تحليلات سياسيةسلايد

أمريكا تتخلّى عن الأكراد وتتراجع عن وعودها بحِمايتهم وتطعنهم في الظّهر كالعادة في مُواجهة الغزو البرّي التركي الوشيك.. ماذا وراء هذه الخِيانة؟  

تستعدّ الولايات المتحدة الأمريكيّة لـ”بيع” حُلفائها الأكراد في شِمال سورية، والتخلّي عنهم، والتنكّر لكُلّ وعودها بحِمايتهم والخدمات الجليلة التي قدّموها لواشنطن طِوال السّنوات الماضية، سواءً في مُحاربة الجيش العربي السوري، طمعًا بالانفِصال عمليًّا عن الدّولة السوريّة في الشّمال، أو التصدّي تلبيةً لإملاءاتٍ أمريكيّةٍ لمُقاتلي تنظيم “داعش”.

وزارة الدّفاع الأمريكيّة (البنتاغون) ادّعت، وعبر المُتحدّث باسمها، بأنّها تُعارض أيّ عمليّة بريّة تركيّة تستهدف القضاء على قوّات سورية الديمقراطيّة الكرديّة، واحتِلال المُدُن السّوريّة الثّلاث منبج وعين العرب وتل رفعت، ولكنّها تراجعت عن هذا الموقف يوم أمس الأربعاء عندما أعلن المُتحدّث نفسه (الجِنرال باتريك رايدر) تقليص دوريّات الجيش الأمريكي المُشتَركة مع قوّات سورية الديمقراطيّة مع اقتِراب عمليّة الاجتِياح البرّي التركيّة، بينما أكّد مصدرٌ تركيٌّ لقناة “الجزيرة” انسِحاب القوّات الأمريكيّة من العديد من المواقع في شِمال سورية، لإفساح المجال أمام القوّات التركيّة الغازية.

أمريكا كانت الدّاعم، والمُموّل الأكبر، لقوّات سورية الديمقراطيّة، وخططها الانفصاليّة عن “سورية الأُم”، وهذه القوّات هي التي تحمي الاحتِلال الأمريكي لآبار النفط والغاز السوري وقواعده في شرق الفُرات، ولا نستبعد أن تكون وزارة الدّفاع الأمريكيّة توصّلت إلى صفقةٍ سِريّةٍ مع الحُكومة التركيّة وإعطاء الضّوء الأخضر لاجتِياح قوّاتها للمناطق الخاضعة لسيطرة القوّات الانفصاليّة الكرديّة تَجَنُّبًا لأيّ صِدامٍ مع تركيا ومُقابل ثمن سنتعرّف على ملامحه في الأيّام القليلة القادمة.

الحركة الانفصاليّة الكرديّة في شِمال سورية تُحاول اللّعب على كُلّ الحِبال، فهي ترضخ بالكامِل للإملاءاتِ الأمريكيّة، وتضع مُعظم بيضها في سلّة واشنطن، باعتِبارها الحامِية والدّاعمة لطُموحاتها الانفصاليّة، ولكن عندما تُواجه تهديدًا تُركيًّا تُهروِل إلى دِمشق، وتتذكّر وطنها السّوري الذي تتآمَر عليه، ولا تعترف بسِيادته طالبةً الحِماية.

تركيا تتّهم وحَدات الحِماية الشعبيّة التي تُسيطر على بعض المناطق في شِمال سورية بأنّها الذّراع العسكريّ لحزب العمّال الكردستاني، وتُحمّلها مسؤوليّة العمليّة الإرهابيّة التي استهدفت شارع الاستِقلال في ميدان تقسيم في قلب إسطنبول وأدّت إلى مقتل ستّة أشخاص وإصابة حواليّ 60 آخَرين، وربّما يكون الهدف من العمليّة الهُجوميّة التركيّة البريّة تفكيكها واجتِثاثها من جُذورها دُفْعَةً واحِدة.

لا نعرف كيف سيكون موقف موسكو من هذا الاجتِياح البرّي التركي، لِما تتمتّع به روسيا من علاقاتٍ وثيقةٍ مع الانفِصاليين الأكراد والسّلطات السوريّة معًا، فقد عارضت هذا الاجتِياح التّركي بقُوّةٍ، فهل ستتصدّى له، أمْ أنّها ستنحني أمامه حِفاظًا على علاقاتها مع الرئيس رجب طيّب أردوغان، وعدم اتّخاذ أيّ خطوات عِدائيّة تُجاه مشاريعه الاحتِلاليّة في شِمال سورية، ومن أبرزها إقامة مِنطقة آمنة بعُمُق 30 كيلومترًا، خاصَّةً في ظِل تفاقم الحرب الأوكرانيّة؟

الغزو البرّي التركي للشّمال السّوري “مُقامرة” خطيرة، قد ترتد سلبًا على حُكومة الرئيس أردوغان وجيشه، وربّما تتطوّر إلى حَربِ استنزافٍ لقُوّاته ماديًّا وبشريًّا، والأخطَر من كُل ذلك تصعيد العمليّات في العُمُق التّركي على غِرار عمليّة ميدان تقسيم الإرهابيّة بوسط إسطنبول ممّا قد يُؤدّي إلى تزايد انخِفاض شعبيّة أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يتزعّمه، وخسارة الانتِخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة في حزيران (يونيو) المُقبل بالتّالي.

لا نستبعد أن تكون عمليّة تفجير ميدان تقسيم مِصيَدة أمريكيّة جرى إعدادها بشَكلٍ مُحكَمٍ لجَرّ أردوغان وجيشه إلى عمليّة التوغّل البرّي هذه كرَدّ فِعلٍ انتقاميٍّ للثّأر من الأكراد الذين حمّلهم مسؤوليّة تنفيذها، وجرى إكمال هذه المسرحيّة بالانسِحاب الأمريكي من بعض المناطق، ولكن هذا لا يعني أن الحركة الانفِصاليّة التركيّة في الشّمال السّوري ستكون من أكبر الخاسِرين أيًّا كانت نتيجة هذا الاجتِياح التّركي، ربّما يكون هذا الاحتِمال ضعيف، ولكن علينا أن نضع في اعتِبارنا العديد من المُؤامرات الأمريكيّة المُماثلة في مِنطَقتنا لتبرير غزواتها وتوريط حُلفائها وأعدائها معًا، وبِما يُسَهِّل غزواتها واحتِلالاتها، وهل ننْسى أُكذوبَة أسلحة الدّمار الشّامل العِراقيّة؟

 

 صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى