كتاب الموقعكلمة في الزحام

سنة ثالثة “ثورة ” …سنة أولى “ديمقراطية “

سنة ثالثة “ثورة ” …سنة أولى “ديمقراطية ” .. المحبرة أو “المفتاح ” ـ حسب رواية أخرى ـ التي ضرب بها “الشبّيح ” أبو فراس الحمداني مالئ الدنيا وشاغل الناس في مجلس سيف الدولة حين أنشد قصيدته الشهيرة:
“سيعلم الجمع ممّا ضمّ مجلسنا        إنّي خير من تسعى به قدم ” .
لم تكن إلاّ حادثة أكثر حضارة ونبلاً وليناً ممّا حصل ويحصل في بلاتوهات القنوات التلفزيونية التونسية في ربيعها الديمقراطي المفاجئ .
ماذا تنتظر من الوحوش المقيّدة والمجوّعة في يومها التاسع …… وقبيل طلقة واحدة تعلن ” الرحمة “، تنعي موتها الأخير وتقرأ “الفاتحة ” و”يسين ” وتقيم “صلاة الغائب ” على قبرها الرخامي البارد.
ألستنا التي بلعناها إلاّ قليلاً، اسودّت بعضها لعقاً لأحذية الجلاّدين، قطعت أغلبها في السجون والزنازين … أصواتنا التي بحّت في منافي الابتعاد وسكتت من كثرة الهمس في الزوايا المظلمة ……… عادت مثل عصفور صغير، ولد في قفص الطاعة ويحاول الطيران لأوّل مرّة .. ودون أن يعلم أنّ للحرية أعشاش آمنة …. وأنّ قطط المزابل تنتظره عند أول انعطافة .
لم يدم عناقنا طويلاً وعدنا إلى تونس متخاصمين كورثة غير شرعيين، عدنا إلى بيت كان للطاعة … وأصبح للجموح الأهوج والمزايدات الكاذبة والصراخ الأصم …………. واستخدام الأظافر بعد قلعها .
ما من أحد فينا إلاّ ويمتلك الحقيقة المطلقة في إسكات الحقيقة المطلقة ……… ماذا فعلت بنا يا محمد البوعزيزي ؟ .
ماذا فعلت بنا أيها التاريخ … ونحن أحفاد ابن خلدون الذي قال يوماً ” التاريخ في ظاهره لا يزيد على الإخبار، وفي باطنه عمق وتمحيص ” .
ماذا فعلت بنا أيتها الأقدار ونحن الذين سلّموك قدرهم بمنتهى الرضاء والأمانة وسوء التدبير .
هل أنا والثورة مثل ابنتي الصغيرة وأنا ………. تعتقد أنّي قادر على حلّ كلّ المعضلات ……. من شقّ البطيخة إلى قطف القمر .
صبرنا عقوداً ولم نتحمّل أياماً و شهوراً …. هل هو النزق الثوري، أم التربّص للإفشال؟ هل هي المؤامرة أم عقلية المؤامرة ؟
اجتمعنا في المنابر الاعلامية كما لم نجتمع ………… وتلك في اعتقادي أولى استحقاقات الثورة والدروس الأولى في مدرسة
الديمقراطية .
الديمقراطية التي كنا نظنها درساً في التاريخ اليوناني القديم وبدعة غربية تسعى للسيطرة على” مكتسباتنا “، أصبحنا نسبح في “يمّها ” ونحن عطاشى .
الديمقراطية التي قال عنها العقيد الغائب بأنها ” ديمومة الكراسي ” أصبحت حقيقة دائمة نمارسها على الكراسي وقد نغتالها في الشوارع والمنازل والأذهان………….. لكنّ من عرف الحب يوماً، يعشق طول العمر .. وإلى الأبد.
ديمقراطية عرفناها وهي” تحبو” في المكتوب والمقروء والمنظور والمعاش ………. أمسكنا بيدها حيناً، عجّلنا في خطواتها وأوقعناها كثيراً لكنها سوف تكبر وتمشي باتزان وثقة .. إن لم نتسبّب لها في شلل ولاديّ من كثرة الحرص أو الاستهتار أو التسريع …. أو عدم اللقاح.
الديمقراطية…… أيتها المقبلة علينا والمولودة فينا ………. مرحباً بك يا خير داعية للاختلاف.
مازال التلاميذ الراسبون للسنة الثالثة على التوالي في امتحان الديمقراطية،  يمنّون النفس والأهل والأصدقاء بالنجاح والمزيد من الوعكات.
لن تكون الشتائم والصفعات واللكمات وضرب الكراسي والتراشق بالكلام إلاّ تاريخاً عابراً… وبالدرجة التي أهدى فيها المتنبي لدى مجلس سيف الدولة أجمل قصائده، ساعة محبرة أو مفتاح ………… يشرّعان أبواب الجحيم الجميل .
نحن ـ معشر العرب ـ نحب “الصبّار المقشّر، الفستق بلا قشور والسمك بلا حسك …. والموز الذي له احسان بلا ذنوب كما قال ابن الرومي .

كلمة في الزحام …….. بدأنا بالأخطاء الفادحة والناجحة …. إنها أول طريق النجاح …. زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون .

21.04.2014

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى