التقنية في العالم.. تثير القلق

 

قبل أربعة أعوام –وتحديداً في عدد مايو/يونيو 2014م، حذَّرت القافلة في مقال بعنوان “بين الرقمنة والمراقبة الحياة الشخصية في مهب رياح التكنولوجيا”– من عواقب التعامل باستهتار مع البيانات الشخصية. وقالت بوضوح إن “كل الخدمات التي لا تطلب رسوم اشتراك، تحصل على الأموال من خلال بيع المعلومات”. وعلى الرغم من أن الحكومات والدول كانت تعرف ذلك منذ البداية، إلا أنها لم تتحرَّك إلا بعد أن اكتشفت في شهر مارس من هذا العام، أن القضية لا تتعلق بالحياة الشخصية للمستخدمين فحسب، بل يمكنها أن تؤثر أيضاً على مصائر الدول، ووصلت الشكوك إلى تأثيرها على نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا، الأمر الذي دفع إلى موجة غضب عارمة، والمطالبة بمثول الرئيس التنفيذي لشركة “فيسبوك” مارك زوكربيرغ أمام الكونجرس الأمريكي والبرلمان الأوروبي ومجلس العموم البريطاني.

وردت في السنوات الأخيرة تقارير كان من المفترض أن تدق ناقوس الخطر لدى كثيرين، ففي عام 2013م، اعترفت “فيسبوك” بأنها كشفت بيانات المستخدمين لجهات حكومية، مؤكدة في الوقت نفسه على أنها تحمي بيانات مستخدميها إلى أقصى حد، وأنها أعطت الجهات الحكومية الأمريكية بيانات أقل بكثير مما كانت تتوقَّع الأخيرة.

وفي عام 2015م كشفت دراسة أعدَّها باحثون من جامعتي كامبريدج البريطانية وستانفورد الأمريكية، شارك فيها 86220 من مستخدمي “فيسبوك”، أنه بالإمكان إجراء رصد دقيق لمجموعة من السمات الشخصية من خلال خاصية الإعجاب على موقع “فيسبوك”. وكان هناك تصريح لافت آنذاك لديفيد ستيلويل الباحث المشارك من جامعة كامبريدج قال فيه إن البيانات الدقيقة التي تظهرها التقنية تساعد الفرد في تحسين اتخاذ قراراته المجتمعية والشخصية، مثل الزواج والثقة أو حتى انتخاب رئيس.

يبدو أن شركة “كامبريدج أنتاليتيكا” التي تأسست عام 2013م، أدركت إمكانية الاستفادة من هذه النتائج في تحقيق المكاسب، واستعانت في ذلك بألكسندر كوجن، أستاذ علم النفس بجامعة كامبريدج، الذي استنسخ طريقة هذه الدراسة نفسها، وطور تطبيقاً في “فيسبوك” في يونيو 2014، لصالح هذه الشركة، أطلق عليه اسم (هذه حياتك الرقمية)، وأقبل عليه آلاف المشتركين، الأمر الذي أتاح للشركة جمع معلومات عنهم وعن كل أصدقائهم المتصلين بهم. ومن خلال هذه المعلومات استطاعت معرفة توجهاتهم السياسية، وبالتالي وضع المواد المناسبة للتأثير عليهم، بحيث يدلون بأصواتهم لصالح المرشح الذي تدعمه الشركة.

وعلى الرغم من أن “فيسبوك” علمت في عام 2015م بما قامت به شركة “كامبريدج أنتاليتيكا”، فإنها لم تر مبرراً لإبلاغ المشتركين بما تعرَّضت له معلوماتهم الشخصية من إساءة استخدام، واكتفت بمطالبة الشركة بالتوقف عن ذلك، ومحو البيانات التي جمعتها. وهذا ما دفع زوكربيرغ إلى الاعتراف بأن شركتــه ارتكبـت أخطاءً، بعد خمسة أيام من كشــف صحيفتي “أوبزرفر” البريطانية و”نيويورك تايمز” الأمريكية، قيام شركة “كامبريدج أناليتيكا” بجمع بيانـات 50 مليـون حسـاب على فيسبـوك من دون علم المستخدمين بذلك. ولاحقاً، صححت وكالة “بلومبيرج” الرقم قائلة إنه 87 مليون مستخدم.

خسرت “فيسبوك” خلال يومين فقط 60 مليار دولار من قيمتها. وانكمشت ثروة زوكربيرغ إلى 66 مليار دولار (بعد أن كانت 76,6 في مطلع هذا العام)، وبدأت حملة تدعو لمحو تطبيق “فيسبوك” من أجهزة الجوَّال، وارتفعت الأصوات المطالبة بتدخل الحكومات في عمل أكبر شبكة تواصل اجتماعي في العالم.

لكن الأيام والأسابيع الماضية كانت كفيلة بأن تهدأ العاصفة، ويعود الناس من جديد إلى عاداتهم اليومية، ليقضوا في المتوسط 50 دقيقة يومياً على فيسبوك، وينظروا إلى الجوَّال بمعدل 88 مرة يومياً، حتى ولو علموا أن زوكربيرغ أجاب صديقاً سأله عما يجعل الناس ينشرون طواعية تفاصيل حياتهم الشخصية على موقع “فيسبوك”، بقوله “لأنهم في قمة الغباء”.

ليس من المتوقع أن تقضي هذه الأزمة على فيسبوك. ربما يتراجع عدد المشتركين، لكن الإنسان عادة لا يحب تغيير عاداته اليومية مهما كانت.

ليست دعوة للحسد بل للتأمل

تحظى قائمة “فوربس” التي تصدر سنوياً حول أغنى الشخصيات في العالم وحجم ثرواتهم، باهتمام كثيرين، ويفكر البعض ماذا كان سيفعل، لو امتلك هذه الأموال الطائلة. لكن نظرة أعمق إلى الأمر، تجعل الإنسان يدرك أن هناك تحوُّلات جوهرية في عالم اليوم، أعيد فيه توزيع ثروات العالم من جديد، بحيث باتت حفنة قليلة العدد من الشركات والأشخاص، تمتلك عشرات بل مئات المليارات، وهو أمر كان يستحيل تصوره قبل سنوات معدودة.

فمؤسس موقع “أمازون” جيف بيزوس يمتلك ثروة تفوق قيمتها 119,4 مليار دولار، وهو ما يزيد على إجمالي الناتج القومي في دول كثيرة. أما مؤسس “مايكروسوفت” بيل جيتس الذي ظل متربعاً على قمة هذه القائمة 15 سنة، ثم تراجع إلى المرتبة الثانية، فتقدّر ثروته بمبلغ 91 مليار دولار. وبلغ حجم أعمال شركة “أبل” في العام الماضي وحده 229,2 مليار دولار، وبلغت قيمتها السوقية حوالي 900 مليار دولار. وهو ما يعادل إجمالي الناتج المحلي لدول نفطية كبرى ويفوق قيمة أكبر ثماني شركات ألمانية مجتمعة من بينها “دايملر بنز” و”فولكس فاجن” و”سيمنس”.

والإشارة إلى أن قيمة أسهم خمس شركات فقط، هي “أبل” و”ألفا بيت” مالكة “جوجل” و”مايكروسوفـت” و”أمـازون” و”فيسبوك”، تفوق 3000 مليـار دولار أمريكــي، تكفي لأن نـدرك أن هذه الشركات لا تخشى فرض عقوبــات مالية عليها مهما كان حجمها، إذا خالفت القوانين؟

وإذا كان امتلاك الأموال الطائلة يضفي قوة هائلة على أي شركة تقنية، فإن وجود أكثر من ملياري مستخدم لفيسبوك، واستخدام 1,2 مليار هذا الموقع يومياً، وتعامل موقع جوجل مع 3,5 مليار سؤال يوميــاً، واستخـدام غالبية أجهــزة الكمبيوتـر في الكرة الأرضية لبرامج “مايكروسوفت”، يدفع أي حكومة في العالم إلى التفكير ألف مرة عندما تخطط لفرض عقوبات على أي من هذه الشركات، وعواقب ذلك على شعبيتها، ورد فعل الملايين أو المليارات من البشر.

أبعد من الثروة والنفوذ الشعبي

إلى جانب الأموال الهائلة والشعبية الطاغية، هناك عنصر ثالث لا يستهان به، وهو أن هناك خدمات أو منتجات لم يعد الناس يتخيلون العيش من دونها، وسيدافعون عنها بضراوة.

يقال إن مستخدمي منتجات “أبل”، سواء تعلَّق الأمر بهاتف “أيفون”، أو بأجهزة الكمبيوتر واللاب توب أو غيرها، تربطهم بها علاقة وثيقة للغاية، ويجمعهم اعتقاد بأنهم صفوة، وأنهم ليسوا مثل الآخرين. هي علاقة لا يمكن تحليلها عقلانياً. فعلى سبيل المثال، كانت أجهزة أيفون تشكِّل أقل من 15% من سوق أجهزة الهواتف الذكية، لكنها تحقق حوالي 80 في المئة من المكاسب بين جميع الشركات، وهي الأجهزة التي يستعد الشباب للتنازل عن الملابس الجديدة من أجل اقتنائها، ويقبل بالوقوف طوال الليل، ليحصل في اليوم التالي على أجهزة الجيل الجديد منها، بأسعار تعادل أضعاف كثير من الأجهزة، التي تمتلك مواصفات مقاربة. وما دام قادة السياسة والاقتصاد والإعلام وكل المجالات الأخرى، لا يرضون بديلاً عن منتجات “أبل” ، فهل يمكن لأحد أن يحاول الحد من هيمنتها؟

وثمة مخاطر ناجمة عن توسع أنشطة هذه الشركات. فمع وجود “أمازون” يصبح طبيعياً أن تتعرَّض المكتبات وكثير من المتاجر للإفلاس، بسبب إقبال الناس على الشراء عن طريق الإنترنت، الذي غالباً ما يكون أقل تكلفة، بسبب عدم تحمُّل تكاليف إيجارات المتاجر ورواتب العاملين فيها، وبذلك يخسر ملايين العاملين في هذه المتاجر وظائفهم؛ لأن الناس تبحث عن الخيار الأسهل في لحظة الشراء فحسب. وحتى يكون الحديث دقيقاً فإن المتاجر التي تنهار فهي تلك التي ترتادها الطبقة المتوسطة ودون المتوسطة، أما متاجر الماركات العالمية التي تجد عملاءها في الطبقة العليا من المجتمع، فستبقى وستتوسع.

وأمر آخر لا يقل خطورة، وهو أن تظل “فيسبوك”المصدر الأول للأخبار عند ملايين البشر. ولأن هذا الموقع ذكي جداً، فإنه يتعاقد مع وسائل إعلامية تتمتع بمصداقية عالية، لينشر أخبارها كاملة من دون أن يضطر المتصفح للوصول إلى مواقعها. ثم يسمح بنشر ملايين الأخبار من مصادر أخرى، لا تتمتع بأي صدقية، وتهدف إلى الإثارة، وتجتذب القرّاء أكثر من الأخبار الجادة، الأمر الذي أسهم في انتشار الأخبار الكاذبة. وكلما انتقد البعض هذا الأمر، برَّر “فيسبوك” ذلك بأنه ليس “موقعاً إخبارياً”، وبأنه لا يسمح لنفسه بأن يكون صاحب الحق في تحديد ما هي الحقيقة، وبذلك يعفي نفسه من مسؤولية التأكد من صدقية الخبر. فهل يصدق عاقل أنه سيتخلى عن هذه الأخبار، وما توفره من أموال شركات الدعاية؟

الطريق إلى القمة

كثيرة هي المقالات والكتب التي تناولت الشركات التقنية، البعض مبهور بها، والآخر ناقم عليها. لكن سكوت جالواي أستاذ التسويق في جامعة نيويورك، استطاع في محاضراته المنتشرة في مواقع الإنترنت، وفي كتابه “الأربعة – الحمض النووي السري لكل من أمازون وأبل وفيسبوك وجوجل”، الذي صدر في نهاية العام الماضي، أن يحدِّد الآليات التي اتبعتها هذه الشركات لتحتل هذه المكانة، وتتفوق على الشركات الصناعية العملاقة.

تحتاج أي شركة إلى بعض العناصر التي تسهم في وصولها إلى القمة، منها أن ترسم صورة أسطورية لشخصية بارزة فيها، وحبذا لو كان مؤسسها، مثل ستيف جوبز المؤسس الشريك ورئيس مجلس إدارة شركة “أبل”، الذي يرى كثيرون أن له الفضل في الارتقاء بالشركة إلى هذه المكانة الرائدة، وقد أسهم موته وهو في العقد السادس من العمر، ومظهره الزاهد بلحيته بعد إصابته بالسرطان، في إضفاء هالة من الإبهار عليه. علماً أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة وأثبتت نجاحها من قبل، حينما سافر الفتى الفرنسي لوي فيتون في ثلاثينيات القرن التاسع عشر مسافة 500 كيلومتر وهو حافي القدمين، حتى وصل إلى باريس، وبدأ في صناعة الحقائب الأنيقة، وبلغ الأمر أن أصبحت الأمبراطورة أوجيني من بين زبائنه، وما زالت هذه الماركة تحتل حتى اليوم مكانة عليا بين الماركات. وتحاول “فيسبوك” أن تجعل الشاب مارك زوكربيرج أيضاً شخصية مبهرة، لكن بروح العصر. ولعل ذلك ما يبرِّر طريقته في اختيار ملابسه البسيطة، وحديثه عن التبرع بـ 99% من ثروته للأعمال الخيرية، وكثرة صوره مع زوجته ذات الأصول الصينية الفيتنامية، كتجسيد للحلم الأمريكي.

ومن الضروري أن تكون للشركة رؤية وأهداف طموحة للغاية. فمثلاً، أراد “جوجل” أن يعيد تنظيم المعلومات المتوفرة في الكون بأكمله، وأراد “فيسبوك” أن يربط بين البشر بعلاقات عابرة لكل الحدود الجغرافية والثقافية بصورة لم تكن متاحة من قبل، ويسعى “أمازون” ليكون أكبر متجر في العالم. وتستمر هذه الشركات في طموحاتها إلى ما لا نهاية. وتخصص من أجل ذلك مليارات الدولارات للأبحاث.

ومن مستلزمات هذا الطموح أن يكون العالم بأسره ميدان عمل هذه الشركات ولا يقتصر على دولة أو مجموعة دول فقط. فثلثا مستخدمي “فيسبوك” مثلاً موجودون خارج الولايات المتحدة، تحقق الشركة من ورائهم 54 في المئة من أرباحها. وتجني شركة أبل 65 في المئة من مكاسبها في الخارج. أما جوجل فيحقّق أكثر من نصف أرباحه أيضاً خارج الأراضي الأمريكية.

ويُعدُّ التمتع بسُمعة جيدة أمراً جوهرياً لإقبال المستهلكين على خدمات ومنتجات الشركة. ولذلك لا تتورّع هذه الشركات عن رفع الدعاوى على أي مؤسسة إعلامية تفكِّر في نشر أي تقارير مسيئة لها، ولا تقبل بأي خسارة في المحاكم. كما تحسن الشركات اختيار مَنْ يمثِّلها، فتنتقي سيدات بارعات الجمال، يتمتعن بالبلاغة وبقوة الحجة، كما فعلت ماريسا مايير عندما تحدَّثت في مجلس الشيوخ الأمريكي، مدافعة عن الاتهامات الموجَّهة إلى شركة “جوجل” بأنها ستحتكر سوق الإعلانات، وأنها ستتسبَّب في خسائر بالغة للصحف. فقالت (إنه من المبكِّر الحديث عن ذلك بصورة قاطعة)، فتقبل الأعضاء ذلك بصدر رحب.

ولتجميل فعل الشراء دوره. إذ يعتقد كثيرون أن سر الثروة الهائلة لشركة “أبل”، هو هاتف “أيفون”، لكن الحقيقة غير ذلك. وهي أن ستيف جوبز قرَّر أن يفتتح متاجر خاصة بالشركة، وانتقده كثيرون آنذاك؛ لأن الاتجاه السائد كان التحوُّل إلى البيع الإلكتروني. لكنه استطاع أن يقوم بخطوة عبقرية، جعلت من جهاز كهربائي سلعة فاخرة، فاختار أن تكون متاجر أبل ذات واجهات زجاجية شاسعة تجعل المشاة ينظرون بكثير من الحسد إلى من في داخلها، الذين يشعرون بدورهم أنهم من الصفوة، وأثاث المتجر بسيط وقليل إلى أقصى درجة، ولا توجد أجهزة فوق بعضها بعضاً في مخزن، بل جهاز واحد من كل طراز، تسلط عليه إضاءة خافتة رقيقة، وكأنه تحفة في متحف، أما البائع المنتقى بعناية فهو شاب موهوب في التعامل مع البشر، يعرف ماذا يقول، ومتى يتحدَّث، وكيف يخاطب كل شخص، ويستطيع الرد على كل الاستفسارات بثقة شديدة، هو خبير وصديق تثق في كل ما يقوله لك. وأسهم كل هذا في جعل أجهزة “أبل” تحتل مكانها بين الماركات العالمية.

أما أحدث أسلحة هذه الشركات في دفع نجاحاتها قُدُماً فهو الاستعانة بالذكاء الصناعي في أنشطتها. ففي ظل توفُّر بيانات هائلة عن مستخدمي الإنترنت، وبالاستعانة بخوارزميات قادرة على تحليل هذه المعلومات، أصبح متاحاً للآلة أن تطوِّر قدراتها بنفسها، من خلال التعلُّم من الأخطاء، والابتكار بصورة لم تكن متاحة من قبل. فبات من الممكن مثلاً رسم لوحات لفنان عالمي لم يرسمها، بعد أن تتعرف الخوارزميات على طريقته في الرسم، وأن تؤلف ألحاناً كلاسيكية على غرار الألحان السابقة. ولعل ما يقدِّمه موقع جوجل للترجمة خير دليل على التطور الهائل الذي تحقق في هذا المجال، بحيث أصبح ملايين البشر يعتمدون عليه، لمعرفة محتوى نصوص بلغات لا يفهمونها.

لم يُعد الأمر رفاهية لمن يرغب في الاستفادة من هذه المعارف، بل أصبح ركناً أساسياً في عمل الشركات الراغبة في البقاء والمنافسة. وهو ما تفعله شركات التقنية بكفاءة عالية، بحيث أصبحت الدعاية لا تخاطب فئة عمرية بعينها، بعد أن تبيَّن أن الاتفاق في السن لا يعني الاتفاق في الميول والاحتياجات، وأصبحت الدعاية تخاطب الشخص بما يتفق مع تصرفاتـه وطباعه، التي يكشف عنها استخدامه للإنترنت.

وفي ظل امتلاك هذه الشركات لرساميل ضخمة، فإنها قادرة على استقطاب العباقرة، توفير فرص عمل مثالية ومستقبل وظيفي فريد للشباب الموهوبين المتخرجين حديثاً وأكبر العلماء في جميع المجالات ذات العلاقة بأنشطة الشركة. يعرف المتقدِّم للعمل في هذه الشركات التقنية أن اجتياز اختبارات القبول فيها عسير للغاية، وقد اكتسب اختبار “جوجل” سمعة عالمية، لأنه يحتوي على أسئلة لا أجوبة لها. وكأن الشركة تريد ممن يعمل لديها أن يدرك أن المطلوب منه شيء غير عادي، وأن يتوصل إلى حلول لما يعجز عنه غيره. وتحرص الشركات على إقامة علاقات وطيدة مع أفضل جامعات العالم، لتكون أول من يتعرف إلى أصحاب المهارات الفذَّة، وتقديم العروض المغرية لهم قبل غيرها.

حتى الشركات تموت

عندما بدأت هذه الشركات العملاقة أنشطتها، لم تكن الأولى في مجالاتها، بل كان هناك من يحتل الأسواق قبلها. لكن ذكاء مؤسسيها يكمن في أنهم استطاعوا أن يطوروا هذه الأنشطة لتكتسب بعداً مختلفاً تماماً يؤهلها للقمة. لم تعترف بأنها سرقت الأفكار، بل قالت إنها استوحت منها شيئاً جديداً. تعلّمت من الأخطاء التي وقع فيها من قبلها، فتجنبت الخسائر. وهي تعرض نفسها باعتبارها كيانات أسطورية، لكنها محببة للنفس، فنجد المستثمرين مستعدين لضخ الأموال فيها بلا حساب، حتى ولو لم تجنِ الشركة أية أرباح أو كانت أرباحها محدودة، لأنها تفضِّل التوسع وإضافة أنشطة جديدة، مثلما تفعل “أمازون”، بانتظار أن تصبح أكبر سوق في العالم.

ويريد المستثمرون أن يصبحوا جزءاً من هذا الحلم الكبير.

لقد تحقَّقت التوقعات التي أشارت إلى أن بعض هذه الشركات في طريقه إلى تخطي حاجز التريليون دولار، أي أن تصبح قيمتها ألف مليار دولار، وهذا ما فعلته أمازون. ولكن التاريخ يعلِّمنا أن أعظم الإمبراطوريات، لا تبقى إلى الأبد، وأن الموت هو الحقيقة التي لا يمكن إغفالها، وأن هناك من سيفكِّر كما فعل مؤسسو هذه الشركات، وسيخطط ويجرب، ويتحمل الحرب التي سيتعرَّض لها، حتى يفوز على أحد منها، أو أن يشاركها القمة.

العربية.نت (نقلاً عن مجلة القافلة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى