إسرائيل تنعي رسميًا “الحزام الأمنيّ” بالجنوب السوريّ وتؤكّد انتهاء مشروع “الجيرة الحسنة” مع القرى الـ”سُنيّة” بالجولان

بنظرةٍ معمقةٍ وبتمحيصٍ علميٍّ وعمليٍّ يُمكن القول إنّ التوجّس الإسرائيليّ من اقتراب الجيش العربيّ السوريّ إلى الـ”حدود” مع كيان الاحتلال، نابعٌ من عاملين أساسيين: الأوّل، الإقرار علنيًا ونهائيًا بفشل رهان تل أبيب على عددٍ من التنظيمات الـ”مُتمردّة” لإنشاء حزامٍ أمنيٍّ في الجنوب السوريّ، والثاني، يحمل في طيّاته رسائل إسرائيليّة هدفها إرهاب سوريّة وتهديدها بشنّ حربٍ جديدةٍ على الجبهة الشماليّة.

وفي هذا السياق رأى مُحلّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة، عاموس هارئيل، المُرتبط بالمؤسسة الأمنيّة في تل أبيب، رأى أنّه في الجانب السوريّ من الحدود، في الجزء الشماليّ الغربيّ من هضبة الجولان، عاد الجيش السوري مؤخرًا إلى التكتيك المتبع لديه: وحدات من الجيش حاصرت قرى سنّية صغيرة، ووضعت أمامها إنذارًا نهائيًا: الاستسلام وإعلان الولاء للنظام أوْ حرب إبادة، على حدّ زعمه.

وتابع: خطوة بعد أخرى يعود الرئيس بشّار الأسد إلى السيطرة على مناطق أخرى تمّ “أخذها” منه خلال سنوات الحرب الأهلية، مُشدّدًا على أنّ الجيش السوري والمليشيات التي تعمل بالتنسيق معه يسيطرون الآن على 70 بالمائة من مساحة الدولة ومعظم سكانها يقعون الآن تحت سيطرتهم، وذكّر أيضًا، أنّه في صيف العام 2015 قبل تدخل روسيا العسكري سيطر الأسد على نحو ربع مساحة سورية. وأردف قائلاً إنّ إطلاق سربين من الطائرات الحربية الروسية في خريف السنة نفسها حرّك عددًا من العمليات التي انتهت فيما يبدو اليوم انتصارًا للنظام.

ونقل عن مصادره الـ”رفيعة” في المؤسسة الأمنيّة لدولة الاحتلال قولها إنّ استسلام “داعش” تمّ استغلاله من النظام وإيران والمليشيات الشيعيّة (!) للسيطرة على مناطق واسعة من المناطق التي أخلاها التنظيم المتطرف في الوقت الذي يطردون فيه تنظيمات للمتمردين من مناطق أخرى.

وشدّدّ على أنّه المرحلة المقبلة، سيعمل النظام للسيطرة مجددًا على منطقة الحدود مع لبنان في المداخل الشمالية في جبل الشيخ، وبعد ذلك، حسب التقديرات، تنوي وحدات الجيش السوريّ بدعم من حزب الله والمليشيات، محاولة طرد المتمردين السنّة من وسط وجنوب الهضبة أيضًا، والمناطق التي سيطروا عليها قبل نحو خمس سنوات، مُشيرًا إلى أنّ المواجهة يمكن أنْ تكون أكثر صعوبةً لأنّ نجاح النظام في مناطق أخرى جعل مئات المتمردين يهربون إلى الجولان، فقط في فرع داعش الذي يسيطر على جيب في جنوب الهضبة قرب مثلث الحدود مع إسرائيل والأردن، هناك نحو ألف مقاتل.

وأوضح أنّ هذه التغيرات تضع إسرائيل أمام معضلة جديدة، لها أيضًا جانب أخلاقي، ففي السنتين الأخيرتين وبوساطة خطة “جيرة طيبة” التي توفر علاجًا وأدوية وغذاءً وملابس لسكان القرى القريبة من الحدود، تمكّنت إسرائيل من تحسين علاقتها مع هذه القرى (وسائل الإعلام الغربيّة تتحدّث عن أنّ المساعدة الإنسانية تشمل أيضًا إرساليات ذخيرة، إنْ لم يكن سلاحًا). وتساءل: ماذا ستفعل إسرائيل الآن إذا كان النظام يُركّز جهوده في أساليبه المعروفة على إعادة السيطرة على هذه القرى؟.

وردّ بالقول إنّه في المُستويين السياسيّ والأمنيّ هناك مَنْ ينظرون إلى التطورات الجديدة نظرة تحليلية بارزة: عودة نظام الأسد قريبًا من الحدود من شأنها أنْ تضمن فيها استقرارًا أكبر وتوقظ سيل الجهاديين السنّة الذي يتدفق إلى المنطقة، وحتى أنّه تُسمع تقديرات بأنّ تشابه مصالح الأسد وحلفائه الإيرانيين سيتضرر كلمّا تعزز النظام، والرئيس السوري لن يسمح لهم الاقتراب من الحدود في أعقاب جيشه.

في المقابل، قال المُحلّل نقلاً عن المصادر عينها، في الجيش الإسرائيليّ هناك قلق من أنّ إسرائيل تنظر وهي مكتوفة الأيدي إلى “مجرم الحرب”، الذي يجني ثمار انتصاره، زاعمًا أنّ كلّ أطراف الحرب في سورية ارتكبوا جرائم حرب فظيعة، لكن جرائم معسكر الأسد كانت هي الأصعب والأكثر منهجية منها جميعًا.

وقد أشار ضابط كبير قبل بضع سنوات إلى أنّه في اختبار التأريخ ستجد إسرائيل صعوبةً في تبرير حقيقة أنّها ردّت بتسليمٍ مُطلقٍ ولم تُحرّك ساكنًا من أجل وقف ذبح الشعب الذي يجري على بعد بضعة كيلومترات، قال المُحلّل الإسرائيليّ.

يُشار إلى أنّ الإقرار الإسرائيليّ بفكّ الـ”شراكة” مع التنظيمات المُتمردّة في سوريّة، يكون قد دُقّ المسمار الأخير في نعش الرهانات الإسرائيليّة في سوريّة.

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى