أذان في غير وقته : معرفة الرأي العام، مهمة المجتمعات العربية !

  

وقع العرب منذ الخمسينات في وهْم ِ (معرفة توجهات الجمهور)، وكان سبب ذلك عفوية الشعوب العربية في ردود أفعالها على طروحات حكامها، وخاصة في فترة ظهور المد القومي، الذي تلا موجة الاستقلال في أكثر من دولة عربية.

وعندما فرض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر شخصيته وأفكاره الجذابة في سوق الزعامات العربية فقد َ العربُ موضوعية الحديث عن الرأي العام، فالتأييد الواسع لعبد الناصر، غيّب إمكانية وجودِ آراء أخرى في المجتمعات العربية، وأدت هذه الفجوة إلى إرباكات وأزمات وأخطاء كبيرة في سياسة هذا الزعيم.

وكما هو معروف، فإن قياس الرأي العام ومعرفة توجهاته هو مهمة ينبغي إنجازها في مجالات السياسة والاقتصاد والتسويق والحياة الحزبية والإعلام، وهي مهمة لاتعود بالضرر على القوى المتنفذة في السوق السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بل على العكس تجعلها أكثر قدرة على التجاوب مع حركة الجماهير ومواكبتها أو التعبير عن طموحاتها والتعايش معها (بسلام) و (نجاح) !

والمسألة الأكثر أهمية في قياس الرأي العام هي إيجاد آليات التعاطي معه، وإلا فالقطيعة ستحدث لا محالة، وإن تأخرت زمنياً. وعندما تحصل القطيعة، ينتج نوع من الكساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتتوالد الأزمات وهذه حقيقة ماثلة في الصراع الاجتماعي!

في التاريخ ، ثمة حكاية مأساوية، قد تكون معروفة للكثيرين، وفي ملخصها أن الخليفة سمع أذاناً في غير وقته، فاستغرب، وطلب إحضار المؤذن، وكان خياطاً، وعندما عرف منه ما وقع من ظلم، مُنعت عن الخليفة تفاصيله، قال  للخياط :

ــ كلما رأيتَ منكراً صغيراً كان أو كبيراً ولو على هذا!! – وأشار إلى صاحب الشرطة – ، فأعلمني ، فإن اتفق اجتماعك بي فستجد أذنا صاغية، و إلا فعلامة ما بيني و بينك الأذان.. فأذّن في غير موعد الأذان !

اليوم، تغيّرت أحوال الناس وتبدلت وحاق فيهم الظلم والقهر والخيبة، وفي تغير الأحوال تتغير الأفكار، ومن الضروري ملاحظة هذه التغيرات، فعندما يجهل الحكام جوهر الأمر، وحقيقة هذه التغيرات، تضيع الفرصة التاريخية في تدارك المصائب والأزمات التالية، ويقع مالم يكن في الحسبان، وهو التناقض بين الحاكم والمحكوم، الذي ينتج عنه صراع خفي لا يلبث أن يعبر عن نفسه في التمرد والاحتجاج ..

في هذا المعنى، إن الحديث عن الرأي العام هو في غاية الأهمية، والحاجة إليه قد يترتب عليها تغييرات في السياسات المتبعة والشخصيات التي تتعاطى مع هذه السياسات، والأخطر هو أن التراخي قد يأخذ إلى أبعاد مدمرة، وعلى الأقل فإن القطيعة تفسح المجال أمام الطامعين في تمزيق بلادنا!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى