أوباما وتسليح إخوان سوريا (ميادة العفيفى)

 

ميادة العفيفى

لم يخرج خطاب الرئيس الأمريكى باراك اوباما أمام أكاديمية «ويست بوينت» بجديد, فهو ما زال يعبر عن العقيدة التى انتهجها منذ قدومه إلى البيت الأبيض, فقد اعتمد الرجل من اللحظة الأولى خوض الحروب الأمريكية بشكل سري, من خلال مقاتلين بالوكالة, وطائرات بدون طيار, وصفقات تسليح غامضة تقدم للإرهابيين, ويظل اوباما كعادته متمسكا بخطابه الطنان المعتاد بأنه لا يتدخل فى شئون الآخرين, وهو يظن أن الآخرين من السذاجة بحيث إنهم لم يدركوا بعد انه لم يأت رئيس أمريكى دس انفه فى شئون الآخرين وبالجملة كما فعل هو, باختصار تمسك الرئيس الأمريكى فى خطابه الأخير بمغامراته الدموية بالشراكة مع الوكيلة قطر, وبفرصة أخيرة لتسليح أصدقائه الإخوان من اجل القضاء على نظام بشار الأسد.
وفقا لرغدة درغام, المحللة السياسية الأمريكية اللبنانية الأصل, فان اوباما قد أصر فى خطابه الأخير على ألا يفهم حقيقة أن الشعب المصرى يحتفل منذ أيام بإفشاله مشروعه الأخطر على المنطقة برمتها, وان المصريين بكل وعى قد رفضوا أن تكون إدارته أو «عقيدته « جزءا من المعادلة التى اختاروها لإدارة مستقبلهم. أيضا اختار اوباما عدم الاعتراف بان التطورات السورية الجديدة تثبت فشل «عقيدته», سواء عدم اعترافه بوجود انتخابات تجرى فى البلاد التى شارك فى تدميرها, أو وجود جهود مصالحة يمكن أن تؤدى إلى نتيجة ما, وقد اختار فى المقابل أن يتمسك بالإستراتيجية التى اعتمد عليها منذ البداية, تجنيد الآخرين لخوض الحروب الأمريكية فى المنطقة.
تحدث اوباما بحماس عن تسليح المعارضة السورية المعتدلة, التى وصفها بأنها أفضل بديل عن الإرهابيين والديكتاتور الوحشي, وهو الاتجاه الذى حذرت منه موسكو واشنطن, فيبدو أن إدارة اوباما مصرة على تكرار نفس الأخطاء وهى تظن أنها ستأتى بنتائج مختلفة, مما يدخلها فى اطار التعريف الرسمى للجنون, فمع إعلان اوباما عن إجراءات لدعم المعارضة السورية التى حددها بالمعتدلة, مع إشارات ان تتضمن هذه الإجراءات تقديم مساعدات عسكرية وتدريبا للمقاتلين السوريين وتزويد هذه المعارضة بأنظمة صاروخية حديثة مضادة للطائرات, مما يعنى كما عبر مؤخرا وزير الخارجية الروسي, سيرجى لافروف, عن تشكيل خطر كبير على الطيران المدنى ليس فقط فى المنطقة ولكن خارجها ايضا, مما قد يشمل الولايات المتحدة نفسها, انها نفس الاستراتيجية الفاشلة التى اتبعتها واشنطن مع تسليح مجاهدى افغانستان الذين شكلوا تنظيم القاعدة, فكانت هجمات 11 سبتمبر. والواقع أن المعارضة السورية قد تسلمت بالفعل منذ أيام صواريخ فرنسية مضادة للطائرات, بعد ان أعلنت ادارة اوباما رفع رفضها وصول هذا النوع من الأسلحة إلى المعارضة, التى تسميها «معتدلة», مع اعتراف واشنطن من قبل كما جاء مرارا فى صحيفة نيويورك تايمز بأنه لا توجد فى سوريا معارضة مقاتلة معتدلة يمكن التعامل معها.
وول ستريت جورنال نشرت منذ أيام, أن اوباما على بعد خطوات من تفويض بعثة بقيادة الجيش الأمريكى لتدريب المتمردين السوريين المعتدلين لمحاربة نظام بشار الأسد, وتعترف الصحيفة الأمريكية بان هذه الجماعات التى يعتبرها اوباما معتدلة هى جماعة الإخوان المسلمين السورية المتصلة بتنظيم القاعدة, وان برنامج التدريب الجديد سيكون بقيادة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وسيكون برنامجا سريا كان اوباما قد سمح به منذ العام الماضي.
كان فيلم وثائقى أمريكى عرض منذ أيام على محطة بى بى اس بث مقابلات مع من تعتبرهم الإدارة الأمريكية المعارضين المعتدلين فى سوريا, يظهر أن ادارة اوباما قد رتبت لبرنامج تدريبهم فى قطر, وانه يتم حشدهم فى تركيا لإجراء فحوصات طبية عليهم وتحديد جاهزيتهم للقتال قبل نقلهم إلى مخيم يضم مدربين أمريكيين فى قطر للتدريب على استخدام الأسلحة المتطورة وتقنيات القتال بما فى ذلك كيفية نحر جنود الجيش السورى النظامي, بعد جرهم إلى كمائن.
كانت واشنطن وفق العديد من المراقبين قد خططت على مدار العام الماضي, لكيفية ممارسة المزيد من الضغوط على نظام الأسد دون أن تقحم الجيش الأمريكى فى حرب فعلية طويلة المدى فى الشرق الأوسط, وهو ما يمكن أن نسميه استيعاب الدرس العراقي.
ويوضح بارى روبين مدير مركز الأبحاث الدولية ورئيس تحرير مجلة الشرق الأوسط للشؤون الدولية, أن الولايات المتحدة قد عملت طوال الوقت على تسليح المقاتلين الإسلاميين الراديكاليين فى سوريا وأبرزهم التابعون لجماعة الإخوان المسلمين فى سوريا بشكل سري, وان وزارة الخارجية الأمريكية عملت معهم طوال الوقت ممثلين فى المجلس الوطنى السورى الذى يسيطر عليه الإخوان, وهى تدرك جيدا أن هذه الأسلحة ستستخدم على نطاق واسع فى انتهاكات وحشية لحقوق الإنسان, أبرزها مجازر عرقية للعلويين والمسيحيين السوريين. وكان وزير الخارجية الأمريكية جون كيري, قد بحث مؤخرا دعم إخوان سوريا مع رئيس وزراء قطر, التى عملت بدورها على توريد الأسلحة إليهم فى سوريا بالإضافة إلى المليشيات المنظمة التابعة لهم, وهذا على الرغم من معرفة الخارجية الأمريكية لحقيقة تورط قطر -الصداع المزمن فى الشرق الأوسط-مع القوى الإسلامية المتطرفة, لكن كيرى تجاهل كالعادة هذه الحقيقة ووصفهم بأنهم المعارضة السورية المعتدلة.
من الواضح أن اوباما ما زال مصرا على عدم الإقرار بان فشله تجاه سوريا أدى إلى مقتل أكثر من 160 ألف سورى وخلق ارض خصبة جديدة للإرهاب, ويبدو أن ولعه بالإخوان لم ينته لذا فبعد فشله فى فرضهم على مصر قرر أن يسلحهم للسيطرة على سوريا, معتبرا إياهم «الأخيار» المعتدلين.

صحيفة الأهرام المصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى