المركزي التركي يرفع أسعار الفائدة على خلاف رغبة اردوغان

فاجأ البنك المركزي التركي الخميس أسواق المال بالإعلان عن زيادة أكبر من المتوقع لأسعار الفائدة لمحاربة معدلات تضخم هائلة ودعم الليرة ما انعكس إيجابا على سعر صرفها وتأتي هذه الخطوة على خلاف رغبة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي خاض ولا يزال معركة خفض سعر الفائدة، في مخالفة لعلم الاقتصاد ولأراء كبار الخبراء.

وقال المركزي التركي إنه يرفع معدل الفائدة الرئيسية بـ625 نقطة أساسية لتصل إلى 24 بالمئة، أي أكثر بمرتين عن إجماع السوق للزيادة وأكثر ما يفاجئ في رفع نسبة الفائدة أن اردوغان سبق أن انتقدها معتبرا أنها “أداة للاستغلال”، لكن يبدو أنه خضع في النهاية تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والانهيار القياسي لليرة والارتفاع غير المسبوق في نسبة التضخم، إلى أراء الاقتصاديين.

وتسبب الرئيس التركي بسلسلة تصريحات في إثارة مخاوف الأسواق والمستثمرين وسط قلق من هيمنته على السياسة النقدية وتدخلاته التي تجانب الصواب والمنطق الاقتصادي وأدت تصريحات متتالية ارادوغان في الفترة الماضية إلى هبوط حاد في قيمة الليرة التركية التي فقدت نحو 40 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام.

وفاقمت إجراءات أميركية أزمة الليرة مع فرض رسوم جمركية قاسية على واردات من تركيا ضمن توتر دبلوماسي بين واشنطن وأنقرة نشأ على خلفية احتجاز تركيا قسا أميركيا بتهمة الإرهاب ورفضها طلبا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإفراج عنه لكن الهبوط الحاد في قيمة الليرة التركية يعود بحسب خبراء إلى أسباب سياسية تتعلق بالانتخابات المبكرة التي فاز فيها الرئيس رجب طيب اردوغان بولاية رئاسية جديدة واسعة الصلاحيات، ما عزز القلق في الأسواق وأثار مخاوف المستثمرين من هيمنة اردوغان على السياسية النقدية.

وقالت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي التركي إنه سيتم رفع فائدة إعادة الشراء الريبو للأسبوع من 17.75 بالمئة إلى 24 بالمئة، وهي أول زيادة منذ يونيو/حزيران واستفادت الليرة بقوة من القرار وارتفعت قيمة صرفها بنسبة 5 بالمئة ليصل تداولها إلى 6 ليرات للدولار الأميركي. وخسرت في ما بعد شيئا من المكاسب لكن قيمة الصرف بقيت مرتفعة عند 3 بالمئة أي 6.13 للدولار.

وانخفضت تكلفة التأمين على الديون التركية 34 نقطة أساس إلى أدنى مستوياتها منذ منتصف أغسطس/آب اليوم الخميس بعدما رفع البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي 625 نقطة أساس وتراجعت عقود مبادلة مخاطر الائتمان لأجل خمس سنوات إلى 475 نقطة أساس، لتنخفض كثيرا عن مستوى إغلاق الأربعاء البالغ 509 نقاط، وفقا لبيانات آي.إتش.إس ماركت وارتفعت الليرة 2.6 بالمئة وزادت السندات الدولارية بمختلف آجالها في أعقاب قرار المركزي التركي الذي تجاوز توقعات السوق.

وكانت الليرة قد تدهورت في الأسابيع الماضية وسط مخاوف متعلقة بالسياسة الداخلية وأزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة وقال البنك إن التطورات المتعلقة بالتضخم تشير إلى “مخاطر كبيرة على استقرار الأسعار” نظرا للتراجع الأخير لسعر صرف الليرة وأضاف أن “تراجع الأسعار لا يزال يمثل مخاطر على مستقبل التضخم رغم طلب داخلي أضعف”.

وتابع”بناء على ذلك، قررت اللجنة تطبيق تشدد نقدي قوي لدعم استقرار الأسعار” في شرحه أسباب الزيادة وبدون استبعاد إمكانية رفع معدلات الفائدة لاحقا، تعهد البنك بـ”استخدام كل الوسائل المتاحة لتحقيق استقرار الأسعار”.

وأضاف أنه “سيستمر في سياسة التشدد النقدي إلى أن تظهر آفاق التضخم تحسنا ملحوظا لكن اردوغان الذي اتهمه منتقدوه بالضغط على البنك المركزي المستقل شكليا، اتهم البنك في وقت سابق بعدم كبح التضخم مكررا أن نسبة فائدة متدنية تسهم في خفض التضخم في رأي يخالف المنطق الاقتصادي.

وقال الرئيس التركي خلال مؤتمر صحافي في أنقرة “حتى اليوم، لم أر البنك المركزي يصحح معدلات التضخم كما وعد وأضاف “معدلات الفائدة هي السبب، التضخم هو النتيجة. إذا قلتم التضخم هو السبب، والفائدة هي النتيجة فإنك لا تعرف هذه المهنة أيها الصديق”.

ومرة أخرى وصف اردوغان معدلات الفائدة بأنها “أداة للاستغلال”، لكنه تعهد بـ”عدم السماح بأن يستغلونا”. وقال “إن البنك المركزي مستقل ويتخذ قراراته بنفسه وتستهدف خطوة الترفيع في نسبة الفائدة على ما يبدو تهدئة المخاوف في الأسواق ودعم الليرة بعد موجة هبوط حاد في قيمتها وليس واضحا ما إذا كان الرئيس التركي على علم بقرار البنك المركزي أم أن القرار اتخذ بشكل مستقل دون عودة للرئاسة التركية التي يقول متابعون إنها بدأت تحشر انفها في كل صغيرة وكبيرة منذ بداية العهدة الرئاسية الجديدة لاردوغان بصلاحيات واسعة جدّا فتحت له الطريق للهيمنة على كل المؤسسات بما فيها تلك التي تدعي الاستقلالية ومنها البنك المركزي والقضاء.

وسواء كان اردوغان على علم بقرار البنك المركزي أو لا فإن القرار يحشر الرئيس التركي في الزاوية ويؤكد وجاهة الرأي السابق المدافع عن رفع نسبة الفائدة في الوقت الذي كان فيه اردوغان يحشد لنسبة متدنية ومحملا  المركزي التركي المسؤولية عن ارتفاع نسبة التضخم وتبعات القرار الذي اتخذه المركزي التركي أي ارتفاع سعر صرف الليرة بعد موجة الهبوط الحاد والحد نسبيا من التضخم، تشكل حجة قوية في مواجهة محاولات اردوغان الهيمنة على السياسة النقدية وتطويع مؤسسات الدولة لصالح أجندته القائمة على مواقف إيديولوجية وحزبية صرفة.

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى