ميشال كامبس: «الأمة العثمانية» ليست خيالاً

ميشال كَامبس: أخوة عثمانيون – مسلمون ومسيحيون ويهود في فلسطين مطلع القرن العشرين.

Michelle U. Campus, ottoman brothers: muslims, christians, and jews in early twentieth-century palestine. stanford university press, california 2011. 510 pp.

ميشال كامبس، صاحبة «أخوة عثمانيون – مسلمون ومسيحيون ويهود في فلسطين مطلع القرن العشرين»، أستاذة محاضرة في التاريخ في «جامعة فلوريدا الأميركية». وموضوعة المؤلف الرئيسة تتناقض على نحو شبه كامل مع الأطروحات السابقة عن الأوضاع في فلسطين/ العثمانية في العقد الأول من القرن الماضي. مع أنها تعتمد على مؤلفات صدرت قبلاً عن المادة، إلا أنها تعد عملها إبداعاً دراسياً للنضال من أجل محتوى والمواطنة وشكل الانتماء للأمة عشية تحلل الإمبراطورية العثمانية. ميشال كامبس ترى أن في جوهر الثورة العثمانية ما يمكن تسميته بالعثمانية المدينية، أي برنامج جذري لخلق مواطنة عثمانية تدفع باتجاه هوية اجتماعية- سياسية عثمانية توحد كل مكونات ما تدعوه الأمة العثمانية. ومن خلال تتبعها علاقات المسلمين والمسيحيين واليهود في فلسطين، تثبت أن الأمة العثمانية لم تكن متخلية وإنما حقيقة ملموسة. ترى الكاتبة أن الثورة العثمانية شكلت مصدر إلهام لشرعنة ثورة الفلاحين على الإقطاعيين، وأيضاً لتعبئة الأرثوذكس من يونان وأرمن ويهود شرقيين ضد تحكم قادتهم الدينيين والتحرر من سلطتهم وفق الشعار الذي رفعته وهو: حرية، أخوة، مساواة.

هذا يوضح ـــ برأي المؤلَّف ـــ وجود شعور مواطنة إمبراطوري (عثماني) موحد، وليس قومياً منفرداً، ضد الإمبراطوريات الاستعمارية، وتقدم دليل على صحة رأيها بتقديم مثال عن توحد مواطني الدولة العثمانية في مقاطعة بضائع الإمبراطورية المجرية – النمساوية بعد اقتطاعها إقليم البوسنة والهرسك من إسطنبول وضمه إلى أراضيها في عام 1908. بعدما ثبتت صحة رأيها في وجود انتماء عثماني شامل، خصصت الكاتبة فصلين للحديث عن كيفية تمظهر المواطنة الفلسطينية العثمانية حيث تمتع سكان فلسطين بحرية ممارسة معتقداتهم وحقوق المواطنة المكتسبة جديداً.

كما عملت المؤلفة على تتبع تنافس المواطَنيَّات في الإمبراطورية العثمانية حيث ظهر عدم تساوٍ بينها في مجالي الحقوق والواجبات. ومن الأمثلة العديدة التي استحضرتها المؤرخة الأميركية النقاش الذي دار في الصحافة، مع التشديد على أنها كانت متعددة اللغات في موضوع فرض التجنيد الإجباري على غير المسلمين من مواطني الإمبراطورية.

وعلى الجانب الآخر، توضح الكاتبة أن تدخل القوى الأوروبية الكبرى وهي الإمبراطورية المجرية-النسماوية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا القيصرية، شجعت النزعات الطائفية والانفصالية المسيحية في أقاليم الدولة العثمانية في اليونان وبلغاريا ورومانيا والبلقان، في مواجهة نزوع الثورة العثمانية لتوحيد مواطنيها ضمن هوية واحدة متعدد اللغات والثقافات. تعود الكاتبة لتؤكد مدى قوة الوحدة التي كانت قائمة بين مسلمي فلسطين من العرب ويهودها في العقد الأول من القرن الماضي. العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي كانت قائمة بين مسلمي فلسطين من العرب ويهودها ومسيحييها، انطلقت على أساس الهموم المشتركة للسكان.

على سبيل المثال، تورد الكاتبة أرقاماً عن إحصاء سكان مختلف حارات القدس القديمة عام 1905 ليتبين أن ثلاثاً فقط كانت متجانسة دينياً، بينما حوت الحارات الخمس المتبقية سكاناً ينتمون إلى أديان وطوائف دينية مختلفة. كما تستشهد الكاتبة بالمذكرات الشخصية للفلسطينيين العائدة إلى تلك الفترة والتي عكست تآخياً بين مختلف المكونات الدينية في البلاد. وتؤكد أن علاقات التأخي كانت قائمة بين المزراحيم وبقية العرب في فلسطين، بل إنّ الصدام بين الطرف الأول والمهاجرين من يهود أوروبا، الذين تحدثوا بلغات مختلفة أهمها اليديشية التي تعرف بأنها لهجة ألمانية تشكل 80% من مفرداتها، منع قيام أي رابطة بينهم. وصل النزاع إلى حد قيام اليهود الإشكناز عام 1867 بالطلب من قيادات فلسطينية إسلامية التوسط لدى الباب العالي، متوسلين الاعتراف بهم ملة قائمة بحد ذاتها.

عملت الكاتبة عبر كل فصول الكتاب على تأكيد خطأ الادعاء القائل بأن فلسطين في العقد الأول من القرن الماضي سيطر عليها الاضطهاد والتخلف والكراهية المتبادلة بين الطوائف. على العكس من ذلك، فلسطين مرت في تلك الفترة بحقبة تطور وإصلاح ومشاركة سياسية نشيطة من المسلمين والمسيحيين واليهود. فشل الثورة العثمانية هو الذي أدى إلى تراجع في وتيرة الإصلاح وتوحيد مختلف قطاعات سكان فلسطين ضمن الهوية العثمانية المشتركة التي أزعجت القوى الاستعمارية الأوروبية التي عملت على تحطيم ذلك والمسارعة إلى إعادة بناء حدود المشرق العربي على أسس دينية ومذهبية، وهو الأمر المتجدد في المشروع الاستعماري الشرق الأوسط الجديد.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى