مطرقة سويدية نقدية تهوي على رأس أدونيس

صدرت حديثاً في ستوكهولم الطبعة السويدية لأحدث كتب أدونيس:”العنف والاسلام”، وهو حوار طويل أجرته معه أستاذة علم النفس الفرنسية – المغربية حورية عبد الواحد. عن هذا الكتاب كتب ريكارد لاغرفال، الكاتب وأستاذ علم الاسلاميات في جامعة لوند، مقالة نقديةلا يبدو أنها ستسر أدونيس الذييحل هذه الأيام ضيفاً في معرض غوتنبرغ الدولي للكتاب. فالكاتب لم يجامل في تقييمه للكتاب انطلاقاً من تخصصه المعرفي، فجاءت مقالته بمثابة مطرقة نقدية هوت على رأس الشاعر العربي في عقر دار جائزة نوبل التي رشح لها أكثر من مرة.

يأخذ لاغرفالعلى أدونيس – أول ما يأخذ – أنه ما أن طلبت المحاورة منه تفسيراً لفشل “الربيع العربي” حتى أطلق جملة من الصياغات العمومية والمعلومات الخاطئة تماماً،وقدم نفسه على أنه المفكر المجدد العربي الوحيد!

في هذا الكتاب يصف أدونيس الاسلام بأنه نوع من الجوهرانية. ويعقب ريكارد لافال على هذا بالقول أن أدونيس نفسه أعطى للدين وصفاً يتسم هو ذاته بالجوهرانية بأنقى أشكالها وذلك عندما قدم “داعش”على أنها أوضح ممثل لجوهر الاسلام. إن أدونيس، يضيف الكاتب، لا يناقشالتطور الاجتماعي في بلدان معينة خلال فترات معينة، وإنما يتحدث عن “المجتمع العربي” بإطلاق،وعن “الرجل العربي” في هذا المجتمع، وعن “الاسلام” الذي يؤمن به هذا الرجل. ووفق هذه المفاهيم المطلقة يقدم أدونيس الاسلام كضخامة غير قابلة للتغيير موجودة خارج التاريخ. أما الظواهر التي لا تنسجم مع تعريف أدونيس فيعتبرهاخارج الاسلام، فهو يقرربأنه “لا إبن رشد ولا إبن سينا ولا الراوندي كانوا مسلمين بالمعنى الحقيقي”؛ ويكرر عدة مرات بأنه لم يوجد في أي وقت شاعر عربي كبير ولا صوفي ولا فيلسوف مسلم صادق الايمان، فجميعهم كانوا رافضين للشريعة ونأوا بأنفسهم عن السلطة. إن هذا، يعقب لاغرفال،يمكن أن ينطبق على الفيلسوف الملحد الراوندي(رغم أن أفكارهلم تحفظ سوى كمقتبسات في كتب أعدائه)،ولكن الفيلسوف الأرسطي إبن رشد كان ناشطاً كقاض، وكان كتابه “بداية المجتهد” أحد أهم مصادر المذهب المالكي لتفسير الشريعة؛ أما إبن سينا فكان طبيب البلاط ووزيراً عند أكثر من حاكم، وكانت فلسفته المطبوعة بالأفلاطونية الجديدة محاولة لتوحيد الصوفية الاسلامية مع عقلانية المنطق؛ فيما كانت أعمال الصوفي ابن عربي محاولات لاقتناص الحضور الرباني الذي لم يكن من الممكن التعبير عنه بالكلمات. ويضيف بأن داعش تتفق مع أدونيس في أن ابن عربي لم يكن مسلماً ولكن ابن عربي نفسه، والملايين من مريديه حول العالم حتى في أيامنا هذه، سيعتبرون هذا القول إهانة.

ويرى أستاذ علم الاسلاميات أن أدونيس، مثله مثل العرب الذين هم موضوع انتقاده المستمر، يعود الى الماضي ليعثر على رؤى بديلة ويستعيد أولئك الخاسرين في التاريخ الاسلاميوالذين صنفوا كمهرطقين. ولكن في الوقت الذي وجد فيه المفكر الجزائري – الفرنسي محمد أركون، من خلال أسلوب مماثل، منظورات جديدة الى القرآن وتاريخ الفكر العربي، لا تغدو النتيجة لدى أدونيس سوى مفارقات تأريخية(Anachronism) يصعب استخدامها في سياقها الزمني، مثالذلك وصفه لحركات القرن التاسع بأنها حركات للحقوق المدنية تمثل الأفكار الحديثة كالاشتراكية والديمقراطية وحقوق الانسان!

يجادل لاغرفال أدونيس ومحاوِرته في رؤيتهما لقضية الاسلام والمرأة، ويستغرب حركة أدونيس الخطابية عندما تساءل: “لماذا لا تُذكَر كلمة واحدة عن حرية النساء؟”. فأدونيس لا يذكر شيئاً عن النقاشات الحادة في هذا الشأن خلال القرون الأخيرة، ولاعن نضال النساء في مختلف بلدان الشرق الأوسط، في حين يشير هو ومحاورته الى “داعش” والوهابية السعودية باعتبارهما تمثلان نظرة الاسلام الى النساء. ويقول لاغرفال متهكماً أن المساهمة التي يقدمها أدونيس لنضال النساء هنا هي تمجيداته المفخمة من قبيل: “شعرياً، الكون هو أنثى”، أو “تأتي لغة الثقافة من الأب، ولغة الطبيعة تأتي من الأم”.

وفقاً لأدونيس، عنى الاسلام تراجعاً في مكانة النساء بالمقارنة مع ما كانت عليه سواء في شبه الجزيرة العربية قبل الاسلام أو في الامبراطورية الرومانية. يعقب ريكارد لاغرفال على ذلك قائلاً: في حقيقة الأمر تشير معظم المعطيات الى أن ظهور محمد جلب معه تقييداً لسلطة الرجال على النساء. ففي الامبراطورية الرومانية كانت النساء على الدوام تحت وصاية ذكورية وكن يُزَوَّجْن وهن في سن الحادية عشرة. وفي الدولة العثمانية أعطت المحاكم الاسلامية حماية ضد الزيجات المدبرة أكبر مما أعطته المحاكم المسيحية واليهودية. ويؤكد بأن هذا كان واقع الحال ولكن لا تذكرهالمراجع الخاصة بتاريخ الفكر العربي وإنما تقتصر على ذكر الأسماء الرنانة، فيما تُدخِلفي سردها التأريخي مفاهيم مثل العلمانية والمدنية لا لشيء سوى كإشارات فخمة من دون مناقشة لمعانيها.

يختتم أستاذ علم الاسلاميات مقالته بالقول أن أدونيس يأخذ راحته كشاعر عند حديثه في التاريخ، وتاريخ الفكر، العربيَّين، مثلما فعل في رائعته “الكتاب – أمس المكان الآن”، ولكنه حين يترك الشكل الشعري تصبح النتيجة مناقشة سطحية تجعل من مقاومة الحقائق فضيلة. فالكتاب لا يحتوي– حسبما يرى لاغرفال -أية فكرة ذات قيمة، وحتى المعلومات الخاطئة فيه جاءت خالية من الابداع؛ وهو يجد أن النقطة المضيئة الوحيدة في هذه الحكاية المحزنة هي الترجمة الجيدة للكتاب!

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى