أين هو بلد الثعالب ..؟ (ماهر سليمان العيسى)

ماهر سليمان العيسى

جون فوستر دالاس John Foster Dulles ) 1888 – 1959 وزير الخارجية الأمريكي في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور بين عامي 1953 حتى 1959. كان من أهم الشخصيات المؤسسة للحرب الباردة ، ومن منظري العداء الغربي للشيوعية، ومن منظري الاستفادة القصوى من مشاركة الولايات المتحدة للحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وتبرير إدعائها حقها كقوة عظمى ذات أهمية في الهيمنة باستخدام أشكال القوة المختلفة خشنة أو ناعمة أو…
وهو من دعا إلى دعم فرنسا في حربها التي شنتها على فيتنام، في وقت كان العالم يدهش لهذا الموقف فما زالت جراح الحرب العالمية الثانية حارة آنذاك، لقد كان فعلياً يدير الخارجية الأمريكية ويخطط لعمليات وكالة المخابرات المركزية أيضاً، فهو المخطط والمشرف على عملية إسقاط حكومة محمد مصدق الديمقراطية الإيرانية في عام 1953 (عملية اياكس AJAX) وكذلك حكومة أربينز الديمقراطية في غواتيمالا عام 1954عملية  PBSUCCESSالخ.. هو باختصار، أستاذ في إدارة الصراعات، وافتعالها، وفي إسقاط الحكومات، واصطياد الطامحين للسلطة واستخدامهم، وكذلك هو أستاذ في الوقاحة والصلف السياسيين!.
ينقل عن هذا الغول السياسي، أحد جرائه، شخص يدعى مايلز كوبلاند عميل المخابرات الأمريكية وعضو فريقها في الشرق الأوسط آنذاك، في كتابه الشهير لعبة الأمم القول التالي  "أتضايق من تذاكي السياسيين المصريين علي حين ألقاهم، ولكن أكثر ما كان يقلقني هو أن أحتاج للقاء أبناء عمومتهم.. الثعالب السورية..!.) .. المقصود هنا ما كان يرميه أمامه من حجج ضعيفة سياسيو مصر (1953 –  1959) للتخلص من حصاره لهم، وحفاظاً على استقلالهم الجديد مع أنهم في موقع قوة، وقد سيطروا بالكامل على بلادهم، وما كان يفعله سياسيو سورية لنفس الفترة في القدرة على الاستفادة من موقع بلدهم الجيو استراتيجي ومن التوازنات والتناقضات الدولية ، التي تجعله (دالاس .. ماغيرو) وغيره يقدم لهم العروض التي يختارون منها ما يناسبهم.. حتى مع صراعاتهم.! .
واليوم. بعد التجريف المستمر للرحم الوطني طويلاً، يمر السوريون في أصعب أيام تمر عليهم خلال تاريخهم كله، ويتوقفون أمام ثنائيات غريبة عنهم وعن تاريخهم.  فثنائية فيها نفر يطير صوابه من شعار يلعن فيه رئيس سابق كان السبب المؤسس لكل ما حصل للسوريين فيقول وينفذ فعلاً شعاراً مضاداً (الأسد أو نحرق البلد) .. يقابلها غالبية ساحقة لم تستطع أن تنتج من بينها خلال عامين من الدم والمرارة، كياناً سياسياً واحداً فاعلاً يمكن أن يشكل قاسماً وطنياً مشتركاً لها؟!.
وثنائية أخرى فيها رئيس للبلاد يحتاج لإخلاء نصف العاصمة من المارة، كي يلقي خطاباً عن صلابة موقفه وقدرة حسمه وفروسية أنصاره وهو بنفس الوقت يحتاج لخبراء عسكريين وأمنيين إيرانيين يقيمون في قصره، ويشرفون على أمنه الشخصي وطعامه، ناسياً أن الجيش الحر يخيم على بعد مئات الأمتار من غرفة نومه.. !
يقابله أيضاً رئيس لائتلاف نصب رئيساً عن قوى الثورة والمعارضة، بل والسوريين جميعاً أيضاً (لأنه الأكثر سماحة والأقل طموحاً) فنجده يتجلى ويحذر السوريين من مغبة عدم تشكيل حكومة مؤقتة، لماذا..؟  لأن مجلس الأمن سيشكل حكومة سورية بقرار منه وتحت الفصل السابع؟؟!!!.
وثنائية ثالثة فيها مقيم في دمشق يدعى قاسم سليماني (قائد فيلق القدس) كقائدٍ فعليٍ ورئيسٍ غير معلن لأركان الجيش السوري، تقابله قيادات "مُوَحَدة وموًحِدة"  لم نعد نعرف عددها لوحدات الجيش الحر تجلس في تركيا وتختصر دورها في الرد على مقاتلي الأرض الذين يطلبون تسليحهم وتذخيرهم بالقول أنها عاجزة ولا تعرف كيف ستؤمن هذا. وتبقي الفعل الأكثر تأثيراً لجبهة النصرة التي لا يعرف السوريين لها قيادة ولا توجهاً حقيقياً، ولا مصدراً للمال والسلاح.!.
لاشك أن موقع سوريا ودورها، ثروة.. وبلاء!، ولاشك أن روح الزعامة التي تحدث عنهم يوماً شكري القوتلي عندما أهدى سوريا للرئيس عبد الناصر ثروة، وبلاء أيضاً!. ولا شك أن ثنائية الثروة عندما تلاقي كفاءة الزعامة ستنجزان أعظم المهمات، وأن ثنائية بلوى التهديد عندما تتلاقى مع بلوى طموح الزعامة ستنتجان أعظم الكوارث..
سوريا اليوم.. أشبه بالظبية التي هربت من أنياب ضبع قاتل كاد يقتلها، فوقعت عين كل الذئاب والصيادين المحترفين عليها، وأيضاً من يحاولون تعلم الصيد…! فكم هي الآن بحاجة إلى خبرة ثعالبها.

وكالة نوفوستي الروسية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى