الأحزاب النائمة في سورية ! (2) : الشيوعيون بين الموالاة والمعارضة

دخلت الأحزاب الرئيسية في سورية معترك الصراع السياسي والحزبي فيما بينها مبكرا، وربما كان أهم سبب في هذا السياق هو مشروع الوحدة بين سورية ومصر الذي اندفع نحوه البعثيون ثم انقسموا حوله، وكذلك عارضه الشيوعيون ثم انقسموا حوله، ومن ثم قاومه الإخوان المسلمون في معركة عنيفة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ومن الأسباب الأخرى تبعات القضية الفلسطينية التي اعتبرها العرب جميعا منذ إعلان قيام إسرائيل في أيار 1947 ووصولا إلى لحظة ((الربيع العربي)) الحالي القضية المركزية للعرب .

واجهت الأحزاب السورية مجتمعة هذين المعطيين بمجموعة وجهات نظر دفعت إلى شرخ كبير ما لبث أن اتسع حتى تحول إلى مسافات من التباعد بينها ، فالشيوعيون، أي : ((الحزب الشيوعي السوري)) التاريخي بزعامة خالد بكداش كان متهما بمعارضته الوحدة بين سورية ومصر، ثم بموافقته على القرارات الأممية الروسية المتعلقة بتقسيم فلسطين، وتبع ذلك تفاعل داخلي ((1969)) في صفوفه نتج عنه ظهور جناح المكتب السياسي الذي تزعمه ((رياض الترك)) فتحول الجناح الجديد باتجاه قومي ديمقراطي يريد تحرير فلسطين وسريعا تصادم رياض الترك مع الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس حافظ الأسد عام 1970 والتي يفترض أن تكون طروحاته قريبة منها، فدخل المعتقلات على أرضية اصطفاف جديد عام ((1980)) أراد تغيير نظام الحكم وكانت جماعة الإخوان المسلمين محركه الرئيسي .

ثم مالبث الجزب الشيوعي أن انقسم ، فخرجت منه تيارات أخرى من بينها تيار منظمات القاعدة الذي يتزعمه مراد يوسف وتيار جديد تزعمه يوسف الفيصل الذي مالبث أن انضم إليه تيار يوسف نمر وبدر الدين السباعي اللذين كانا يدعوان إلى وحدة الشيوعيين كل مع مجموعته كما انضم مراد يوسف مع منظماته ، وتجمعوا في تنظيم جديد اسمه (( الحزب الشيوعي السوري الموحد)) الذي يوازي الحزب الشيوعي وأمينه العام التاريخي خالد بكداش.. أي أن الشيوعيين تشظوا إلى أكثر من اتجاه، ثم عادوا فاتحدوا، وكانت حصيلتهم مع اندلاع حريق ((الربيع العربي)) واشتعال الحرب في سورية عام 2011 :

* الحزب الشيوعي السوري وأمينه العام الدكتور عمار بكداش ، وهو يؤصل مواقفه السياسية على أساس برامج متجددة تسعى لمحاربة الفساد وتجذير الخط الوطني في النظام السياسي القائم .

* الحزب الشيوعي الموحد وأمينه العام حنين نمر، وهو من الشخصيات النظيفة التي نالت سمعة جيدة في كل المناصب التي تولاها ، وخاصة أهم مؤسسة سورية تقوم على إدارة ثروة ((القمح السوري)) ، وأقصد هنا المؤسسة العامة للحبوب والمطاحن . الحزب الشيوعي الموحد يصدر صحيفة النور الأسبوعية، التي تنشر مقالات تحمل معارضة جدية للسياسات الحكومية وتنأى عن الصدام السياسي، فلا يخرج قادتها بتصريحات علنية موالية أو معارضة !

* حزب الشعب الديمقراطي، وهو من بقايا جناح المكتب السياسي ((رياض الترك))، وقد وصل إلى قيادته أحد السجناء الشباب غياث عيون السود.. وقد شهد بدوره تهالك في القوى التنظيمية وخرجت منه أيضا جماعة سياسية معارضة يقودها محمد سيد رصاص..

* الجبهة الشعبية للتغيير ، وعمودها الفقري ((جماعة صحيفة قاسيون )) ، التي أطلقها الدكتور قدري جميل بعد خلافه مع الدكتور عماربكداش وخروجه من الحزب الشيوعي السوري، وكانت أهم خطوة أقدم عليها هي تجسيد خط سياسي منفصل عن الحزب الشيوعي مع استمرار صحيفة قاسيون بنشاط واسع وصولا إلى تغيير اسم التنظيم الذي أصبح جاهزا لحمل البرنامج المعلن، وشكلت هذه المجموعة نشاطا كبيرا ومهما أسس لقوة معارضة لاقاها الكثيرون من المثقفين السوريين بعد عام 2011.

* حزب العمل الشيوعي في سورية ، وهو حزب كان يعرف برابطة العمل الشيوعي تشكلت من مثقفين اختلفوا مع أحزابهم التي كانوا موجودين فيها : البعث ، الاشتراكيون العرب، حزب البعث الديمقراطي (23 شباط)، الحزب الشيوعي السوري.. وقد وجهت إليه ضربات متتالية واعتقلت قياداته المعروفة : فاتح جاموس، أصلان عبد الكريم ، وائل السواح، عبد العزيز الخير، أكرم البني، باسل حوراني..

ومن حزب العمل الشيوعي خرج فاتح جاموس ليشكل التيار الديمقراطي وينضم إلى الجبهة الشعبية للتغيير، كما خرج ((لؤي حسين)) الذي شكل تيار بناء الدولة عام 2011 ، ويشغل وائل السواح الذي كان مع لؤي حسين من منظمي مؤتمر السميراميس المعارض يشغل أخيرا عمل الأمين التنفيذي لمنظمة اليوم التالي في سورية وهي معارضة أيضا ..

إن تفاصيل ومعطيات كثيرة تدخل على خطا خارطة الانقسامات الشيوعية في سورية وتشتتها وضعفها في مواجهة التيارات الأخرى، لكن السمة العامة للأحزاب النائمة فيها هي التحرك الحذر ضمن إطار التحالف القديم ، أي الجبهة الوطنية، دون أي مغامرة سياسية غير محسوبة، لكن التيارات التي خرجت إلى المعارضة لايمكن تسميتها بالنائمة، بل هي صورة من صور الحراك السياسي في الفكر الشيوعي، وهو يعجز عن صياغة بديل متماسك قادر على التأثير في الأحداث الجارية في سورية والسعي إلى توجيهها باتجاه يساري علماني ..

((يتبع))

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى