مكاشفات

اسكندر حبش.. عندما يدرك الشاعر اقتراب ساعته

د. محمد الحوراني

هل يمكن للمرء أن يعلم بدنوّ أجله واقتراب رحيله عن الدنيا؟! نعم ربما يدرك الصادق النبيل والإنساني الروحاني والمثقف الحقيقي ذلك.

إسكندر حبش هذا المثقّف الموسوعيّ والشاعر الحقيقيّ كان يدرك أن ساعة رحيله قد اقتربت ولهذا حقب أمتعته وعضّ على وجعه الذي كان فيه وحيداً تقريباً، ولم يكن حوله إلا قلّة قليلة جداً ممّن وقفوا معه وأعانوه في وجعه الأليم، كان اسكندر حبش في الأيّام الأخيرة عاجزاً حتّى عن تأمين أدويته الضروريّة، بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس، شعراً وترجمةً وفلسفةً وصحافةً وبعد أن حقّق حضوراً ثقافيّاً هو الأميز في صحيفة السفير.

لم يكن اسكندر حبش كغيره من الكتّاب والصحفيّين المتسوّلين واللاهثين خلف أصحاب المواقع والثروات، كان يعتب على من يحبّ وهو في شدّة الألم، ذات تواصل بيني وبينه وقبل أيّام على رحيله طلب منّي أن أوصل رسالةً لفلان بأنّه ” زعلان كثيراً” منه وأراد إسكندر أن يصل كلامه مباشرةً إلى فلان، وكنت حاولت التواصل مراراً مع فلان لإبلاغه دون جدوى، فأرسلت له خبراً مع بعض المقرّبين لعلّه يتكلّم معه أو يقوم بأقلّ الواجب تجاهه، وهنا لا أنكر أنّ بعض الأصدقاء في بيروت سارعوا لزيارته عندما أخبرتهم بوضعه الصحيّ الحرج ووقفوا إلى جانبه وأبدوا استعدادهم لتأمين الدواء اللازم له.

قبل فترة من رحيله وكنت قد أنهيت قراءة ” الممهّدون للفلسفة النقديّة” لإتيان فاشورو وكتاب ” صراع الدين والفلسفة في محاكمة سقراط” لفيكتور دوروي وآخرون، وهما من أهمّ الكتب التي ترجمها وقدّم لها اسكندر حبش، تواصلت معه مُبدياً رغبتي في مساهمته في ملف عن ” العرب والحراك الفلسفيّ” يومها اختار إسكندر الكتابة في موضوع فلسفيّ لم يبحث كما يجب وهو تأثير ابن رشد على دانتي وكنت سعيداً أيّما سعادة بهذا العنوان المميّز، وفيما كنت أنتظر بحثه تواصلت معه مطمئنّا على وضعه الصحيّ ليخبرني أنّه في المشفى وأنّه ” اقترب من الخاتمة” واسيته بما استطعت وعيني تفيض بالدمع وقلبي يغصّ بالحزن على واقع المثقّف العربيّ الذي لايجد في هكذا لحظات من يواسيه أو يمدّ له يد العون وهو أحوج مايكون إليها.

قلت له : ” كن متفائلاً .. الحياة تليق بك والجمال صديق روحك التي لايقهرها قبح” ولأنّه كان موقناً بدنوّ أجله أجابني ” لست متشائماً ولكن لا قدرة لي على أيّ شيء” بعدها بأيّام وبعد أن عاودت الاطمئنان عليه أجابني بصوتٍ يغلبه الحزن ويكسره الأسى ” أنا من سيّء إلى أسوء.. الوضع خربان على جميع الجهات، ومع هذا أصرّ على السؤال عني والاطمئنان على وضعي”، بعد أيام قليلة أرسل لي مطمئناً على صحتي بعد أن علم بتعرّضي لأزمة صحيّة أجبته عن وضعي فسألني إن كنت في المشفى أم في البيت أجبته ومازلت أنتظر قبلة منه أو وردة أو ” عبوطة كبيرة” أرسلها ذات محادثة.

إسكندر حبش أيّها الراحل إلى عالم الخلود والحقيقة آمل منك أن تعذر تقصيري معك وأنت الكبير النبيل المتسامح مع كل محبٍّ وصديق.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى