شرفات

أبحث عن صديقي عز الدين ، فمن يدلني ؟!

أبحث عن صديقي عز الدين ، فمن يدلني ؟!..من الطريف أحيانا أن تقرأ شيئاً عن رجل ضائع، فأن يكون الضائع طفلاً قضية فيها نظر، أما أن يكون رجلاً ، فهذا يعني أننا أمام احتمالين أحدهما مر، والثاني أكثر مرارة ، هذا إذا لم يكن الضائع مصاباً بخلل عقلي.

وعز الدين ليس مصاباً بخلل عقلي، فقد تعلمتُ منه الكثير في الثقافة والسياسة والصحافة، رغم أنه كان يعتبرني أشطر منه في المهنة. عز الدين افتقدته منذ ثلاثين عاما، وكنت أستعيد ذكرياتي معه بيسر، لأنني سكنت معه في بيروت نحو عام من الزمن، كنا في بيت واحد، وكان يحكي لي عن تلك التي عشقها، وأحكي له عن تلك التي أعشقها، وكان هذا النوع من الأسرار، أكثر عرضة للانتشار، لذلك كان يبوح بأسراري ببساطة، وأبوح بأسراره ببساطة، ونحولها إلى مزاح!

عز الدين هو أحد الصحفيين الذين عملت معهم في بيروت، ولم تكن المهنة تجمعنا فقط، بل جمعنا السكن الواحد، والفقر الذي جعلنا نمضي أسابيع على الحمص البيروتي، ومناقيش الزعتر، والمازاوات البسيطة لسهراتنا العامرة التي ساهم فيها صديقنا الرائع المرحوم زياد سخنيني.

فجأة ضاع عز الدين، كانت بيروت تتعرض لقصف شديد إثر الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982، وكنت عاجزاً عن الاتصال معه، لكني عرفت أن عز الدين لم يصب بأذى، وأنه ركب البحر مع من ركبوا عندما خرجت بيروت من الحصار !

لم أعد أراه من شهر شباط عام 1981، ولكي لا أخفي شيئاً، رأيته مرة في أحد أحلامي، مزهوا بزواجه من تلك الفلسطينية التي يحبها وأسميناها بيسان، وفيما بعد علمتُ أنه لم يتزوج بيسان وتزوج غيرها ، ثم ضاع من جديد.

في عام ألفين أخبرني صديقي المذيع المعروف قصي عيادة أنه شاهد عز الدين في الرياض، ومن فوري سألته مازحاً : أكان يؤدي العمرة أم فريضة الحج، وهو لا يستطيع إليه سبيلاً؟!

فضحك قصي ، وحكى لي عن طرائف (عز) ثم أخبرني أنه اختفى بعدها، وربما يكون في رام الله في فلسطين، أي أنه ضاع من جديد، ومنذ ذلك الوقت لا أعرف أين أصبح هذا الصديق الصحفي الذي بدأت معه أيامنا الأولى في مهنة الصحافة وكنا شابين.

آخر مرة ضاع فيها هي منذ اثنين وعشرين عاماً، والغريب أن وسائل التواصل، جعلت الناس تتلاقى إلى الدرجة التي تواصلتُ أنا فيها مع صديقيّ المدرسة بسام وعصام الحمزاوي بعد أكثر من أربعين عاماً من الانقطاع، أما عز الدين، فلا صفحة له على وسائل التواصل، ولا على تويتر ، ولا غيرها..

في حادثة مماثلة، زار دمشق أحد أصدقائنا المشتركين في بيروت ، والذي ضاع بدوره قبل أربعين عاماً، زارها بصفة وزير عربي، ولم أفاجأ، ولكني سأفاجأ طبعا عندما أصادف عز الدين وهو في دمشق بصفة سائح ، أو مغترب، أو رجل أعمال عربي، وعندها لن أذكّره أبداً بأننا أمضينا عاماً كاملاً على المناقيش والحمص والدخان الرخيص!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى