سوريا التي نعرف .. سوريا التي لا نعرف (عريب الرنتاوي)

 

عريب الرنتاوي

 

الغرب لا يريد لسوريا أن تكون دولة إسلامية، تخضع لحكم الإخوان وحلفائهم من السلفيين الجهاديين..في أحسن الأحوال، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الأروبيين، أن “يتساهلوا” مع مشاركة إخوانية، غير متفردة، وغير حاسمة أو مقررة بخصوص مستقبل سوريا..هذا الدرس تعملته واشنطن على ما يبدو، بعد أحداث ليبيا وتجربة إخوان مصر بشكل خاص، بعد عام أو أكثر من “الترحيب غير المشروط” بالربيع العربي بكل ما انطوى عليه من صعود إخواني/إسلامي.
بعض الدول العربية، لا تريد لسوريا أن تكون دولة ديمقراطية – مدنية، مثل هذا الاحتمال سيعيد تعريف الربيع العربي بوصفه خطراً استراتيجياً، أو أقله، أحد مهددات الأمن والاستقرار ..بعض هذه الدول، نظرت منذ اليوم الأول للربيع بوصفه عنصر تهديد لأمنها واستقرارها، يستوجب اليقظة والاستعداد واستنفار الموارد، كل الموارد (من مالية ونفطية وسلفية ودبلوماسية وإعلامية)، بدلالة ما حصل في مصر وتونس في سياق الثورة وبعدها، وما يحصل في عدة أقطار عربية.
داخل المنظومة الغربية، هناك تباينات بالطبع، لا تلغي المشتركات..دول وتيارات يهمها استقرار سوريا وتحولها الديمقراطي، سواء جاء بالإخوان أم بغيرهم، وحدهم أم بالشراكة مع آخرين..بيد أن القاسم المشترك الأعظم هنا، يتجلى في منع سقوط سوريا في قبضة “الجهاديين” وتحولها إلى ملاذ آمن لهم، ومنع تحولها إلى دولة فاشلة، تتهدد مختلف دول الجوار، وبشكل خاص، إسرائيل الطفل المدلل لجميع الدول الغربية، وإن بدرجات متفاوتة من “التدليل” و”التغنيج”.
وداخل المنظومة العربية، ثمة دول (دولة) تدعم بقوة جماعة الإخوان المسلمين، في سوريا والمنطقة عموماً..وثمة دول تدعم السلفيين بمدارسهم المختلفة، مباشرة وبصورة غير مباشرة، من دون أن تبخل عليهم لا بالمال أو السلاح، ولا حتى بالرجال الذي يأتون ويروحون تحت سمع وبصر أجهزتها الأمنية..وثمة صراع تحت السطح يدور بين دول هذه المنظومة، لم تعد أخباره خافية على أحد، على أية حال، لكنه صراع مختبئ تحت سطح المصلحة المشتركة في إسقاط نظام بشار الأسد.
في سوريا إسلاميون وديمقراطيون، وداخل كلا المعسكرين، ثمة معسكرات متفاوتة في درجة “أصوليتها” الدينية أو العلمانية، ومتفاوتة أيضاَ في درجة توزعها على “الأجندات الإقليمية والدولية”..وأياً كانت هوية الفريق المنتصر في نهاية المطاف، فإنه سيجد نفسه في مواجهة مفتوحة مع “كتلة” إقليمية أو دولية وازنة، ما ينبئ بدوام الحال على هذا المنوال، واستمرار حالة الشقاق والاقتتال، وتواصل فصول الأزمة، أو ربما انتقال البلاد والعباد إلى “الحرب الأهلية الثانية” التي تحدثنا عنها في هذه الزاوية قبل أيام، بعد أن أنجزت “الحرب الأهلية الأولى” أغراضها في تفكيك الدولة ووضع البلاد عند نقطة “اللاعودة”.
ولهذه الأسباب، يخطئ من يعتقد بأن الأزمة السورية ستضع أوزارها ما أن يغادر الرئيس السوري باحات قصره الجمهوري..وليس ثمة ما ينبئ، سواء بفعل تجربة “شتات المعارضة السورية وانقساماتها” أو في ضوء تجربة العلاقة بين الإسلاميين والديمقراطيين في دول الربيع العربي، بأن هذه القوى قادرة على العمل سوياً أولاً، ووضع مصلحة البلاد والعباد فوق المصالح الحزبية الضيقة ثانياً.
في ضوء ما سبق كله، لا نستغرب أن تخرج علينا تقديرات إسرائيلية، تتحدث عن “نهاية سوريا التي نعرف”، ودخول البلاد في مرحلة التقسيم الفعلي، تزامناً مع “نهاية عصر الأسد” التي دخلت فعلياً ولسنا بانتظارها كما يقول الإسرائيليون..هذه التقديرات التي كانت ترجح سقوط الأسد سريعاً (إيهود باراك)، وفي غضون أيام وأسابيع معدودة، باتت تتحدث اليوم عن بقائه لفترة أطول، ولكن ليس كحاكم لسوريا (التي نعرف) وإنما كحاكم لقسم منها، أو لكانتون من كانتوناتها الطائفية والمذهبية، فيما ستبحث بقية المكونات عن كيانات وحكومات وحكام، من لونها وطرازها.
هذا التقدير “السوداوي” يقابله تقدير أقل سوداوية، وإن كان أسود كذلك، يقضي بأن تذهب سوريا إلى حكم فيدرالي، تتوزع فيه الأقاليم على خرائط الأقوام والطوائف والمذاهب التي تتكون منها سوريا (فيدرالية طائفية/قومية)، شبيهة بأقاليم العراق، الذي يكاد يتفكك بين شمال وجنوب، وشرق وغرب..باعتبار ذلك “حلّاً ديمقراطياً” لإشكالية الأقليات والتنوع القومي والعرقي والديني في البلاد..عندها ليس مهم من يحكم هذا “الإقليم” أو ذاك، طالما أن لكل إقليم ولايته الخاصة على أهله، لا يتعداها إلى الأقاليم الأخرى.
بالنسبة للغرب، ثمة خطوط حمراء لا يجوز لأحد أن يجتازها في سوريا: حفظ أمن إسرائيل أولاً، ومنع تحول سوريا إلى أفغانستان أو صومال ثانية..لا يريدون طالبان ولا حركة الشباب، والمؤكد أنهم لا يريدون لا حزب الله ولا حركتي حماس والجهاد، وبعد ذلك فليأت الطوفان، فمن يأبه لسوريا إن كان السوريون أنفسهم، هم من يدمرون بلدهم ويقتلون شعبهم بأيديهم.
بالنسبة لبعض دول الخليج العربية، ليس المهم كيف ستؤول سوريا أو أين ستنتهي..المهم أن يرحل نظام الاسد، وأن يفقد “عدو الأمة الأول: إيران” حليفاً موثوقاً في دمشق، وأن يغيب “الهلال الشيعي” عن سماء المنطقة وأرضها..وأن يتوقف “قطار الربيع العربي” في محطته الدمشقية، وحتى إشعار آخر، ولا بأس بعد ذلك من بعض “جوائر الترضية” من نفط سوريا وغازها وموقعها ومكانتها.
لا أحد معني بمعرفة ما الذي تريده الكثرة الكاثرة من السوريين..لا أحد مهتم بالإصغاء إلى مطالب الشارع السوري وأشواقه وتطلعاته..لا أحد مكترث بأجندته الوطنية..جميعهم غارقون في البحث عن مصالحهم الأنانية في حمأة الصراع الدائر في سوريا وعليها.

صحيفة الدستور الأردنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى