عدوان أردوغان على سوريا يضع الاقتصاد التركي على حافة الهاوية

 

تجمع كل المؤشرات وردود الفعل العربية والدولية على العدوان التركي على سوريا على أن تركيا ستدفع ثمن المغامرة العسكرية التي أطلقها الرئيس رجب طيب أردوغان الباحث عن نصر خارجي يغطي به نكساته وأزماته الداخلية، حيث تدرس واشنطن فرض حزمة عقوبات قاسية جدا قادرة على شلّ الاقتصاد التركي.

وتنذر عملية ‘نبع السلام’ وهي تسمية تناقض الفعل على الأرض، بدفع الاقتصاد التركي المتعثر أصلا إلى حافة الانهيار، بناء شواهد سابقة حين تسببت عقوبات أميركية ورسوم جمركية في انهيار قيمة العملة التركية إلى أدنى مستوى لها.

وهوت قيمة الليرة التركية في العام الماضي إلى أدنى مستوى لها مقابل الدولار واليورو لتعمق الأزمة الاقتصادية. ولاتزال رغم التعافي النسبي ضعيفة، فيما يتوقع أن تشهد المزيد من التراجع على خلفية الهجوم التركي على سوريا، وسط تهديدات أميركية وأوروبية بفرض عقوبات قاسية.

ويعاني الاقتصاد التركي من الركود بينما تئن العديد من كبرى الشركات والمصارف تحت وطأة ديون متفاقمة بلغت مستويات قياسية، فيما تعيش السوق التركية وهي سوق ناشئة، تقلبات واضطرابات شديدة، يقول خبراء الاقتصاد، إنها ناجمة أساسا عن سياسات أردوغان سواء على المستوى المحلي أو الخارجي.

وقد يكون تعافي تركيا من الركود أحدث ضحايا توغل جيشها في سوريا وذلك بعد أن هددت قيادات بالكونغرس الأميركي ودول أوروبية بعقوبات ستضر حتما بالليرة وتعزز الشروخ في العلاقات التركية الغربية.

وهوت الليرة التي عانت من أزمة قبل عام لأسباب منها عقوبات ورسوم جمركية أميركية، إلى أدنى مستوياتها في حوالي أربعة أشهر بعد انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا وأمرت أنقرة بشن هجمات ضد القوات الكردية هناك. وكانت الليرة قد استقرت في الأشهر الأخيرة وتراجع التضخم، في مؤشر على أن الاقتصاد التركي الذي يبلغ حجمه 766 مليار دولار، وهو الأكبر في الشرق الأوسط، ابتعد نسبيا عن أسوأ تراجع له في ما يقرب من عشرين عاما.

وخفض البنك المركزي التركي أسعار الفائدة منذ يوليو/تموز لتنشيط الإقراض، لكن بحلول أمس الخميس، تراجعت توقعات السوق بالمزيد من تيسير السياسة النقدية في ظل قلق المستثمرين من أن تداعيات الصراع قد ترجئ التعافي.وتتضمن المخاطر ارتفاع العجز وتكاليف الاقتراض وتباطؤ السياحة إذا انخرط الجيش التركي في العملية لفترة طويلة.

لكن التهديد الأكبر وهو التهديد الذي يقول المستثمرون إن الأصول التركية لا تضعه في الحسبان، هو إصرار جديد لدى كبار الجمهوريين في الولايات المتحدة على معاقبة تركيا لمهاجمتها أكراد سوريا، وهم من حلفاء واشنطن الرئيسيين في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

ويوم الأربعاء، انضم السناتور الجمهوري لينزي غراهام وهو عادة من المدافعين بقوة عن الرئيس دونالد ترامب، إلى سناتور آخر ديمقراطي في الكشف عن إطار عمل لعقوبات مع تمسكه بانتقاد قرار الرئيس بسحب القوات الأميركية.

وسيستهدف اقتراح غراهام بحسب وثيقة نشرها الخميس على حسابه بتويتر أصول مملوكة للرئيس رجب طيب أردوغان ومسؤولين كبار آخرين وفرض قيود على إصدار تأشيرات السفر وعقوبات على أي أحد نفذ تعاملات عسكرية مع تركيا أو دعم إنتاج الطاقة.

وأيضا قد تواجه تركيا عقوبات أوسع نطاقا بموجب خطة غراهام في ضوء قيامها بشراء منظومة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400 هذا العام رغم اعتراضات واشنطن القوية.

وقال وزيرالخزانة الأميركية ستيفن منوتشين اليوم الجمعة إن الرئيس دونالد ترامب فوض مسؤولين أميركيين بصياغة مسودة لعقوبات جديدة “كبيرة للغاية” على تركيا بعد أن شنت هجوما في شمال شرق سوريا، مضيفا أن البنوك تصلها إخطارات بذلك.

وأوضح منوتشين أن الولايات المتحدة لا تطبق العقوبات في الوقت الراهن، لكنها ستطبقها إذا اقتضت الضرورة. وقال “نرسل إخطارات للمؤسسات المالية بأن عليها الحذر من عقوبات محتملة”.

وأضاف “هذه عقوبات قوية جدا. نأمل ألّا نضطر لاستخدامها، لكن بمقدورنا أن نصيب الاقتصاد التركي بالشلل إذا أردنا”.

وتابع الوزير الأميركي أن ترامب قلق بشأن احتمال استهداف تركيا لمدنيين ويريد أن يوضح لها أنه لا يمكنها “السماح بفرار ولو مقاتل واحد من داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)”.

وقال أولريش لويختمان رئيس أبحاث العملات لدى كومرتس بنك في فرانكفورت إن المزيد من العقوبات “سيغير الصورة الاقتصادية لتركيا تماما وسيكون علينا أن نضع في الحسبان احتمالية ركود جديد في ظل وضع الاقتصاد فيه هش بعد أزمة 2018”.

ولم يتضح ما إذا كان الكونغرس سيدعم عقوبات غراهام أو ما إذا كانت ستحصل على أغلبية تصويت ثلثي الأعضاء اللازمة للتغلب على أي معارضة من ترامب الذي تجمعه بأردوغان علاقة عمل جيدة وتحدث معه قبل سحب القوات الأميركية.

لكن حتى ترامب ذاته الذي يواجه انتقادات شديدة في واشنطن وخارجها لتخليه عن الحلفاء الأكراد، لم يستبعد يوم الخميس في تغريدة فرض عقوبات مالية قاسية على تركيا من ضمن ثلاث خيارات للردّ على العدوان التركي على سوريا.

لكن إلى حدّ الآن لم يتضح ما إذا كان ترامب سيدعم العقوبات بعد أن قال في وقت سابق هذا الأسبوع إن الولايات المتحدة “ستمحو” اقتصاد تركيا إذا فعلت أي شيء “خارج الحدود” في سوريا دون أن يحدد ماذا يعني.

وأضاف لويختمان “كلما زاد الضغط السياسي، كلما زادت احتمالات ميل ترامب إلى الإقرار بأن التصرف التركي قد يكون خارج الحدود”.

وخلال خلاف العام الماضي، فرض ترامب عقوبات محدودة ورفع الرسوم الجمركية على بعض الواردات التركية للضغط على تركيا لإطلاق سراح القس أندرو برانسون الذي تم اعتقاله هناك على خلفية تهم تتعلق بالإرهاب، ثم أطلق سراحه في وقت لاحق في ما يعتقد أنها صفقة سرّية تشمل إنهاء العقوبات الأميركية مقابل الإفراج عنه.

وتراجعت الليرة التي فقدت ثلاثين بالمئة من قيمتها العام الماضي، بأكثر من ثلاثة بالمئة منذ بداية الأسبوع في تعاملات متقلبة مع اقترابها لما يصل إلى 5.90 مقابل الدولار.

وقال متعاملون إنه من غير الواضح إلى أي مدى كانت العملة التركية ستنزل أكثر إذا لم تكن البنوك الحكومية تدخلت لبيع الدولارات وتخفيف الصدمة في وقت سابق هذا الأسبوع.

وفي ضوء اعتماد تركيا على الاستثمارات الأجنبية، تحدد العملة الأسعار بشكل كبير، وهو ما يحدد بالتبعية السياسة النقدية. وقال مستثمرون إن أي تحرك لليرة فوق مستوى ست ليرات للدولار قد يشير لتوقعات بأن العقوبات ستكون مؤثرة على الأرجح.

ويتنبأ متعاملون في سوق النقد حاليا بأن البنك المركزي سيخفض أسعار الفائدة إلى 15 بالمئة بنهاية العام من 16.5 في الوقت الحالي، بدلا من 13.5 بالمئة كما كانوا يتوقعون حتى نهاية الأسبوع الماضي.

وقال أربعة متعاملين إنه من المتوقع خفض أسعار الفائدة بما يتراوح بين خمسين و75 نقطة في وقت لاحق هذا الشهر.

وقالت وكالة موديز للتصنيفات الائتمانية اليوم الجمعة إن أهداف النمو الجديدة لتركيا تهدد بزيادة الاختلالات على مستوى الاقتصاد الكلي وتبدو غير متماشية مع بقية التقديرات التي وضعتها أنقرة في إطار أهدافها الاقتصادية على مدى ثلاث سنوات.

وتسعى تركيا للتعافي من ركود نجم عن أزمة عملة العام الماضي والتي شهدت فقدان الليرة حوالي ثلاثين بالمئة من قيمتها وتسببت في بلوغ التضخم أعلى معدلاته في 15 عاما.

وفي أعقاب الأزمة أعلنت أنقرة العام الماضي توقعات بنمو أقل وتضخم أعلى، لكنها رفعت الأسبوع الماضي تقديرها للنمو لعام 2020 إلى خمسة بالمئة من 3.5 بالمئة وخفضت توقعاتها للتضخم للعامين الحالي والمقبل.

وفي مراجعات الأسبوع الماضي، رفعت تركيا أيضا توقعاتها لنسبة عجز الميزانية من الناتج المحلي الإجمالي 2.9 بالمئة في العامين المقبلين. وحددت توقعاتها لنسبة عجز الحساب الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 1.2 بالمئة للعام المقبل و0.8 بالمئة لعام 2021. وقالت موديز في مذكرة “تضع وثيقة السياسة الجديدة أهداف نمو طموحة للغاية عند خمسة بالمئة لكل عام من 2020 إلى 2021 وهو ما نعتقد أنه يمكن تحقيقه فقط”، مضيفة أن تلك الاختلالات تتضمن تزايد عجز الحساب الجاري وتجدد الضغط الصعودي على التضخم.

وتضاءل عجز الحساب الجاري الذي طالما كان مبعث قلق للمستثمرين، بشكل كبير منذ أزمة العملة.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى