ألم ومعاناة في رواية الحالة الحرجة للمدعو «ك»

 

منذ الصفحة الأولى للرواية أو لنقل منذ الأسبوع الأول منها حيث قسّمها الكاتب إلى أربعين أسبوعاً – كل أسبوع هو امتداد للأسبوع الذي قبله – نلاحظ أن بطل الرواية وقد رمز إليه الكاتب بـ «المدعو ك» تراوده حالة حرجة وقاسية فنقرأ هنا: «حالما أستيقظ، يراودني شعور بالغثيان، أتنفس بمشقة، أفرك عيني، أحدّق عبر غشاوة من نعاس. على المخدة ثمة بقع داكنة».

هذه الرواية الصادرة عن دار التنوير – لبنان – بيروت للكاتب السعودي عزيز محمد وضمتها القائمة القصيرة للبوكر العربية 2018، تنسلخ من حال ألم ومعاناة من المرض «مرض السرطان» الذي عانى منه بطل الرواية كثيراً، إذ يستمر الكاتب في سرد التفاصيل المتأنية لموقف المدعو «ك» وموقفه من أسرته، مما انعكس ذلك على حاله النفسية والشخصية والمادية التي مر بها «ك» طيلة سير هذه الرواية. وقد وصم الكاتب روايته بالسوداوية على قرار ما كان يتناوله من روايات أجنبية وخاصة للكاتب التشيكي فرانس كافكا وموته بسبب مرض «السل» وتأثره برواية «المسخ» هذه الرواية الكابوسية والعبثية التي كتبها «كافكا» كأهم رواية كتبها بشهادة كثير من النقاد.

إن هيكلة الرواية تتناسب والحالة التي كتب عنها الكاتب، إذ بدأ روايته بالأسبوع الأول حتى الأسبوع الأربعين على هيأة مذكرات أدبية مأسوية وهنا سيدرك المتلقي بأنه سيقدم على عمل فيه روح طويلة من الحراك السردي والتشويق والشعور بمعاناة البطل من هذا المرض، الذي أصابه وهو في مقتبل العمر ما سينتج من ذلك حال من التعاطف من قارئ الرواية مع البطل لا محالة، على رغم علاقته غير الطبيعية مع أسرته (أمه وأبوه وأخته وجده) كما هنا على حد قوله ولومه لأخته: «ثم تزوجت هي.. وبحكم انتقالها لبيت آخر، أن يكون التباعد هو الإيقاع الطبيعي بيننا.. لكن ما إن نضطر للتواصل عن قرب، لغرض أو لآخر، حتى يطفو شيء ما عكِر». تماماً هذه العلاقة الحادة – إن صح التعبير – نجدها في علاقته مع والدته وأبيه وجده أيضاً. وربما أن الحالة المأسوية التي يمر بها بفعل «السرطان» كمرض يصعب العلاج منه دور في ذلك.

لقد عمَد الكاتب في سرده إلى التأني، فخرج سرده هادئاً لا عجلة فيه مع مراعاة أدق التفاصيل لعرض تلك الحالة المرضية التي مر بها المدعو «ك»، واستطاع من خلال عرض حالة المريض أن يبين للمتلقي مدى المعاناة والألم الذي يشعر به ممن ابتلي بمرض السرطان، كما أن الكاتب كان دقيقاً في عرض الحالة النفسية وتحليلها، مع ملاحظة أن الكاتب كان مطلعاً على بعض الحالات واستسقاء المعلومات حول هذا المرض، فخرجت لنا الفكرة عالية الدقة والوضوح.

إنها رواية تحاكي وتسرد تفاصيل هذا المرض (مرض العصر)، وبأسلوب يتسم بالتخطيط منذ بداية الرواية حتى نهايتها، والتي يقرر فيها بطل الرواية «المدعو ك» الذهاب لليابان للعلاج على إثر الثروة التي تركها له جده. وربما يدرك متلقي الرواية الذي يقرأها بأسلوب الفاحص المدقق أن هناك بعض المقاطع قد أطال فيها كثيراً مما تمثلت على شكل حشو كالمقطع، الذي يتحدث فيه وهو في الطائرة، كما أن القارئ سيدرك تأثر الكاتب عزيز محمد بأسلوب الروايات الأجنبية وتقاطعها مع مفرداتها وأساليبها. أضف إلى ذلك عدم انتهاجها تكنيكاً روائياً، وربما هذا سيضيف للرواية كثيراً من الفنية والقيمة الإبداعية. ولكن هذا لا ينفي بتاتاً جماليات الرواية التي سيندمج فيها القارئ حالما يبدؤها، هذه الجماليات التي تجسدت في بنية الرواية تنبؤنا بأننا أمام كاتب شاب مبدع، يمتلك هوية روائية قادرة على مقارعة كثير ممن سبقوه في هذا الفن.

 

 

صحيفة الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى