الكاتب إلى أن اختياره عنوان الكتاب، جاء ليؤكد أن الرؤية التي تحصر الشرق الأوسط في صورة رمال تغطي بحرا من النفط رؤية سطحية، وأن هناك واقعا أعمق، يعكس حقيقة أنه من المزمع أن تزداد خلال السنوات العشر القادمة البرامج النووية في المنطقة.
وفي هذا الإطار، قدم الكاتب نظرة عامة على البرامج النووية لدول المنطقة، وقضايا منع الانتشار في الشرق الأوسط. حيث بدأ بعرض نبذة تاريخية لبرامج الطاقة النووية والأسلحة النووية في إسرائيل، وليبيا، والعراق، وإيران، من المنظور الأمريكي. ثم أبرز اهتماما بالحالة الإيرانية، والتي رآها أحد التحديات الكبرى.

مشروع إسرائيل النووي

يري الكاتب أن دول الشرق الأوسط، بعد الحرب العالمية الثانية بفترة قصيرة، أصبحت تسعي إلى الحصول على الصواريخ النووية. وتعد إسرائيل أولي دول المنطقة في هذا المسعي، ثم تبعتها باقي الدول. ويذكر الكاتب أنه على الرغم من أن إسرائيل دولة نووية لأكثر من أربعين سنة، فإنها لم تستخدم هذه القدرات ضد دولة نووية أخرى في الإقليم. وأشار إلى أن ذلك لم تكن له قيمة سياسية إبان حرب 1967، وكانت قيمته كرادع محدودة في حرب 1973
وتطرق الكاتب إلى فشل الدول العربية في تمرير قرار في الوكالة الدولية للطاقة الذرية بضم إسرائيل لمعاهدة منع الانتشار النووي، مما يمكن من خضوع المنشآت النووية الإسرائيلية للتفتيش الدولي، حيث رفضته 51 دولة، منها الولايات المتحدة الأمريكية، وأيدته 46 دولة، فيما امتنعت 23 دولة عن التصويت. ويدعم الكاتب السلوك الإسرائيلي باعتباره أن لها وضعا مختلفا عن باقي دول الإقليم، حيث تحيط بها دول جوار تكن لها العداء.

المشروعان النوويان الليبي والعراقي

عرض الكاتب أن العقيد "معمر القذافي" كان يري أن امتلاك الأسلحة النووية سيمثل قوة ردع لمنع التدخل في شئون ليبيا الخارجية، وأيضا يكسبها احتراما وزعامة على مستوي العالم العربي. وهو يشير في ذلك إلى أنه على عكس الحكومة الإسرائيلية التي لم تعلن سوي القليل عن برنامجها النووي، فإن "القذافي" كان يؤكد باستمرار تعهده بأن تظل ليبيا بدون أسلحة نووية. ويلاحظ أن ليبيا من الدول الأعضاء في معاهدة منع الانتشار النووي، حيث صدقت عليها في عام 1975.وفي عام 1980، تم التوصل لاتفاق تخضع بمقتضاه كل القدرات النووية الليبية للتفتيش.
ومن أهم ما اتسم به المشروع الليبي أنه على الرغم ما تم الإنفاق عليه من وقت وموارد، فإنه لم يكن هناك علماء في ليبيا يتمكنون من استغلال هذه الموارد التي قدمت من جانب الحكومات الأجنبية أو الأسواق السوداء. كما أنها فشلت في شراء أسلحة نووية كاملة مرتين.
ويشير الكاتب إلى أن ليبيا قررت في ديسمبر 2003 التضحية بمشروعها للأسلحة النووية في مفاضلة لصالح أولويات تعلقت بالسياسة الداخلية والخارجية. كما قامت في مارس 2005 بتوقيع معاهدة بليندابا التي تدعو إلى إنشاء منطقة إفريقية خالية من الأسلحة النووية. ويذكر أن البرادعي كان يري أن ليبيا أمامها ما بين ثلاث وإلى سبع سنوات للوصول للأسلحة النووية.
وعلى عكس ليبيا التي اعتمدت بشكل مكثف على المساعدة الخارجية لتطوير برنامج الأسلحة النووية، اعتمد العراق على علمائه الذين تجنبوا المساعدة الخارجية الرسمية، أو الوجود الأجنبي في العراق، خاصة بعد أن شنت إسرائيل ضربة جوية مفاجئة عام 1981 على مفاعل أوزيراك. ويري الكاتب أن البرنامج النووي العراقي كان من الممكن نجاحه بنهاية التسعينيات في إعطاء "صدام حسين" الأسلحة النووية التي سعي إليها. لكنه فشل بسبب طموحه السياسي، خاصة بعد غزو الكويت 1991، وما ترتب عليه من زيادة الضغوط على العلماء العراقيين، وخضوعهم للمراقبة الدولية التي لم يستطيعوا التغلب عليها.

المشروع النووي الإيراني

رصد الكاتب ثلاثة عوامل يمكن أن تؤثر في تطور المشروع الإيراني: تطوير مجموعة شاملة من العقوبات التأديبية لشل الاقتصاد الإيراني، دعم "الحركة الخضراء" أو "الثورة الخضراء" التي عبرت عن الغضب الداخلي من سلوك النظام الحاكم، إبان وبعد انتخابات الرئاسة في يونيو 2009، احتمال القيام بعمل عسكري مهمته يمكن أن تكون تدمير أو على الأقل تهديد المنشآت النووية.
وهو ما يتم طرحه في سياق تجربة إسرائيل السابقة التي نجحت في ضرب المفاعل أوزيراك العراقي في عام 1981.غير أن الحالة الإيرانية مختلفة، لأن المنشآت الإيرانية النووية ممتدة في الدولة. كما أن إيران لديها منظومة دفاع جوية متطورة حول المواقع الحساسة، إلى جانب قدراتها المتطورة على شن هجمات صاروخية ضد القوات البحرية العدو في مضيق هرمز، وأجزاء من الخليج الفارسي.
ويخلص الكاتب إلى أن الصورة الواضحة لمدي دور القوي النووية في الشرق الأوسط تحتاج إلى عقد أو أكثر. فإنشاء محطة طاقة نووية، بعد تخطي عقبات التمويل والتنظيم، يمكن أن يمتد من ثمانية إلى عشرة أعوام تقريبا. فقد استغرق إنشاء محطة بوشهر في إيران نحو خمسة عشر عاما. وفي هذا السياق، أشار الكاتب إلى وجود العديد من الدول الأخري التي أعلنت عن نياتها بشأن الوصول إلى الطاقة النووية السلمية، مثل الإمارات العربية المتحدة، والأردن، والسعودية، ومصر، وتركيا..

*باحثة دكتوراه في العلوم السياسية، جامعة القاهرة

مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى