هشام النجار يؤكد أن الإسلام ليس ضد أصل الفن

يسعى الباحث هشام النجار في كتابه “المصالحة بين الإسلام والفن” إلى مشروع فكري بديل برؤى منهجية ونقدية عميقة لعلاقة الإسلام بالفن، كاشفا عن بدائل موضوعية وضامنة لحماية المنهج الإسلامي المتوازن ممن يشوهونه ويلصقون به ما ليس فيه من تصورات معادية أو مصادمة للقيم الفنية والإبداعية والجمالية، يطرح فيها التصور الإسلامي الراقي للتعامل مع الواقع الفني ورموزه. فضلًا عن مناقشة ومعالجة الإشكاليات الفنية والثقافية التي صاحبت ظهور تنظيم داعش وواكبت أطروحاته وممارساته العدائية للثقافة وللفنون بأنواعها وتقديمه لنموذج خاص به.

وطرح تصورا نقديا شاملًا يهم الفنانين والمبدعين ويهم كل صاحب رسالة وغيرة على الدين وصولًا لأداء إبداعي وفني متناغم يخدم الأمة والأوطان والإسلام، ويضع الجميع أمام مسئولياتهم في مواجهة التحديات العتيدة الضخمة التي تواجه الأمة في هذا المجال.

رأى النجار في كتابه الصادر عن دار سما أن الكلام عن الشهوات والملذات فيه تفصيل وتدقيق فى الشريعة؛ فليس كل شهوة تصبح محرمة بدون دليل أو حجة أو برهان، وليس كل شهوة محرمة يحرم بالتبعية الحديث عنها أو تناولها ومعالجتها دراميًا أو بالنقاش الفكري أو العمل الإبداعي بالضوابط اللازمة وبصورة تتناسق مع الرؤية الإسلامية.

وأكد أن الإسلام ليس ضد أصل الفن، لكنه يتعامل بندية في مواجهة الهبوط والإنحراف والفساد والإبتذال، بمعنى أنه لا يعارض أصل الأشياء ولا يسعى لنفيها وطمس ملامحها واجتثاثها بالكلية، إنما يواجه الجزئيات المنحرفة ويتعامل معها بروح المنافسة والنقد لردها للأصل الطيب، أو على الأقل لتقليل تأثيرها الجماهيرى المجتمعي السييء وجذب جمهورها العريض نحو التوظيف الأمثل للفن ونحو إنتاج مبدعيه المخلصين لرسالته السامية؛ فالمواجهة في الأساس ليست مع الفنون ـ كونها فنونًا ـ إنما مع جزئيات عارضة وفروع وممارسات طارئة، أما الفن فساحاته وعطاءاته رحيبة فسيحة تسع الجميع.

وأشار النجار إلى أنه بالنظر إلى المصلحة والمفسدة، فتمرير حفلات الزفاف التي تؤسس لزواج معلن وتبنى أسرا جديدة وتشجع على إقبال الناس والشباب على ذلك ـ وان حدث فيها بعض التجاوز لإظهار الفرحة ـ أولى وأجدى من إفساد فرحة الناس وتتبع هذه المناسبات بالإعتداء والتضييق بحجة بعض المخالفات التي لا ترقى بحال لجريمة الزنا والعلاقات المحرمة.

وقال “للجمهور الحق في حيرته وإندهاشه وعدم تجاوبه مع المعادل الإسلامى الذي يطرح نفسه كبديل لكل ما هو قائم؛ فإذا كان من يحمل عناوين إسلامية يقدح ويطعن في الفن القائم على أساس ديني فلا بد من التساؤل عن وطنية إنتاج كثير من رموز هذا الفن ونبل مقاصده وحمله لكثير من القيم الإسلامية والإنسانية. لا يوجد كيان محض شر ولا مؤسسة كلها شرور ومفاسد وإنحرافات، وداخل كل كيان ومؤسسة ما هو نافع وخير، لأن هذا هو الأصل، والشرور والمفاسد والإنحرافات طارئة وليست أصيلة في التكوين الإنسانى والمجتمعات البشرية”.

ولفت النجار إلى أن هناك كثيرا من الرموز الفنية والثقافية من يحمل الخير والصدق والإخلاص والرغبة في خدمة قضايا وطنه ودينه، ورسالته الأولى دعم تماسك المجتمع ونشر السلام والمحبة، وعلى إمتداد تاريخ الفن المصري والعربي هناك جوانب مضيئة وزوايا يتاح من خلالها مد جسور التعاون والتواصل والتكامل، وأهمها ذلك النضال المشهود للمثقفين والفنانين الوطنيين ضد الإستعمار ودورهم في إنضاج وعي الشعب وإلهاب حماسته للرفض والغضب والكفاح ليسترد كرامته وحقوقه.

وأوضح أنه لا بد من أن نتعرف على الفن “الكادي” والأدب “الكادي”، عندما قال الرسول “إن كاد ليسلم في شعره”، فالكاديون هم مسلمو الشعر والأدب والغناء والدراما والإبداع وإن لم يكونوا مسلمين عقيدةً، وهي العبارة التي تنطبق بإمتياز على كم هائل من عيون الأدب والفن العالمي الذي أنتجه مبدعون ومفكرون وفنانون عالميون وعرب غير مسلمين عقائديًا، لكنهم إلتقوا حضاريًا مع غايات الإسلام وروحه ومقاصده، أمثال تولستوي وبوشكين وجوتة وبرناردشو وأناتول فرانس وإدجار ألان بو ومارون عبود وغيرهم، فهم وإن لم يعتنقوا الإسلام صراحة فإن إنتاجهم الفني والإبداعي إنتاج إسلامي ويكاد ينطق بالشهادتين بحسب هذا التوصيف النقدي الدقيق من النبي البليغ البصير صلى الله عليه وسلم عندما قال “إن كاد ليسلم في شعره”.

وشدد النجار على أن المنهج الإسلامي ليس غريبًا على الأرض والكون والمجتمع، فهو قبل مجييء رواده والمنافحين عنه ورموزه مرتبط بالحياة وبالتاريخ وبالوجود، ولذلك ففي المجتمعات وعند الناس وفي أعرافهم وثقافاتهم وتقاليدهم وقوانينهم، بل وعند حضارات وثقافات الخصوم أيضًا الكثير مما يتفق معه ومما يفيده ويدعمه ويصلح لإنطلاق مسيرة التكامل معه.

وأوضح أن السلوك الصحيح ليس المفاصلة التامة عن الوجود والمجتمع أو حتى عن الخصوم واختيار العزلة عنهم ومقاطعتهم شبه النهائية، مما قد يعتبرهم البعض أعداءً خالصين تجب منابذتهم، وليس الإنقطاع عن الواقع بزعم ضرورة هدم القائم ثم البناء من جديد، إنما البناء على ما هو قائم من خير وإيجابيات، والإستفادة مما عند الشركاء والفرقاء من مشتركات ومما تتيحه قوانين وأعراف المجتمعات لضمان حماية المنهج وتوسيع دائرة مريديه.

وطالب النجار أن يتسق ويتحالف ويتعاون الدين والفن معًا لغايات واحدة لخدمة الإنسان وقضاياه وترقية مفاهيمه وأشواقه ومشاعره وثقافاته ومعارفه، ونتيجة هذا التكامل وثمراته هي المنتصرة والغالبة جماهيريًا بطبيعة الحال؛ فغالبية الجماهير يميلون بحكم الفطرة والانجذاب للجمال والإبداع الحقيقي إلى الأعمال الفنية الراقية الهادفة.

وقال “حتى لو بدأ أحد الفنانين والمبدعين بداية جانحة متحررة وقدم قبل فترة نضجه الفني والإنساني بعض الأعمال المنفلتة أو الهابطة أخلاقيًا، فإن نداء الفطرة والوعي سرعان ما يغلب، ليبدع الفنان أعمالًا للتاريخ وللأجيال وللوطن وللدين تخلد ذكراه، وهذا النداء الكريم إستجاب له الكثيرون في ساحة الفن من مؤلفين ومخرجين ألفوا وأخرجوا روائع درامية اجتماعية وتاريخية خالدة، وممثلين ومطربين وفنانين إستمروا في الساحة وأثروها بأعمال راقية مميزة بعد البدايات المنفلتة المتحررة”.

ووجه النجار رسالة للمنسحبين من مجال الفن بزعم التدين متسائلا: لماذا لا ينسحب أصحاب القيم والأهداف النبيلة وحملة الرسالة من مؤسسات بها فساد أو إختلاس أو رشوة غير مؤسسة الفن؟ وتلك هى طبيعة أي كيان وأي تجمع بشري، فإذا حدث هذا الإنسحاب الجماعي بزعم وجود إنحرافات وفساد في هذه المؤسسة أو تلك لانزوى الخير ولانهارت الفضيلة وإنهزم المعروف وضاعت القيم واختفى أصحاب الضمائر الحية والمبادئ النبيلة.

وقال: “فنانونا المعتزلون ما كان يجب عليهم الإنسحاب من الساحة الفنية الإبداعية، حتى وإن إشتغلوا في مجال الدعوة أو الأعمال الخيرية؛ فالفن أولى بهم وبمجهوداتهم ومواهبهم وخبراتهم، ليس فقط لتعويض ما فات بأعمال أكثر التصاقًا بهم وتعبيرًا عن قناعاتهم وأفكارهم التي نضجت أخيرًا ورست على شاطئ الرشد والبر والخير”.

ورأى النجار أن “التوبة فقط تكون عن بعض المعاصي التي ارتكبوها والأخطاء التي وقعوا فيها كشأن أي انسان في أي مجال من مجالات الحياة، فميدان الفن ليس وحده الذي ترتكب فيه المعاصي وتحدث به الإنحرافات، وليواصلوا مسيرتهم الفنية بروح شغوفة لإصلاح المجتمع ونصرة الخير والإرتقاء بالإنسان.

إن توبة من إعتزلوا ومن إعتزلن في قمة إزدهارهم ناقصة، ولن تستكمل إلا برد الحقوق لأهلها وباعطاء التجربة حقها كاملًا وافيًا، فكيف بالتائبين لا يتركون في ساحة الفن وعلى الشاشات وذاكرة السينما إلا الأعمال الهابطة التى تسيء لتاريخهم؟ وكيف لا يسعون إلى محو هذا الإنتاج وتقليل تأثيره الجماهيري بإنتاج آخر إيجابى مواز راق ينسجم مع الحالة الجديدة والقناعات والغايات السامية.

إن المحك الحقيقي في الطرح الفني هو الإنتاج والعمل؛ فمن يريد أن يتحدث في الفن فليتحدث عن نفسه ويذكر إنجازاته وأعماله مهما كان فيها من قصور أو بعض نقص فليس هناك عمل بشري كامل؛ والحضور مع بعض تقصير وبعض الأخطاء خير آلاف المرات من غياب وجمود.

ووجه النجار أسئلة مهمة قال إنه يجب توجيهها لفنانينا ومبدعينا الكبار “هل الشخص المتدين هو فقط المنتمي لجماعات وتنظيمات كالإخوان وغيرها فقط؟ ألا يوجد متدينون غير منتمين سياسيًا وغير منضمين لجماعات وتنظيمات؟ وألا يوجد نموذج لشخصية متدينة مصرية غير متزمتة وغير متعصبة ومتجهمة ومعقدة نفسيًا؟

وألا يوجد في مجتمعنا المصري والعربي نموذجًا للإنسان المتدين يجسد الجانب الإنساني الإيجابي، فهو ليس أنانيًا ولا شهوانيًا ولا ماديًا ولا زير نساء في الخفاء ولا وصوليًا متسلقًا ولا منافقًا ولا نصابًا.. الخ، إنما مناضلًا في سبيل الخير وساعيًا بالمعروف وخلوقًا مع جيرانه وأهل بيته ومعارفه وصادقًا ونبيلًا في خصوماته ومعاركه وشهمًا في علاقاته الإنسانية.. الخ؟

ألا يوجد نموذج للمتدين الذي يحب الفرح والمرح والسعادة وينشر البهجة في محيطه وفيمن حوله، المتصالح مع نفسه المثقف المطلع المدرك جيدًا لحقائق دينه ثقافيًا وحضاريًا وفكريًا، وليس فقط النموذج المطروح دائمًا فنيًا، ذلك المتجهم المتزمت المعادي للبهجة والموسيقى والفنون والإبداع ، الكاره نفسه والناس حوله؟”

وأكد أن شخصية المتدين المصري والعربي لم تجد كيانًا ثقافيًا محترفًا ومنظمًا ينهض بالتعبير عنها وإنصافها وطرح رؤاها ومعالجة قضاياها بشكل شفاف متجرد، وحمايتها والدفاع عنها كما يجب.

ورأى أن “الفنانين عادة يستخدمون الأكاذيب لإخبار الحقيقة، لكن هناك منهم أيضا من يستخدم الحقائق لترويج الأكاذيب وتضليل البشر، فأين جهود المبدعين العرب والمسلمين في استخدام الخدع السينمائية وهذا الأسلوب الفني الساحر الذي يقبل عليه الناس بشكل مذهل لكي يخبروهم عن الحقائق وعن الرواية الصحيحة للتاريخ والوجود، مع إيصال وجهات نظرهم السياسية وموقفهم من الأحداث والمستجدات”.

ورأى النجار أن موازين القوى السياسية في العالم اليوم تعكس بصورة واضحة كيف لعبت الفنون والفعل الثقافي الإستراتيجي المدروس الدور الأكبر والأهم في تشكيل خريطة موازين القوى السياسية، حتى يكاد يتوزع النفوذ الدولي والإقليمي اليوم بين من يمتلكون منافذ وأدوات مخاطبة العالم حضاريًا وثقافيًا وفنيًا بين إيران والغرب والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، لتصبح مقولة أفلاطون هي الأكثر صدقية وتحققًا على الأرض عندما قال “رواة القصص هم من يحكمون العالم”.

وقال “نحن لا نتحدث عن وحدة عربية إنما عن تنسيق مصالح يجعل العالم العربي سينمائيًا وإعلاميًا في حال من القوة، وهذا التنسيق لا يحتاج إلى ملايين، ولا إلى تكنولوجيا الفضاء ولا إلى خبراء أجانب، وإنما فقط يتطلب إعمال العقل في كل بلد عربى على حدة وبين كل الدول العربية مجتمعة، فكما أن القوة لا تبدأ من خارج العالم العربي الى داخله، كذلك فالقوة لا تبدأ بالدول العربية معًا، وإنما من داخل كل دولة عربية أولًا، وتملك كل دولة عربية من الطاقات البشرية ما يمكنها من تحقيق قوتها السينمائية والإعلامية”.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى