الأردن أمام “ربيع” أو “خريف” أو “شتاء”؟ (سركيس نعوم)

سركيس نعوم

 

"الربيع العربي" وصل الى المملكة الاردنية الهاشمية، في رأي عدد من متابعي أوضاعها عرباً وأجانب. فعاصمتها عمان تشهد اسبوعياً تقريباً تظاهرة شعبية تنطلق من المساجد بعد صلاة الجمعة، وتكون حاشدة حيناً ومتوسطة حيناً آخر. كما تشهد أحياناً مدن أردنية عدة تظاهرات مماثلة. ويرفع المتظاهرون دائماً شعارات تدعو الحكومة الى تنفيذ اصلاحات جدية وجذرية في المجالات السياسية والاقتصادية والانمائية والاجتماعية. ولا يتورَّعون، وخصوصاً في اوقات تصاعد الصراع السياسي في الداخل، عن توجيه الانتقادات الى السلطة الأكبر في البلاد التي يمثلها الملك عبدالله الثاني. لكنهم لم يطالبوا عموماً بالإصلاح الذي يدعو الى ابدال النظام الملكي الحاكم منذ تأسيس الدولة الاردنية بنظام جمهوري ديموقراطي، او الى اقامة ملكية دستورية مكان الملكية المطلقة الصلاحيات وفي كل المجالات والمُمسِكة بالمؤسسات التي يفترض انها جزء من النظام الديموقراطي مثل الحكومة ومجلس النواب. فقط مرات محدودة جداً طالب المتظاهرون أو الاحزاب التي تقودهم، وفي مقدمها جماعة "الاخوان المسلمين" وهي "الحزب" الديني – الدعوي والسياسي الاقوى في الاردن اليوم، بالملكية الدستورية. لكنهم لم يلحّوا على ذلك لأسباب عدة. قد يكون منها معرفتهم ان العاهل الاردني الذي يعتبر انه قام بمحاولات اصلاحية عدة لن يتخلى عن سلطته طائعاً. ويعني ذلك انه قد يستخدم القوات المسلحة بغية المحافظة عليها، ويعني ايضاً انه قد يلجأ الى توظيف الحساسية التي لا يستطيع احد انكار وجودها بين الشرق اردنيين "الاصليين"، اذا جاز التعبير على هذا النحو، والشرق اردنيين من أصل فلسطيني، والتي كان لها دور مهم في حماية النظام الملكي ايام الراحل الملك حسين. وتوظيف كهذا قد يشعل حرباً داخلية لا يريدها شعب الاردن بشقيه، وخصوصاً بعدما شهد بأم العين الثورات الشعبية المحقة تتحول حروباً داخلية تشعلها الانظمة دفاعاً عن نفسها. وقد يكون من الاسباب ايضاً معرفة المتظاهرين، اي المعارضين سواء للنظام أو لإحجامه عن الاصلاح او لعجزه عنه، ان الاردن ليس دولة فحسب، بل هو خط تقاطع اميركي – غربي – اسرائيلي – عربي. ويعني ذلك ان اطراف هذا التقاطع سيتقاطرون لحمايته ونظامه، وطبعاً لأسباب كثيرة لا تمتّ بصلة الى مصالح الشعب الاردني.
إلا ان اللافت في المعارضة الاردنية وبقيادة "الاخوان المسلمين" انها أعادت اخيراً طرح إقامة ملكية دستورية في البلاد. فهل يعني ذلك انها قررت خوض مغامرة التغيير اياً تكن كلفتها؟ وهل يعني انها واثقة من ازالة العقبات من طريق نجاحها والمذكور بعضها اعلاه؟
طبعاً لا أجوبة نهائية عن اسئلة كهذه. لكن "المعلومات الاردنية" عند مصادر اسلامية لبنانية جدية تشير الى ان "الاخوان" موجودون في اوساط الاردنيين "الأصليين" والفلسطينيين. وهذا أمر قد يضعف الحساسية بين جناحي الشعب في الاردن التي يمكن توظيفها لإحباط اي تحرك شعبي جذري في مطالبه الاصلاحية. وتشير ايضاً الى ان فلسطينيي "اخوان" الاردن متشددون و"حادّون" جراء عدم نسيانهم ما يعتبرونه دوراً مسيئاً لقضية فلسطين قامت به المملكة قبل عقود كثيرة. أما اردنيّو "الاخوان" فهم أكثر مرونة واعتدالاً وانفتاحاً على المناقشة فالتسوية. وتشير ثالثاً الى ان المتشددين كانوا دائماً يفوزون في الانتخابات الداخلية لـ"الاخوان". وعندما كوّنوا "جبهة العمل الاسلامي" كان الفلسطينيون قادتها، وخلق ذلك حساسية بين "الجناحين". لكنهما توصلا، وبعد مباحثات جدية بينهما وفي ظل الاخطار الداهمة داخلياً وعربياً، الى تفاهم يتضمن المطالبة بقانون انتخاب عادل يوصل الى مجلس النواب ممثلين فعليين للشعب. ويتضمن ايضاً تلويحاً بالمقاطعة في حال رفض هذا المطلب. و"الاخوان" يعرفون انهم قادرون على جذب احزاب وشخصيات اردنية كثيرة الى موقفهم المقاطع. ويتضمن اخيراً اشارة واضحة، وإن غير استفزازية، الى الملكية الدستورية. هل يتجاوب الملك عبدالله الثاني مع المطالب المرفوعة؟
تجيب المصادر نفسها انه التقط الاشارة، وانه يحاول ايجاد حل جدي لهذه المشكلة. إذ أن الحجم الشعبي لـ"الاخوان" اردنيين وفلسطينيين ومعهم "حماس" الموجودة داخل الاردن يغري حماة النظام والدولة بالنظر جدياً في بدائل تلغي الدولة. لكن لا يمكن معرفة النتائج منذ الآن، علماً ان البعض قد يعتبر أن إعادة "حماس" رسمياً الى الاردن مع اصلاحات جدية وإن غير جذرية قد تهدىء الاحتجاجات الشعبية.

صحيفة النهار اللبنانبة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى